شيء ما كان يعكر حياة شيماء الشابة ذات العشرين عاما منذ زواجها من فايز ذلك المزارع الطيب الذى يماثلها فى العمر فى بيته فى عزبة المنشار بالإسماعيلية
فعندما أعلنت موافقتها على الزواج على الرغم من أنه سبق له الزواج وإنجاب طفلة جميلة تعدو فى الشهر الرابع بعد العامين اسمها «براءة»
فى البداية قالت إنها ستعاملها كأنها أمها التى أنجبتها منه، لكن مع مرور الأيام بدأت علامات الضيق من الطفلة «براءة» تغزو صدر شيماء من شدة تعلق الطفلة بها والتى لم تفرق بينها وبين أمها، بل وكان من الممكن أن تنشأ معها على هذا الشعور فقط لو أرادت شيماء أن تعوضها عن فقدها أمها، ربما كانت رغبة الزوجة أن تصير إما حقيقية لأبناء تنجبهم من زوجها وراء هذا الضيق الذى بدأ يكبر ويتعملق فى مخيلتها حتى بدأت وكأنها ترى براءة وقد كبرت فى جنبات البيت وراحت تؤذى إخوتها الذين لايزالون ماكثين فى رحم الغيب حتما ستمضى الأيام سريعا وستصبح هذه الطفلة التى تلعب فى تراب الأرض منافستها فى سيادة البيت، لن تستطيع شيماء فعل أى شيء, فالزوج متعلق بابنته ويوليها اهتماما فوق العادة وها هى تتخيلها شابة ناضجة تضع يديها فى وسطها وترنو إليها بعينين يقدح فيهما الشرر :«أنا لى فى هذا البيت اكثر مما لك» ثم تردف لتفحمها غيظا «انا الأثيرة عند أبى وسينصرنى عليك».
كل هذا وبراءة مازالت تلهو فى البيت مشغولة بعالمها الطفولى الذى يعجز عن تفسير القسوة المفرطة التى تعاملها بها زوجة الأب بعد خروجه لكسب العيش فى تلك العزبة التى تثقل فيها تكاليف الحياة حتى، إنها تفتقر إلى أبسط المرافق والخدمات التى تتمتع بها مناطق قريبة منها، فهنا تبدأ المعاناة من اول جرعة الماء النقى وحتى لقمة الخبز فى ذلك التجمع الفقير بالكيلو 11 بمركز الإسماعيلية
وهاهى براءة فى لهوها ترى تلك السيدة التى بدأت تقسو عليهاوهى تحفر فى الأرض أمام باب البيت لكن الطفلة أفزعها قدوم شيماء نحوها والشر يتجسد فى عينيها بما يفوق وعيها، ولكن رغم طفولتها استشعرت أن أمرا ما خطرا سيحدث فأطلقت لصراخها العنان لكن أحدا لم يجبها فقد ساد صمت ثقيل فى المكان وبدأ وكأن الاثنتين تعيشان فى عالم بعيد وحدهما وأفلتت زوجة الأب العنان لرغبتها فى التخلص من براءة فمدت إليها يديها بالصفع المتواصل فى نوبة جنون حقيقية ولتنهال عليها ضربا غير عابئة بصراخها المدوى، ثم أطبقت على أنفاسها ونزعت الإيشارب من فوق رأسها لفته حول رقبة الطفلة التي. انقطع صراخها مع آخر نفس خرج من صدرها فى إثره روحها البريئة وبالإيشارب نفسه جرجرتها إلى الحفرة ثم هالت عليها التراب، العجيب أن الأب عندما عاد لم يلحظ شيئا غريبا عليها ولكنه عندما سأل على الطفلة تظاهرت بالفزع وهى تبحث فى اركان البيت عنها وخارجه وتسأل الجيران وما هى سوى لحظات حتى باتت عزبة المنشار كلها تبحث عن براءة ذات العامين والأربعة أشهر ولكن بلا جدوى حتى عاد الأب منهكا من رحلة البحث البائس ليفزع بوجود جثة طفلته فى إحدى غرف البيت حتى كاد هول المفاجأة يودى به إلى الجنون المحقق، غير أنه اسرع الخطى نحو مقر مركز الإسماعيلية التابعة له قرية الفردان التى تقع العزبة فى زمامها بالكيلو 11.
وبدت الواقعة مغرية فى الغموض بين واقعتى اختفاء براءة وظهور جثتها فجأة؛ غير أن جهود فريق البحث الذى امر به اللواء علاء سليم مساعد وزير الداخلية لقطاع الامن العام وقاده اللواء محمود ابو عمرة مدير الادارة العامة للمباحث الجنائية بقطاع الامن العام تكون من ضباط مباحث مركز الإسماعيلية وضع فى اعتباره المثلث التقليدى الذى يمكن أن تدور بين أضلاعه مثل تلك الوقائع
«الأب ــ الطفلة ــ زوجة الأب» وبمجرد البدء فى مناقشة شيماء بدا عليها انها تحاول أن تبعد عن نفسها الشبهة ولم تخف اضطرابها أمام أسئلة الضباط المعتادة ولكنها لم تقدر على إخفاء جحوظ الشر من عينيها وهى تجيب عن الأسئلة، غير أن الأسئلة طالت وتحولت إلى مواجهة بالشكوك فيها ولم تحتمل طول المناقشة فأدلت بكل تفاصيل جريمتها مبررة قتل الطفلة بكرهها كثرة بكائها ولعبها كما أنها أخرجت جثتها من الحفرة خوفا من أن يلحظ أحد من أهلها آثار الحفر بالقرب من مدخل البيت ويكشف أمرها فغافلت الجميع وأخرجت الجثة ووضعتها بالبيت ليظن الناس أن أحدا قد خطفها وقتلها انتقاما أو هكذا صور لها خيالها المريض مثلما كان يصور لها مشاهد براءة عندما تكبر وتنازعها على سيادة البيت، تمت إحالة زوجة الأب القاتلة إلى النيابة التى قررت حبسها بتهمة القتل العمد وعرض جثة براءة على الطب الشرعى لتشريحها قبل التصريح بدفنها.
رابط دائم: