رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

كورونا وعنصرية وسائل التواصل

على الرغم من أن التداعيات الصحية والاقتصادية والسياسية لتفشى فيروس كورونا هى التى تنال اهتمام الباحثين فى تحليلاتهم العلمية للجائحة دون غيرها, فإن هناك بعداً آخر لا يقل أهمية وهو انتشار التنمر والعنصرية ضد بعض المواطنين من قوميات محددة من العرق الأصفر وخصوصا ضد المواطنين الصينيين (من عرقية الهان). فعلى سبيل المثال شهدت الولايات المتحدة زيادة غير مسبوقة فى انتشار العنصرية ضد الاسيويين وذلك بعد انتشار الوباء. فقد أظهرت نتائج استطلاع رأى أجراه مركز بيو للأبحاث على9654 أمريكيًا وتم إجراؤه فى الفترة من 4 إلى 10 يونيو 2020 ، أن 31% من ذوى الأصول الآسيوية قد تعرضوا لتعليقات عنصرية وتنمر بسبب عرقهم منذ بدء تفشى المرض. وتتماشى هذه النتائج مع بعض التقارير عن حوادث التمييز والعنصرية ضد الآسيويين فى الولايات المتحدة ودول أخرى عديدة.

ونجد أن الدولة المصرية على المستوى الرسمى تعاملت مع الصين وقت انتشار الفيروس بها بشكل أكثر من رائع يعكس خصوصية ومتانة العلاقات التى تجمع بين البلدين، حيث قدمت مصر للصين مساعدات طبية مهمة فى وقت حرج لمكافحة العدوى رافقها وفد رسمى رفيع المستوى على رأسه وزيرة الصحة د. هالة زايد, كما اتشحت مواقع تاريخية مختلفة كالقلعة ومعبد الكرنك ومعبد فيلة فى أسوان بأضواء علم الصين تضامناً مع الدولة الشرقية التى تكافح جائحة الفيروس التاجي. إلا أنه على المستوى الشعبى لوحظ تنامى التنمر ضد الشعب الصينى من بعض الأفراد، ووقوع أشكال من السخرية، سواء عبر الفضاء الإلكترونى أو على أرض الواقع. فعلى مواقع التواصل الاجتماعى كان هناك سيل من التعليقات الساخرة و الترندات على أنواع الطعام الخاصة بالشعب الصينى وطرق طهوها مع تحميلهم مسئولية نشر الفيروس فى العالم. وفى أرض الواقع كانت هناك حوادث متفرقة ضد بعض الأفراد من أصل آسيوى خصوصا الصينين. وفى الحقيقة فإن العالم كله فى حاجة شديدة إلى وقفة جادة مع هذه النوعية من حوادث التنمر والعنصرية وتدشين حملة توعوية لنبذ هذا السلوك المشين تجاه أشخاص لا ذنب لهم فى انتشار وباء عالمي, والوقوف بقوة فى وجه خطاب الكراهية المنتشر من البعض عبر الفضاء الالكترونى والذى يشحذ أحيانا طاقات العنصرية لتصبح حوادث واقعية. فمسئولية ظهور هذا الفيروس وانتشاره فى العالم لا تزال محل جدل وبحث علمي، ولا يوجد أى دليل قاطع على صحة فرضية تطوير الفيروس فى أحد معامل مدينة ووهان الصينية أو حتى فرضية انتقاله أولا فى سوق من اسواق الحيوانات فى تلك المدينة. وبافتراض صحة الفرضية الأخيرة فيجب عدم السخرية والتنمر من الشعب الصينى بسبب تناولهم أنواعا غير معتادة من الطعام, فلدى كل شعب من شعوب الأرض حميته الغذائية المميزة وأمزجته الخاصة فى اختيار وتناول الطعام والتى قد لاتكون مألوفة للشعوب الأخرى. وبالمثل فكون إنفلونزا الطيور تنتقل من الدجاج للإنسان وكون جنون البقر انتقل من الأبقار للإنسان، لم يسوغا حينها دوافع للتنمر على آكلى الدجاج والبقر.

إن توسع وانتشار وسائل التواصل فى فترة الجائحة و غيابها فى أثناء فترات جنون البقر وضعفها إبان انفلونزا الطيور يعد دليلا لمنطق وسائل التواصل الذى قد يكون مضرا فى بعض الأحيان. فأغراض جلب الدعاية واللايك والشير وتوسيع قواعد المتابعين قد يدفع من بعض رواد تلك الوسائط إلى استخدام كل وسائل السخرية المقبولة والمشينة دون اعتبار لأخلاقيات التسامح واحترام الآخر.

ومن هنا يجب على المتنمر والناشر لخطاب الكراهية أن يعلم أن مصالحنا الاقتصادية تقتضى التوقف تماما عن مثل هذه الممارسات المشينة ضد أى فرد فى العالم أيا كان عرقه وتحميله مسئولية انتشار الفيروس. فقبل الجائحة كانت الصين هى أكبر دولة مصدرة للسوق المصرية بنسبة 15.3 فى المئة من قيمة الواردات المصرية، وعدد الشركات الصينية فى مصر نحو 1560 شركة من ضمنها 247 شركة صينية فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والصين هى أبرز الشركاء الاستثماريين مع مصر. بالإضافة لذلك فإن قناة السويس تعتبر هى الجسر الذى يربط بين طريقى الحرير البرى والبحرى بكل من أوروبا وإفريقيا وصولًا إلى الأمريكتين، أى أنها نقطة الوصل بين الصين والعالم، وبالتالى تلعب القناة أهم دور فى مبادرة الحزام والطريق كمحور لطريق الحرير الصينى بالشرق الأوسط، ولذا فمن المتوقع أن تزيد الصين من استثماراتها فى منطقة قناة السويس. كما أن السياح الصينيين يشكلون جزءًا كبيرًا من تدفق السياحة إلى مصر, فوفقًا للإحصاءات الرسمية الصينية، زار نصف مليون سائح صينى مصر فى عام 2018. وقد كان تدفق السياح الآسيويين وخاصة الصينيين أكبر تعويض عن تردد السياح الأوروبيين لزيارة مصر فى الأعوام من 2011-2013، وكان ذلك عاملاً رئيسيًا فى إحياء السياحة المصرية وسيكون كذلك، فى حالة عودة الحياة الطبيعية بعد انتهاء الجائحة. واستمرار تنمر البعض ضد العرق الصينى على وسائل التواصل قد يضر بالاقتصاد المصرى متمثلا فى السياحة الصينية لمصر والاستثمارات الصينية فى مصر خاصة فى منطقة قناة السويس.

وعليه فإن احترام الآخر مسئولية على الجميع، سواء إبان الجائحة أو فى غيابها, كما أن الوعى والحذر من طغيان منطق الشير على اعتبارات المصلحة الوطنية يعد أمرا ضروريا لحماية مصالحنا الحيوية من نزوات وسائل التواصل التى قد لا تعتبر إلا بأغراض المتابعة الضيقة وتتجاهل تبعات سعيها المحموم نحو اللايك وأثره على تغذية طاقات العنصرية وكراهية الآخرين ومردود ذلك السلبى على العلاقات بين الشعوب خاصة العلاقات الاقتصادية.


لمزيد من مقالات د. محمود السعيد

رابط دائم: