عن عمر يناهز 87 عاما رحل عن عالمنا الأحد الماضى (19 يوليو 2020 )الأديب الإسبانى الكبير خوان مارسيه (1933-2020)، فى مسقط رأسه بمدينة برشلونة بمستشفى سان باو، بعد معاناة طويلة مع مرض الفشل الكلوى الذى أصابه منذ سنوات. ويعد مارسيه من أبرز كتاب الرواية الإسبانية خصوصا فترة ما بعد الحرب التى كان لها بالغ الأثر على تيار الواقعية الجديدة فى الأدب الإسبانى، ولا تقل أعماله أهمية عن كتاب كبار حصلوا على أعلى التقديرات العالمية، وحتى جوائز نوبل فى الأدب الإسبانى أمثال كاميلو خوسيه ثيلا.
................................
تميزت أعماله، خصوصا الأمسيات الأخيرة مع تيريسا وسحر شنغهاى بتصوير عالم مدينة برشلونة المحطمة خاصة بعد هزيمة الجمهوريين فى الحرب الأهلية (1936-1939) وانتصار فرانكو وفرض الديكتاتورية الفاشية على الشعب الإسبانى. وقد ترجم المترجم البارز أحمد حسان رواية سحر شنغهاى للعربية، وقد تحولت إلى فيلم سينمائى نال العديد من الجوائز عام 2002، كما أشرف الراحل محمد أبو العطا على ترجمة «الأمسيات الأخيرة مع تيريسا» إلى العربية بالتعاون مع سالى وهدان، وآمال عبدالحميد وبسمة محمود. وقد حصل مارسيه على جائزة ثربانتيس، التى تعد نوبل الآداب الإسبانية عام 2008.
ويعتبر الراحل من أهم الروائيين الذين تصدوا للتعبير عن أصوات المهمشين وحكايات الخيال البائس والجامح فى آن واحد لدى الأطفال والعجائز والمخرفين والآفاقين والأبطال الوهميين والعاهرات وكل أبطال قاع مجتمع مدينة برشلونة المسكوت عنهم فى ظل الديكتاتورية الشرسة التى حاولت باسم التطوير ودفع عجلة التنمية إسدال ستار نسيان منسوج من الخرسانة المسلحة على أحلامهم الضائعة وجراحهم التى لم تندمل بعد أن نال معول الهدم من تطلعاتهم المشروعة فى العدالة الاجتماعية أو المساواة. هذه كانت أهم خصائص السرد فى معظم أعمال مارسيه، وهذا جعله مرجعية يعتد بها للأدب الإسبانى المعاصر. ومن أشهر أعماله أيضا «لو أخبروك إننى سقطت» و»سأعود يوماً ما».
يقول خوان مارسيه «لقد صرت كاتبا لأننى أرغب فى تسوية حساب بينى وبين الواقع، العالم المحيط بى، مدينتى، بلدى، وطفولتى. وهذا جعلنى أعثر فى الأدب على عالم من الخبرات التى لم يكتب لى أن أعيشها ولكننى حلمت بها».
أثرت الحرب الأهلية كثيرا فى طفولته، وما تبعها من سطوة النظام، والحرمان من اللغة لأسباب سياسية فاشية، لينعكس كل ذلك فى سرده، ولهذا كان يطلق على نفسه «القناص العابر للحدود»، نظرا لأنه عاش قسطا لا بأس به من طفولته متنقلا بين قرى وأقاليم برشلونة وتاراجونا فى مقاطعة كتالونيا.
ظل مارسيه يحمل فى ذاكرته مشاهد قصف قوات الفاشى لمدينة برشلونة عام 1939، وظل يستحضر فقر وبؤس ومآسى فترة ما بعد الحرب طوال حياته، لدرجة أنه كان يقول «استفحل الأمر معى لدرجة أننى أحيانا أتصور أن هذه الأحداث تقع الآن». كما نمى خياله الخصب الفترة الطويلة التى قضاها فى شوارع الحى، ومطالعة روايات المغامرات الخيالية التى لم يكن متاحا سواها فى برشلونة بعد الحرب وعروض السينما الصيفية التى لم يكن يخلو منها حى فى إسبانيا فى ذلك الوقت.
اضطر للعمل منذ صباه لينفق ويعلم نفسه بنفسه. وبطبيعة الحال كان والده بالتبنى ينتمى إلى اليسار الكتالونى. نشر أولى قصصه عام 1957، وسافر إلى باريس لتوسيع مداركه ليعود عام 1962 لنشر رواية «هذا الجانب من القمر». لكن بداية نضجه كانت عام 1965 مع «الأمسيات الأخيرة مع تيريسا» وتلتها أعمال مهمة مثل «حكاية ابنة العمة مونتسى المريبة»، «الفتاة ذات السروال الذهبى» الحائزة جائزة بلانيتا عام 1978، «لو أخبروك بأننى سقطت»، «اعترافات لص»، «سأعود يوما ما»، «الملازم الشجاع»، «جولة فى حى جيناردو»، «سحر شنغهاى» التى نال عنها جائزة النقد عام 1993 و»العشيق ثنائى اللغة»، ونال عنها جائزة اتينيوم أشبيلية عام 1990. حصل على جائزة الدولة فى السرد عام 2000 فى اعتراف رسمى متأخر بإبداعه. وكانت آخر أعماله الروائية «كتابة الأحلام» عام 2011، وبعدها بخمسة أعوام كتب «أخبار سعيدة على طيارات من ورق».
قال عنه معاصروه من كبار الكتاب والأدباء الإسبان أمثال كاميلو خوسيه ثيلا «يمتلئ صوته بأجراس طنانة وحشرجات الموت»، أما فرنثيسكو أومبرال فقال «أفضل قلم كتالونى بعد كارمن دى ليريو». أما خوان جويتيسولو فقال إنه «لم ترقه على الإطلاق المعالجات السينمائية التى قدمها المخرجون لأعماله الأدبية وخصوصا (آخر أمسيات مع تيريسا) ومع ذلك لم يتدخل إطلاقا فى الخلاف بين دور النشر والمنتجين للحصول على حق تحويل إبداعه السردى لأعمال فنية». على الصعيد السياسى، لم يتوقف عن انتقاد الجميع، بما فى ذلك القوميون الكتالونيون، وهذا جعله دائما على هامش الثقافة الكتالونية الرسمية
رابط دائم: