رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مصر والأتراك صراع مستمر

الصراع بين مصر والأتراك قديم منذ أيام سيتى الأول عام 1294 ق.م. ولكنهم احتلوا مصر بعد هزيمة قنصوه الغورى سلطان المماليك فى مرج دابق عام 1516م، وقد استولوا على ثروات البلاد ونقلوا كل الصناع المهرة من مصر لبناء دولتهم وليتعلموا من حضارة بلادنا.

وكان السلطان سليمان شديد الإيمان بالتنجيم، وكان يؤمن بكلام منجم يهودي، فسأله كيف يمكنه أن يوطد حكمه فى كل الولايات، فأشار إليه أن يقتل المسيحيين فى مصر وكل بلاد الشام لأنهم خطر على مملكته وقد يتحالفون مع الروم ضده. فصدق هذا وأراد أن يصدر أمراً بقتل كل مسيحيى مصر والشرق ولكن كان عنده وزير اسمه بيروز باشار حين عرف ذلك قال له: ان الملك من اللـه ولمن أراد اللـه أن يعطيه إياه، فإن فعلت ذلك خربت المملكة. فعدل عن رأيه واستعاض ذلك بزيادة الجزية على مسيحيى الشرق. فعبرت على مصر أسوأ سنوات الظلم والقهر لمدة ثلاثمائة عام.

ولكن عام 1748م بدأت قوة المماليك تزداد حتى أعلن على بك الكبير استقلال مصر عن العثمانيين، وطردوا الباشا التركي، بل أخضع أيضاً أجزاء من الجزيرة العربية. ولكن تقاتل المماليك طلباً فى السلطة، حتى جاء نابليون عام 1798م واحتل البلاد. ولمدة ثلاثة أعوام صارت مصر مستعمرة فرنسية إلى أن أجبر الانتصار البحرى البريطانى والقتال فى خليج أبى قير عام 1801م لجلاء الفرنسيين وإعادة الهيمنة العثمانية. فتحرك المصريون واختاروا محمد على عام 1805م بعد الثورة على خورشيد باشا، وكان قائد الكتيبة العثمانية التى رافقت الإنجليز فى أبى قير لانتزاع مصر من أيدى الفرنسيين، وقد تودد إلى مشايخ البلاد وكسب ودهم وثقتهم.وأرسلوا إلى السلطان العثمانى سليم الثالث طلبا فى توليته والياً على مصر، فوافق. وخاض حروباً ضد المماليك فى الداخل وانتصر عليهم وقضى عليهم تماماً. وخاض حروباً بالوكالة عن الدولة العثمانية ضد الوهابية فى جزيرة العرب والحجاز ضد الثوار اليونانيين الثائرين على حكم العثمانيين. وقد وعده السلطان بحكم الشام إذا خلصه من ثورة اليونانيين ولكنه حنث بوعده وأعطاه جزيرة كريت. فسار بجيشه الذى كان يقوده ابنه إبراهيم باشا، وخلال أيام استطاع السيطرة على دمشق ولبنان وفلسطين وحارب الجيوش العثمانية هناك وانتصر بل وذهب إلى قونية وسط تركيا وانتصر هناك. بدأ يزحف إلى إسطنبول، فاستنجد السلطان العثمانى بالإمبراطور الروسى الذى أرسل جيشاً ضخماً ليحمى العاصمة. وشعرت أوروبا بالخطر أيضاً فأرسلت أساطيلها التى أنزلت خسائر كبيرة فى الجيش المصري. فانسحب محمد على بعد تدخل النمسا وروسيا وبروسيا بزعامة إنجلترا فى الحرب. وبموجب اتفاقية لندن عام 1840م بين محمد على والسلطان العثمانى وضع نهاية الحرب القائمة وحفظ للدولة العلوية كيانها بعدما أصبحت جيوش مصر تهدده.وصدر فرمان، الأول إلغاء الأمر الصادر بخلع محمد على عن ولاية مصر. ثانياً يختار السلطان العثمانى من أولاد محمد على الذكور من يشاء ليخلفه على السدة المصرية، وإذ لم يجد ذكرا يختار الباب العالى من يشاء للولاية، على أن يمثل من يتولى الحكم فى مصر أمام السلطان ليقلده زمام ولايته.

وباقى المعاهدة تمس جباية الضرائب وإرسال ربع الإيرادات المصرية إلى خزينة الباب العالى سنوياً على سبيل الجزية. وألا يزيد الجيش المصرى على 18 ألف جندي، وأن يكون شكل ملابس الجنود المصرية كملابس الجنود العثمانية. وألا تبنى مصر سفناً حربية إلا بتصريح من الباب العالي، وترقية الضباط فى الدرجات العليا يأتى من الباب العالي. ثم أخيراً يتولى محمد على الولاية على بلاد النوبة ودارفور وكردوفان وسنار ولكن دون توريثها لأعقابه. وقد كان محمد على هو من أخضع هذه الولايات.

وتوالى الصراع فى محاولات الأتراك للتدخل فى شئون مصر لإثبات سلطانهم، ومحاولات ولاة مصر فى الاستقلال عنهم إدارياً وسياسياً. حتى كان الصراع الأكبر فى عصر الخديو إسماعيل الذى يعتبر المؤسس الثانى لمصر الحديثة بعد محمد على جده الأكبر. وقد تولى إسماعيل ولاية مصر عام 1863م بعد أن أتم دراساته فى فرنسا الذى تأثر بها جداً، وحاول أن يجعل مصر تواكب أوروبا فى كل نواحى العلم والمعرفة والحضارة. وحاول التخلص من قيود معاهدة لندن، وقد منحه السلطان عبد العزيز لقب الخديو مقابل زيادة الجزية. وقد حصل على استقلال كامل فى حكم مصر عام 1873م باستثناء دفع الجزية السنوية والمعاهدات السياسية وعدم صناعة المدرعات الحربية.

وكان هذا بعد اشتراك مصر فى معرض باريس عام 1867م الذى عهد به الخديو إسماعيل إلى مارييت باشا الأثرى المشهور. وقد عرض فيه مومياوات ملوك مصر العظام ومنهم رمسيس الثاني، وأخذ يشرح للعالم كله عظمة المصريين عبر العصور لملوك العالم ورؤساء الوفود. وقد حضر إسماعيل إلى فرنسا كخليفة الفراعنة على عرش مصر.

وبعدها وجه إسماعيل الدعوة لكل ملوك ورؤساء العالم لحضور حفل افتتاح قناة السويس باسمه وليس باسم السلطان العثمانى عام 1869م. وكان حفلاً يفوق الخيال جعل العالم كله يدرك أن مصر لم تعد ولاية عثمانية، خاصة أن الخديو إسماعيل قد سلح جيشه بأسلحة متطورة وبنى أسطولا حربيا قويا. وقد قال: إذا عاهد الإنسان الأتراك فليزمه إما استمالتهم إليه بالرشوة وإما يكشر لهم عن أنيابه، أما وقد رشوتهم فى الماضى فإنى الآن أكشر لهم عن أنيابي.

إلا أن نهاية الأتراك فى مصر كانت بعد ثورة 23 يوليو، وحين تطاول السفير التركى فى مصر على الرئيس عبد الناصر طُرد من مصر عام 1954م. لذلك لا يوجد جديد فى التاريخ، وما نراه اليوم من أطماع وتدخلات وصراع اعتدنا عليه منذ أجدادنا القدماء. واعتدنا على الانتصار فى النهاية. فإن مصر قد تمرض، وقد تجرح، ولكنها أبداً لا تموت، ولا تخبو مناراتها، بل تظل مصر هى مصر قلب العالم ومنارته الدائمة.


لمزيد من مقالات القمص ـ أنجيلوس جرجس

رابط دائم: