رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الاختيار بين الموت مرضًا والموت جوعًا

فرض استمرار الآثار الصحية والاقتصادية لانتشار وباء فيروس كورونا اختيارات صعبة ومُرة على كُل دول العالم. لعله يُمكن تلخيص أهمها بأنه وضع أمام قادة الدول والمُجتمعات الاختيار بين بديلين: الموت مرضًا أوالموت جوعًا. ولما كان من المُستحيل أن يتم تفضيل أحد الاختيارين على حساب الآخر. فقد تبنت أغلب الدول سياسات تسعى إلى الجمع بين الصحة العامة لمجتمعاتها، وإعادة تشغيل اقتصاداتها.

لقد أثبت الفيروس قُدرته على الانتشار السريع عبر الحدود والقارات. وفى يوم الأربعاء الماضى 15 يوليو كان عدد المصابين به 13.3 مليون شخص، وعدد الذين تم شفاؤهم 7.3 مليون شخص وعدد ضحاياه 575 ألف شخص فى 212 دولة. وهى جميع الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة إضافة إلى سويسرا، وعدد من الكيانات والجذر التى لم تنضم للهيئة الدولية.

فمن ناحية، بدا الأمر فى البداية وكأنه «أزمة صحة عامة». وتمثلت الحلول التى اقترحتها وزارات الصحة ومُنظمة الصحة العالمية فى عدد من الإجراءات الاحترازية التى تمثلت أساسًا فى التباعد الاجتماعي، وارتداء الكمامات، وغسل الأيدى بشكل مُتكرر، وتم اغلاق المناطق الموبوءة تمامًا وعزلها. ورافق ذلك، إغلاق المطارات والجامعات والمدارس ودور العبادة،وأغلب مظاهر الاختلاط البشرى كالمطاعم والأندية الاجتماعية وأماكن التسلية والترفيه حفاظًا على صحة الناس.

من ناحية أُخري، تطور الأمر ليُصبح «أزمة اقتصادية». فقد أدت هذه الإجراءات إلى وقف الأنشطة الاقتصادية وتوقف عجلة الإنتاج والخدمات. وترتب على ذلك تسريح أعداد كبيرة من العاملين أو تخفيض رواتبهم ، مما أى إلى ارتفاع نسب البطالة فى الدول الصناعية المُتقدمة.ولكن الأدهى من ذلك هو ما حدث فى الدول النامية والفقيرة. فإذا كانت الدول المُتقدمة تمتلك من الأرصدة والاحتياطيات ما يُمكنها من توفير اعانات بطالة، وتدشين حزم تحفيزية للاقتصاد، ودعم الأنشطة الاقتصادية المُتضررة للحيلولة دون إفلاسها أو توقفها تمامًا، فإن الدول النامية والفقيرة تعيش بالكاد «من اليد إلى الفم».

وظهر هذا بوضوح فى التقرير الذى أصدرته مؤسسة أوكسفام، وهى هيئة دولية غير حكومية تسعى للتخفيف من حدة الفقر فى العالم، الذى صدر فى تاريخ 9 يوليو الحالي، وجاء فيه أنه من المُتوقع أن يبلغ عدد الوفيات بسبب الجوع المترتب على الوباء فى نهاية عام 2020 نحو 12 ألف شخص يوميًا، أى ضعف عدد الوفيات فى دول الاتحاد الأوروبى فى ذروة انتشار المرض فى إبريل. وأضيف من عندى أن هذا الرقم المُتوقع هو ثلاثة أمثال عدد المُتوفين بالمرض يوم 15 يوليو.

وفى الأسبوع نفسه حذر أنطونيو غوتيريش، السكرتير العام للأمم المُتحدة، من الآثار الاقتصادية والاجتماعية الوخيمة المترتبة على الوباء فى دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وأن تفاقُم وطأة الفقر تُهدد بحدوث مجاعات فى عدد من الدول. وسجل التقرير السنوى للأمم المتحدة عن الأزمات الغذائية فى العالم لعام 2020 أن تأثيرات الوباء يُمكن أن تؤدى إلى كارثة إنسانية عالمية وإلى زيادة عدد المُهددين بالجوع القاتل، خاصة فى مناطق النزاعات والحروب الأهلية ومع ظروف الجفاف والتغيرات المناخية،ليبلغ العدد أكثر من 250 مليون شخص فى 55 بلدًا بنهاية العام الحالي.

وفى بحث أصدرته لجنة الأمم المُتحدة لمنطقة غرب آسيا هذا الشهر عن الفقر فى الدول العربية، ورد فيه أن 16 مليون شخص سوف ينضمون إلى قوائم الفُقراء هذا العام ليُصبح إجمالى العدد 117 مليون شخص،وذلك فى 14 دولة عربية من غير دول مجلس التعاون الخليجي. وتزداد وطأة الوباء على الفُقراء فى البلاد العربية عندما نتذكر أن الإقليم العربى كان هو الإقليم الوحيد فى العالم الذى ازدادت فيه نسبة الفُقراء فى سنوات 2010-2019 قبل ظهور الوباء. مما يعنى أن الأوضاع الاجتماعية كانت سيئة أصلًا وأن السياسات المُتبعة لم تُخفف من حِدة هذه الأوضاع.

يقول ديفيد بيسلى مدير برنامج الأغذية العالمي، إن البشرية مُقبلة على «جائحة الجوع» وأننا لا نواجه جائحة صحية عالمية فحسب، بل نواجه أيضًا كارثة إنسانية عالمية. وإذا صح ذلك، فإن الأمر يُصبح أكثر من أزمة صحة عامة وأزمة اقتصادية، وأن يتجاوز ذلك ليُصبح «أزمة إدارة» و«أزمة حوكمة» على المستويين الوطنى والعالمي.

تزداد الأمور صعوبة عندما ننظرُ إلى طبيعة التفاعُلات بين الإجراءات الاحترازية وآثارها الاقتصادية، فالتطبيق الصارم لهذه الإجراءات يؤدى إلى تعطيل الاقتصاد وخفض مُعدلات التنمية.والتراجع عنها بشكل غير محسوب يؤدى إلى عودة انتشار المرض كما يحدث الآن فى الولايات المُتحدة.

والتحدى هو كيف نُعيد الاقتصاد إلى العمل للحفاظ على مُستوى معيشة الناس وقُدرتهم على الوفاء باحتياجاتهم الأساسية دون أن نُعرض الصحة العامة للخطر.وأن يحدث ذلك، بشكل علمى ومُخطط، فلا مُبالغة فى تطبيق الإجراءات الاحترازية ولا تهوين من خطر الفيروس الذى من الأرجح أن يعيش معنا إلى نهاية عام 2020 على الأقل ورُبما لفترة بعد ذلك. وبذلك، تتجاوز الدول أزمة الاختيار بين اختيارين أحلاهما مُر. والفيصل فى هذا الشأن هو السياسات التى تتبعها كُل دولة، ومُراجعة نتائج تطبيقها صحيًا واقتصاديًا أولًا بأول، وشجاعتها فى فرض الإجراءات الاحترازية مرة أخرى إذا تطلب الأمر ذلك.


لمزيد من مقالات د. على الدين هلال

رابط دائم: