يبدو الجدال الراهن حول مستقبل العولمة، فى ضوء تداعيات تفشى فيروس «كورونا»، امتدادا لسجالات تحدث من وقت إلى آخر، وتتحول إلى استقطاب بين اتجاهين، ويغلب فيها اللونان الأسود والأبيض، بينما تنكمش المساحات الرمادية بدرجات متفاوتة. ولعل أكثر ما يحمل وجها للشبه مع هذا الجدال حول العولمة سجالات دارت، ومازالت فى بعض بلدان العالم أو كثير منها، حول جدوى التوسع فى الانفتاح على العالم مقارنة بالحد منه أو تضييق نطاقه. وعندما تصاعد السجال حول سياسة الانفتاح الاقتصادى فى مصر فى النصف الثانى من سبعينيات القرن الماضى، على سبيل المثال، اختُزل فى سؤال مبسط انتشر على المستوى الشعبى، وهو: نفتح الشباك أم نغلقه؟
ولكن الفرق الأساسى هو أن العولمة ليست سياسة فى حد ذاتها، بل مرحلة فى تطور العلاقات الدولية، وفى أنماط حياة البشر، على حد السواء. وهذا تطور طبيعى حدث نتيجة تراكمات أدت إليه، على نحو ما ورد فى الاجتهاد المنشور فى الأول من يونيو الحالي تحت عنوان «العولمة بعد كورونا». ولكنها ترتبط فى الوقت نفسه بسياسات تتبناها الحكومات، وتتفاوت فى محتواها، كما فى أهدافها.
والمفترض، بالتالى، أن ينصب الجدال على هذه السياسات تحديدا، وليس على العولمة بوصفها مرحلة فى تطور العالم، وأن يركز على ما يمكن أن يتغير، أو يختلف، فيها بموجب التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لأزمة «كورونا». ولأن هذه التداعيات لم تنته بعد، ولا نعرف المدى الذى يمكن أن تبلغه، يتعين أن يكون الجدال حول مستقبل السياسات المرتبطة بالعولمة حذرا، وألاَ نقفز إلي استنتاجات متعجلة أو مبكرة، أو نجزم بما يبدو لنا اليوم ونتصور أن لا شىء بعده.
كما يحسن عدم تحويل النقاش حول هذا الموضوع إلى سجالات تطغى فيها التوجهات والأهواء السياسية، مثل تلك التى تحدث بين أنصار العولمة الذين يتعاملون معها كما لو أنها «أيديولوجية» يدافعون عنها، وخصومها سواء من يظنون أنها مؤامرة، أو من يرون فيها خطرا على السيادة الوطنية، أو يخلطون بينها وبين «الليبرالية الجديدة» ويُحمَّلونها مسئولية سياسات يمكن تغييرها أو تعديلها.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: