رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عندما يتكلم جمال حمدان فنحن له منصتون

لأننا نعيش كلنا الآن فوق فوهة بركان لم ينفجر بعد اسمه: العطش.. الذى تنصب لنا فخاخه دولة جارة لنا اسمها إثيوبيا.. ونحن أيها السادة كما شاء لنا قدرنا مازلنا نحمل منذ الأزل لقب: «مصر هبة النيل».. وهى عبارة عمنا هيرودوت المؤرخ الإغريقى الذى زار مصر عندما كانت سيدة العالم القديم.. عظمة وقوة وفنا وحضارة ونورا وفخرا وفخارا.. لا ينازعها فى زعامة الكون القديم إلا بلاد الإغريق وآلهتهم ـ كما كانوا يعتقدون ـ تسكن قمة جبل الأوليمب فى بلادهم وإن كان عمنا هيرودوت نفسه ـ لم ينكر أبدا أنه جاء مصر دارسا وطالبا للعلم والمعرفة.

كما تعلم فلاسفتهم العظام وفى مقدمتهم عمنا سقراط وأبوقراط وعمنا أرسطو وكلهم كانوا مجرد تلاميذ فى جامعة «أون» المصرية أقدم جامعة فى التاريخ الإنسانى كله ومكانها الآن تحت تراب حى عين شمس وحى المطرية.. حيث قامت الدنيا ولم تقعد عندما عثروا على ما يعتقد إنه بيت نبى الله سيدنا يوسف عليه السلام.. وإلى جواره بيت قوطفير كاهن أون وأبو «أسنات» التى تزوجت من سيدنا يوسف عليه السلام, وأقامت معه تحت سقف هذا البيت وأنجبا أولادا وبنات!

وأنا شخصيا أيها السادة أسعدنى زمانى عندما دخلت يوما فى شبابى الصحفى.. بيت سيدنا يوسف عليه السلام.. نفسه والذى عثر عليه عمنا الأثرى الكبير الذى اسمه د. عبد العزيز صالح أستاذ ومعلم عمنا زاهى حواس «أيقونة الآثار المصرية».. وصاحبنا فى الدنيا معروفا واسمه مثل الطبل البلدى والذى يعزفون له السلام ويرفعون له القبعات فى مطارات العالم عند قدومه وعند رحيله..

وحتى لا تأخذنا هذه الحكاوى بعيدا.. تعالوا نقلب معا فى ملف عمنا وتاج راسنا بوصلة مصر التاريخية.. ومفكر مصر الإستراتيجى الذى تنبأ بكل «دبة نملة» فى دوسيه حياتنا الآن.. وغدا.. وبعد غد.. وإلى آخر العمر.. والذى اسمه جمال حمدان..

ولأننى لم يسعدنى زمانى بلقاء عمنا وتاج راسنا جمال حمدان.. فى حوار صحفى.. أو حتى فى سهرة فى مقهى الفيشاوى كما التقيت كل من أمسكوا قلما وقالوا حقا وصدقا فى مسيرة مصر.. وكل من أضاءوا أو أشعلوا للنور.. ولو شمعة صغيرة فى حب مصر ومواجع أهل مصر وآهات نيل مصر وأهرامات مصر وتراب مصر.. وتنفسوا عرق الفلاحين فى الحقول.. وتذوقوا قطرات الماء التى تنساب فى نيل مصر وترع مصر وسواقى مصر التى تسقى حقول مصر.. والناس فى مصر.. كما تقول المواويل التى مازالت تحكى وتقول على الأرغول: «من كام ألف عام».

وحتى يتحول عرق الفلاحين إلى رغيف خبز ساخن تعجنه فلاحات القرى فى أفران تشتعل بالحطب وينتظره بشوق.. طوابير أطفال الفلاحات الصاحيات الواعيات فى القرى البعيدة التى يلفها «من كام ألف عام» الحنان والأمان والشبع.

............

............

ولأننى لا أذيع سرا إذا قلت إننى كنت حاضرا عندما قرأ علينا عمنا وأستاذنا د. عبد العزيز صالح ماهو مكتوب على جدران مقبرة الكاهن قوطفير أبو زوجة سيدنا يوسف عليه السلام العبارة التى تقول: أوصيكم خيرا ببنى مصر.. لا تسرفوا ولا تقطروا فى مياه النهر.. اسقوا الزرع والضرع حتى الشبع.. فخير مصر كثير والنهر لا يبخل عليكم بخيره الوفير القادم من بلاد الحبشة زمان

والآن ها هم فى إثيوبيا ــ شريكتنا فى النهر ــ يريدون أن يقطعوا الطريق على نهر النيل صانع الخير ومانح الأمان وزارع الشبع لكل المصريين.. ويغلقون طريق النهر بسد اسمه «سد النهضة».. ولا يريدون لنا ـ أقصد الإخوة فى إثيوبيا ـ حتى ان نذهب إلى هناك.. ونشاهد ما يفعلون بنهر النيل من خلف الستار وما يريدونه لنا نحن المصريين..

حتى زيارة السد وتفقد المشروعات التى يريدون بها لنا شرا مستطيرا.. ممنوعة..ولم يبق إلا أن يرفعوا عليها لافتة: ممنوع الاقتراب والتصوير!

............

............

وإذا أردنا أن نفتح ملف ذلك المفكر الإستراتيجى الذى اغتالته يد الموساد الإسرائيلى فى أبريل من عام 1993 يعنى قبل سبعة وعشرين عاما.. كما فعلت مع نابغة زمانها نبوية موسى عالمة الذرة المصرية فى أمريكا من قبل.. فإننا نجد أن أخطر ما قاله جمال حمدان وكأنه يعيش بيننا هذه الأيام وإثيوبيا تلاعبنا لعبة «حاورينى يا طيطة» فى أزمة مياه سد النهضة التى تريد إثيوبيا أن تحبسها عنا هذه الأيام..

لقد قال بالحرف الواحد: من يحبس حصة مصر من المياه.. كمن يحكم على نفسه بالإعدام!

وحصة مياه النيل كما يعرف القاصى والدانى بالنسبة لمصر مسألة حياة أو موت!

تعالوا نقرأ ما كتبه بخط يده عمنا وتاج راسنا.. جمال حمدان المفكر الإستراتيجى من خلال كتبه ومذكراته.. هو يقول: مصر اليوم إما أن تحوز القوة أو تنقرض. إما القوة وإما الموت، فإذا لم تصبح مصر قوة عظمى تسود المنطقة فسوف يتداعى عليها الجميع يوما ما كالقصعة: أعداء، وأشقاء، وأصدقاء، أقربون وأبعدون.

كما أدرك جمال حمدان مخاطر الشح المائى الناتج عن الإستراتيجية الجديدة لدول منابع النيل ففى مذكراته يقول: «من المتغيرات الخطرة التى تضرب فى صميم الوجود المصرى، ليس فقط من حيث المكانة لكن المكان نفسه، أنه لأول مرة يظهر لمصر منافسون ومطالبون ومدعون هيدرولوجيا (مائيا).

كانت مصر سيدة النيل، بل ملكة النيل الوحيدة. الآن انتهى هذا ، وأصبحت شريكة محسودة ومحاسبة ورصيدها المائى محدود وثابت وغير قابل للزيادة، إن لم يكن للنقصان. والمستقبل أسود، ولّت أيام الغرق بالماء، وبدأت أيام الجفاف من الماء، لا كخطر طارئ بل كخطر دائم».. والجفاف المستديم بعد الرى المستديم.. يا سبحان الله ــ ويا سبحان الله هذه من عندى أناــ

......................

......................

تنبؤات وكأنها كانت حين تسطيرها قبل ما يزيد على عشرين عاما قراءة فى كتاب المستقبل. فالجميع يتداعون الآن ضد مصر تماما مثل تداعى الآكلين من حول «القصعة»، فى حين حاولت دول حوض وادى النيل فرض الاتفاقية الإطارية الجديدة، لحوض النيل، التى وقعت عليها الدول المعنية، باستثناء مصر.

وها هى دولة قريبة اسمها «إثيوبيا» تبنى سد «النهضة» وتخطط لإقامة عدة سدود أخرى على النيل الأزرق بهدف حجز الماء ــ تصوروا ــ خلف هذه السدود لتخفيف الإطماء على السد الحدودى الضخم، وسيكون خلف كل سد بحيرة بما سيصل بمجموع المياه المحتجزة خلف هذه السدود إلى نحو 200 مليار متر مكعب، ولتذهب مصر والسودان إلى جحيم الموت عطشا.. ومن الأخطار المهمة للسد حرمان مصر من مياه الفيضان والتى ستستأثر بها اثيوبيا وحدها من خلال السدود الأربعة على النيل الأزرق والذى لا يزيد تصريفه على 48 مليار متر مكعب سنويا، وبالتالى ستصل إلى مصر والسودان حصتاهما منقوصتين من مياه النيل على مدار العام.. إن الدور المصرى فى بعده الإفريقى مهدد أيضا، لأنه يتعرض اليوم لتحديات هى الأولى من نوعها فى تاريخ أرض الكنانة، إذ تتحرك دول منبع النيل لتقليص حصة مصر من مياه النهر، الأمر الذى يعنى خنق الاقتصاد المصرى عطشا، وتحويل مصر من قوة زراعية ـ صناعية إلى اقتصاد خدمات، أى اقتصاد ريعى سياحى يتناقض تماما مع طبيعة الاقتصاد المصرى التاريخية.

هذا هو أيها السادة.. ما كتبه جمال حمدان من قبل أن تبنى إثيوبيا «سد النهضة» وها هى نبوءته قد تحققت وأصبح «سد النهضة» حقيقة واقعة لا مهرب منها!

أيها السادة .. لقد بح صوت «جمال حمدان» وهو ينبه ويحذر من خطر داهم، يهدد مصر وشعبها اسمه: العطش ونقص الماء..

ولعل أيها السادة من أخطر نبؤات «جمال حمدان» الإستراتيجية نبؤته بالثورة على النظام الفرعونى المصرى واندلاع ثورة يناير حيث كتب فى بداية الثمانينات: «مطلوب إذن حدث عظيم فى الوجود المصرى لا يرج مصر وحدها ويخرجها من مأزقها التاريخى الوجودى ودوامة الصغار والهوان والأزمات التراكمية المعيبة التى فرضت عليها، لكن أيضا ترج الدنيا كلها من حولها لتفرض عليها احترامها وتقديرها من جديد والاعتراف بها شعبا أبيا كريما عزيزا إلى الأبد».

ولأن التغيير المصرى الحضارى تغيير تدريجى تراكمى تصاعدى، فإنه فى المحصلة النهائية أقرب فى طبيعته إلى قوانين التطور الانفجارى، ففى التاريخ كما فى الجيولوجيا والبيولوجيا نجد أن مسار التطور يظل عادة رتيبا تقليديا كالخط المستقيم أو كالمنحنى الانسيابى ثم إذا به ينفجر فجأة فى ثوران بركانى قصير لكنه عنيف يغير تضاريس الوجود ومعالم الزمان، كما حدث فى ثورة يناير التى قلبت كل الموازين!

............

............

ولكم حذر عمنا جمال حمدان من أطماع الصهيونية وحراس دولة اسرائيل وحماتها.. وهو يقول فيها بالحرف الواحد وكأنه يقرأ فى الغيب مشروع اسرائيل لضم أجزاء من الضفة الغربية:

وهنا كان التلاقى الإيديولوجى بين الاستعمار العالمى والصهيونية العالمية، ولتصبح إسرائيل من بعد ذلك قاعدة متكاملة آمنة عسكريا، ورأس جسر ثابت إستراتيجيا ووكيلا عاما اقتصاديا أو عميلا خاصا احتكاريا، حين قال: «إن إسرائيل فى كل الأحوال تمثل فاصلا أرضيا يمزق اتصال المنطقة العربية ويخرب تجانسها ويمنع وحدتها، وإسفنجة غير قابلة للتشبع تمتص كل طاقاتها ونزيفا مزمنا فى مواردها».

وفى هذا الإطار حذر د. جمال حمدان من الأطماع الصهيونية فى سيناء، فالذى يسيطر على فلسطين يهدد أى خطوط دفاع عن سيناء. والذى يسيطر على خط دفاع سيناء يتحكم فى سيناء. ومن ثم يكون له وحده الحق فى التحكم فى خط دفاع مصر الأخير، وفى السيطرة على الوادى كله، لذا كان محقا فى قوله «سيناء قدس الأقداس»، بل هى المعبر لمئات الجيوش عبر التاريخ للقيام بالمعارك منذ تحتمس الثالث ـ الذى عبرها محاربا 17 مرة ـ حتى الآن ـ فالنقب هو «سيناء فلسطين»، وسيناء إستراتيجيا من دونها تفقد مصر، هكذا علمنا «جمال حمدان»، سر الإستراتيجيات وبقاء الدول العظمى، لأن فرص النصر المصرى تزداد، كلما كانت المعركة أبعد من قلب الوطن.. فقديما وفى المتوسط العام كانت معاركنا فى رفح أكثر انتصارا من معاركنا فى بيلوزيوم (بور سعيد الآن). مثلا انتصر قمبيز فى بيلوزيوم ، فانفتح الطريق أمامه إلى مصر بلا عوائق.

وإذا تتبعت وصف «جمال حمدان» لسيناء ستشعر بأن غياب العمران عنها حتى الآن ليس هدرا لإمكانية بقعة من أرض مصر فقط، ولكنه اهمال لقلب مصر النابض، لما تتمتع به من مميزات طبيعية، فلديها أطول ساحل فى البلاد بالنسبة إلى مساحتها فى مصر، وهى أقل صحارينا عزلة لكونها مدخل مصر الشرقى. وفى جيولوجيتها الاقليمية تكاد سيناء «تختزل جيولوجية مصر كلها تقريبا»، وبالرغم من أن سيناء منطقة صحراوية أو شبه صحراوية على أفضل الأحوال.. لكنها أغزر مطرا من الصحراوين الشرقية والغربية.

.............

.............

{{ ومازلنا نسبح بعقولنا ووجداننا فى نهر افكار مفكر إستراتيجى عظيم قلما يجود الزمان بمثله.. اسمه: جمال حمدان..

--------------------------------------------------------------------------------

 

هكذا علمنا «جمال حمدان»، سر الإستراتيجيات وبقاء الدول العظمى ، لأن فرص النصر المصرى تزداد، كلما كانت المعركة أبعد من قلب الوطن

 

Email:[email protected]

Email:[email protected]
لمزيد من مقالات عزت السعدنى

رابط دائم: