رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«ساباتو»
دوائر الإبداع والجدل التى لاتنتهى

ماجد كامل

اثمر مشروع أديب ومفكر الأرجنتين الأشهر أرنستو ساباتو عن عشرات الكتب فى شتى مجالات الإبداع..الفنون والفكر والأدب والنقد والموسيقى، إضافة إلى ثلاث روايات حصدت العديد من الجوائز العالمية، وأثارت مساحات واسعه من الجدل الكبير والحوارات العاصفة.

يغرد ساباتو وسط سرب كبير من كبار المبدعين والمفكرين العظام فى التاريخ يضم فرانسيس بيكون وكيركجارد وألبير كامو وسارتر ودوستوفيسكى، وكافكا، فكلهم ينتمون إلى نفس السرب وذلك على الرغم من تباعد الأيام ومسافات القرون.

................................

فالكاتب والمثقف الأرجنتينى العالمى إرنستو ساباتو، الذى رحل عن عالمنا فى آخر أيام أبريل 2011م عن عمر يناهز 99عاما ليس أحد أكثر كتاب الأرجنتين المعاصرين تأثيرا وشهرة وحسب، بل مدافع شرس عن حقوق الإنسان و عن الحق والعدالة.

ويعتبر ساباتو بحق أحد أفضل من يمثلون الكتابة الوجودية كتيار فنى فى الإبداع الأمريكى اللاتينى. حيث تدور أهم موضوعات كتاباته حول العمى الأخلاقى الذى أصبح يسيطر على الطبقة المثقفة والسياسية، ويرى أن هذا العمى الأخلاقى السبب الرئيسى الذى يكمن وراء كل الكوارث البشرية التى يعانيها الإنسان فى عالمنا المعاصر، من هنا يمكننا أن نقول إن الكاتب الأرجنتينى يعتبر ممثلا للكاتب المتناقض مع نفسه، والذى دائما ما يطرح فى كتاباته أسئلة مقلقة، ويميل إلى النقد الحاد والمتمرد الذى كثيرا ما يصل به إلى حد الشك فى عدالة قضاياه التى يعتنقها ويتحمل المعاناة من أجلها، وربما من أهم ملامح كتابته الجمل الاستطرادية والساخرة، إلا أنها سخرية سوداء، وتكاد تكون العامل المشترك فى جميع كتاباته النثرية أو الروائية، ويسيطر على فكره بالطبع قضايا بلاده الأرجنتين التى ازدادت حدة خلال سنوات الأربعينيات والخمسينيات التى سيطرت فيها البيرونية (نسبة إلى الرئيس الأرجنتينى الراحل بيرون) التى عاشها فى شبابه، وبعد ذلك ازدادت حدة فى السنوات الأخيرة مما دفعه إلى العديد من الدراسات لمناقشة أزمة الحضارات المعاصرة

النفق

ويعد العام 1948م من اهم الأعوام فى مسيرة ساباتو ففيه صدرت روايته الشهيرة النفق التى تكاد تعتبر أول رواية وجودية فى أدب أمريكا اللاتينية، ولا يسبقها عالميا فى هذا المجال سوى الغثيان لـسارتر التى صدرت عام 1938م، والغريب لـكامو التى صدرت عام 1946م، وبالطبع كان لهذين العملين تأثيرهما على رواية ارنستو ساباتو الأولى...ففى رواية النفق يبدأ الراوي- البطل حكايته بجملة مرعبة: (يكفى أن أقول أننى خوان بابلو كاستيل الرسام الذى قتل ماريا ايريبارني)، فالجريمة التى تحكى الرواية قصتها جريمة عبثية لأن القاتل يحب القتيلة وقتلها ليجرب فقط ممارسته لعملية القتل، أو يجرب موقفه من حبه للقتيلة، وخلال القراءة يجد القارئ نفسه أمام عدة مستويات...فالرواية تروى جريمة عاطفية لقاتل يحب القتيلة حتى الجنون، مما يجعلها أقرب إلى الروايات البوليسية مكتوبة بالعكس، أى ان الكاتب يكشف عن عقدتها منذ البداية، لكنه يشد القارئ إليه ليتعرف على تفاصيل الجريمة حتى النهاية، لأنه فى الحقيقة يصف دواخل الإنسان العاشق المعذب باليأس الذى يوجد فى نفق لا بداية له ولا نهاية. المستوى الثانى يكمن فى اكتشاف عقدة أقرب إلى عقدة أوديب، فالقاتل يحاول أن يقدم لنا فعل قتل المرأة التى يحبها كما لو كان يقتل أمه هو شخصيا، أو يقتل نفسه بشكل أو آخر، ويمكن اكتشاف رموز الرواية من خلال كلمات مثل كاستيل اسم البطل الذى يعنى القلعة أو السجن فى الرواية، وماريا هى المرأة الأم، وغيرها من الرموز التى يكتشفها القارئ خلال مطالعته للرواية. القراءة الثالثة التى يمكن التوصل إليها من خلال الأحداث ووصفها الاستطرادى الذى تسيطر عليه السخرية السوداء، أن الكاتب يتعامل مع العالم من منظار سوداوى، ويستخدم حدث الجريمة ليطرح أسئلة وجودية تسيطر على عقله، فالعقدة هنا افتقاد البطل لمبادئ أخلاقية ثابتة، بل يبحث عن مبادئ جديدة لأن المبادئ الأخلاقية التى تقوم عليها الحضارة المعاصرة تحللت وانتهت إلى أزمة لا حل لها، السخرية التى يكتب من خلالها ارنستو ساباتو فى هذه الرواية وغيرها من أعماله الأخرى أقرب إلى سخرية بورخيس الكاتب الأرجنتينى الأشهر، وان بعض النقاد يقولون إن هذا النوع من السخرية يعتبر حالة شائعة بين الكتاب الأرجنتينيين المولودين فى العاصمة بوينس ايريس.

أبطال ومقابر

بعد رواية النفق نشر ارنستو ساباتو رواية بعنوان عن الأبطال والمقابر التى تعتبر أكثر تعقيدا، ويرى النقاد أنها أهم الروايات التى تمثل هذا الاتجاه الوجودى فى الكتاب بين روائيى أمريكا اللاتينية، وخلال هذه الرواية يبرز هم الكاتب فى البحث عن المطلق من خلال قصة شهوانية، وهو ما يجعل تركيبها أقرب إلى التركيب الفنى عند كافكا، والغريب هو تكرار أسماء بعض أبطال روايته الأولى، وان كانت هذه المرة الأسماء مأسبنة (أى تحمل أسماء إسبانية بدلا من الإسبانية المأخوذة من كلمات إنجليزية) حيث نجد اسم كاستيل الذى يعنى بالإنجليزية قلعة يتحول إلى كاستيو الذى يؤدى المعنى نفسه فى اللغة الإسبانية، البطل مثقف ينتمى إلى الطبقة الوسطى، فيما عشيقته اليخاندرا تنتمى إلى الأرستقراطية التى بدأت تسير فى طريق الزوال، والعلاقة بين العاشقين علاقة تدميرية تشبه العلاقة بين البطل وأمه أيضا فى هذه الرواية. لكن هذه العلاقة العاطفية لا تمثل سوى جزء من الأحداث المتشابكة التى يحكيها ارنستو ساباتو فى رواية عن الأبطال والمقابر، فهى تحوى أحداثا تحاول أن تربط حياة أبطال الرواية بتاريخ الأرجنتين/ الوطن الذى كان يعيش لحظة حرجه ما بين التخلف ومحاولة اللحاق بركب التحديث، وأحداث الرواية كانت معاصرة أيضا لأحداث الثورة الكوبية. فى الجريمة التى تعرضها رواية عن الأبطال والمقابر نجد أن البطلة اليخاندرا تقتل والدها ثم تقوم بإشعال النار فى بيت الأسرة، وتنتحر بعد ذلك، وهى أحداث يكتشفها القارئ منذ البداية تماما كما فى رواية النفق، ولكننا نتعرف على الأحداث هذه المرة من خلال الرواية التى يطرحها البوليس لرؤيته للأحداث. اما فى رواية «أبدون»والتى نشرت عام 1967م يظهر فى العمل الروائى كأحد أبطاله، ويحمل اسمه الحقيقى ساباتو الذى يواجه شخصياته الخيالية، ويدخل معها فى حوارات، يحاور نفسه أيضا كنوع من الكشف عن قناعاته ورؤاه التى تسيطر عليه. هذه الرواية تنطلق أيضا من حدث واقعى وهو موت المناضل اليسارى تشى جيفارا، ذلك الحدث الذى يعتبره الكاتب من خلال الرواية، إشارة إلى الأزمة التى وصلت إليها الحضارة الغربية، والكاتب من خلال هذه الرواية يريد أن يترك شهادته، شهادة مثقف يعيش هذا العصر لتحديد موقفه، وهذا يجعل هذه الرواية -حسب النقاد- أقرب إلى منشور سياسى هدفه إعلان الموقف. فى حياته الممتدة الطويلة، مزج ارنستو ساباتو فى كتاباته ما بين الدراسات والبحوث والإبداع الروائى، ولاتقل الدراسات التى أنجزها عن إبداعه فى الرواية، حيث تنوعت أعماله فى هذا المجال ما بين فلسفة الجمال والأخلاق والأيدلوجيا والسياسة والفن، وهذا جعل تلك الكتابات مثيرة لأنها تطرح أسئلة كبرى وتقدم إجابات كبرى تثير المطلعين عليها.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق