رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الرائحة

دعاء البطراوى

اقـتــرب منها حاملا باقـة زهـور, طـوقها بـذراعـيه وهمـس: اشـتـقـت إليـكِ.. زحـفـت إليهـا رائـحتـه الكـريـهة, شعــرت بالاشـمئزاز ورغبتـها فى القئ, فـرت من بين أحـضانه نحـو ركـن بعيـد, صاحـت بلهجـة حازمـة: طلقـــنى.. حـدجها مبهــوتا.. فلـتـت الزهـور من بين يـديـه.. افتـرشــت الأرض وكـأن لهــا دويـا!! شــريـفـة ذات الجـمال الباهـر تعـلم أن زوجـها يخـونـها, ودليـلهـا الوحـيد أن رائحـته تغـيرت وأصبحـت لا تطـاق!! كـلما هـم بالاقـتراب منها تشـم رائـحه قـمـيـئـة لا تخـتـفى أبدا! ولو استـحم زوجها بأغلى العطور. ينعتها بالمجنونة, فتصرخ باكية: رائحة جسدك ممزوجة بعرق الأخريات.. أشعر بهن يسبحن فى دمك.. أسمع ضحكاتهن عبر أنفاسك... أرى كل شىء.. كل شيء. حين زارت أمها.. سألت: هل للخيانة رائحة؟. الأم لم يكن لديها إجابة حاسمة, فخمنت قائلة: لعله الوحم.

شدت شريفة شعرها وصاحت: أنا لست حاملا.. هو لم يقترب منى منذ شهور. «شريفة.. الموظـفـة الحـسناء طـلبت الطـلاق».. خبر انـتـشـر كـالـنـار فى الهـشـيـم بين أرجـاء الشـركة التى تعمل بها شريفة, الزملاء يتأمـلون جمـالهـا الصارخ ويوصـمون زوجـها بالأحمـق الكــبـيـر, أما الزمـيـلات فـقـد انـقـسـمـن لفـريـقـيـن: فريق يقول فى شفقة: الحـظ لا يقـترب من الحسـناوات.. وفـريـق آخر يـهـمـس بـشـمــاتة: لها وجه جميل و دم ثقيل. وشريفة تسأل: هل للخيانة رائحة؟! لكــزتها زميـلة قـائلة: إنها قرون الاستـشعار يا عبيطة. وقالت أخرى ذات حنكة: بل هى الحاسة السادسة عند النساء. رفيق.. كان أحد الزملاء المتابعين فى صمت شغوف, توسمت شريفة فيه الحكمة, فسألته فى سذاجة: أستاذ رفيق.. هل للخيانة رائحة؟ هرش رأسه مفكرا وأجاب: لوكان الأمر كما تقولين.. يا ويل كل الرجال. أعـجـبـتـها إجـابـتـه فـضـحـكـت, أعـجـبته ضحكتها فانتشى! وتعانقت العيون للحظات, ثم واصلا العمل.

شريفة طلبت الطلاق.. والزوج يماطل ويراوغ ويطلب السماح, والأم تطالب ابنتها بالتريث من أجل الصغير الذى لم يتم عامه الثانى بعد. وشريفة تبكى.. ولا أحد يحس بها سوى زميلها رفيق الذى يتصل بها كل مساء ليطمئن عليها حتى أصبحت كالكتاب المفتوح أمامه, يعرف ما تحب.. وما تكره. تتحسر على حالها و تخبره أنها كانت تتمنى الزواج برجل مثله.. ليس له رائحة! يخبرها بدوره أنه كان يتمنى أن يتزوج امرأة مثلها.. جميلة متجددة! ويتحسر على سنوات عمره التى ضاعت مع زوجة تقليدية هادئة.. لا تعرف التوهج. تمتد المكالمات المسائية بينهما لساعات, وتتلاقى النظرات صباحا بالعمل, والزملاء يلاحظون.. ويهمسون.. ويسألون بابتسامة صفراء عما يحدث بينهما! شريفة تخبرهم: هو زميل فقط.. رفيق يرد: هى أخت لا أكثر.. والكل يعلم أنهما كاذبان! رفيق.. تبدل حاله تماما, وقع أسيرا لزميلته الحسناء, يرى خيالها فى كل مكان.. فى سيارته.. مع الأصدقاء.. على فراشه.. يندفع نحوها, يحتضنها بشوق جامح, ثم يكتشف أن زوجته بين ذراعيه!! حين اهتز هاتفه معلنا عن اتصال من شريفة التى سجلها على هاتفه باسم أشرف تجنبا لأسئلة زوجته المتشككة رد على الفور.. أخبرته أن زوجها انهال عليها ضربا ونعتها بالبرود حين تمنعت عنه وأن الرائحة المزعومة ما هى إلا حُجة واهية للابتعاد, ثم تركها مضرجة بدمائها وغادر غاضبا.

رفيق لم يحتمل ما سمعه, سبقته قدماه إليها.. شهق حين رآها.. الكدمات تملأ وجهها وذراعيها العاريتين.. جذبها إليه حين أجهشت بالبكاء, دفنت رأسها فى صدره, تنفست رائحته, سألها أن تسقيه من رحيقها.. وكانت أضعف من أن تقاوم! شريفة تنتقل لفرع آخر بالشركة، الخبر تناقله الزملاء، واستقبله رفيق فى ألم, منذ لقائهما المروع وهى تتجنبه و لا ترد على مكالماته أبدا. اضطر أن ينتظرها فى مقر عملها الجديد, و ما أن رأته حتى أشاحت ببصرها كأنما تتذكر جريرتها, قالت بنبرة جافة: لقد عاد زوجى للمنزل.. اعتذر لى وسامحته، أرجوك لا تتصل بى مرة أخرى.

سألها متهكما: والرائحة؟! أجابت و هى تهم بالانصراف: لقد اختفت.. لم يعد لها أثر! ناداها ليستوقفها: شريفة.. الـتـفـتـت إليه و عيناها تقطران ألما فلم يعد لها نصيب من اسمها! رفيق يتأمل صورة زوجته من خلال الهاتف, وجهها يحمل ابتسامة ملائكية لم يرها من قبل! يعلم أنه ظلمها بإهماله المتعمد, هى تستحق أن يمنحها حنانا مضاعفا وحبا حقيقيا.. لعله يعوضها.. لعله ينسى خطيئته التى لا تغتفر. اقترب رفيق من زوجته حاملا باقة زهور, طوقها بذراعيه وهمس: اشتقت إليكِ.. زحفت إليها رائحته, فرت من بين أحضانه نحو ركن بعيد, قالت مشمئزة: رفيق رائحتك منفرة للغاية!! حدجها مبهوتا.. فلتت الزهور من بين يديه.. افترشت الأرض.. وكأن لها دوى.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق