رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«فوبيا» كورونا تطرق الأبواب..
الأرق والخفقان والوسواس.. شكاوى العيادة النفسية بعد الحجر والعزل

تحقيق ــ علا عامر
أفراد الطواقم الطبية سيتحولون إلى نجوم فى المجتمع لما يتعرضون له من مخاطر ويقدمون من تضحيات

د.لطفى الشربينى: 20% ممن يشكون أعراضا قلبية ليسوا مرضى

سيصبح العلماء والأطباء نجوم المجتمع

د.مصطفى شحاتة: فرق للدعم النفسى بمواقع العزل «الوصمة» تفسر حالة التنمر بالأطباء والمصابين

د.محمد المهدى: الخوف يجعل الناس أكثر أنانية وعدوانية

 

 

 

 

انشغلنا بأعراض الرشح والسخونة وتكسير الجسم ووجع العظام، وتناسينا أعراض القلق والخوف والوسواس والاكتئاب، سألنا الأطباء عن مناعة الجسد ولم نسألهم عن مناعة النفس، رغم أن كليهما يمرض وكليهما قد يكون سببا للوفاة.. استمعنا لتعليمات العزل المنزلى وحماية الأهل والأولاد، ولم نستمع إلى مبادئ الإنسانية والرحمة التى تعطلت إذا كانت العدوى فى بيت الجيران، شاهدنا التنمر بالمعالجين.. أطباء وممرضين وحتى سيارات الإسعاف،ورأينا إخفاء المرض وإنكار الإصابة، واندهشنا من الجبن والخسة فى التعامل مع الأموات.. لذا فقد آن الأوان أن نولى وجهتنا قبل الطب النفسى لنفهم ونفسر ما فعله بنا الكورونا بعيدا عن نسب الإصابات وأعداد الوفيات.

منظمة الصحة العالمية أصدرت تقريرا حذرت فيه من الآثار والأمراض النفسية المرتبطة بفيروس كورونا، كان هذا مدخلنا للحديث مع الدكتور لطفى الشربينى أستاذ الطب النفسى بجامعة الإسكندرية ليوضح أنه رغم تكرار الكوارث والأزمات والحروب إلا أن ما أحدثه كورونا مجتمعيا وصحيا واقتصاديا ونفسيا على مستوى العالم أمر لم يسبق له مثيل، إذ اصبح الإنسان يعيش حالة غير مسبوقة من القلق والخوف الذى نسميه «قلق الوجود» أى الشعور بالخطر الذى يهدد الحياة والبقاء.

ورغم أن الخوف فى معظم الأحوال هو شعور وانفعال طبيعى يحدث فى بعض المواقف، لكن إذا كان مبالغا فيه، أو استمر لمدة طويلة أكثر مما يجب وهو ما تحقق فى أزمة الفيروس، فنكون هنا فى مواجهة حالة من الخوف والقلق المرضى، الذى يؤثرعلى قدرة الفرد على التكيف والتفاعل الاجتماعى مع الآخرين.

عدو المناعة

ومن المعلوم طبيا أن القلق النفسى هوالأصل فى كثير من الأمراض المختلفة التى يذهب الناس بسببها للعلاج لدى الأطباء من مختلف التخصصات، والخوف يأتى فى مقدمة الاعراض المرضية فى زمن وباء «الكورونا»، وهويمثل العنوان الكبير لحالات القلق والوساوس والفوبيا والهلع وغيرها وهذه من وجهة النظر النفسية قد تكون أشد وطأة من المرض وأعراضه لأنه فى حالات الخوف الشديد تنطلق فى الدم كميات من مادة الكورتيزول لأداء بعض الأدوار فى تجهيز الجسم لمواجهة الخطر، ولكن الكورتيزول هذا يعوق عمل خلايا المناعة فيمكن الفيروس من استيطان خلايا الرئتين، ومن هنا يصبح الخوف عدوا إضافيا بجانب الفيروس، ويصبح التغلب على حالات الخوف إحدى الوسائل المهمة فى الوقاية. وبحسب ماذكرته منظمة الصحة العالمية فإن التوتر والقلق يتسبب أن فى عشرة أعراض منها الصداع والثقل فى الرقبة أو الصدر وتقلصات المعدة والقولون وصعوبة التنفس وتغير ضغط الدم وضربات القلب وآلام الظهر.

وتشير الأرقام ــ يكمل الدكتور لطفى ــ إلى أن المرضى الذين يترددون على عيادات الأطباء من مختلف التخصصات غير الطب النفسى توجد منهم نسبة لا تقل عن الثلث لحالات أصلها الخوف والقلق النفسى، وأن نسبة 15 % من المرضى الذين يتم تحويلهم إلى أطباء القلب هم فى الواقع يعانون القلق وليس لديهم أى مرض بالقلب، وفى الولايات المتحدة تذكر الأرقام بناء على المسح الإحصائى لسكان بعض المناطق أن ما يقرب من 25% من الناس لديهم حالة من القلق تتطلب العلاج ! وهذه فى الواقع نسبة كبيرة تعنى أن ربع السكان يعانون القلق، كل هذه الارقام من احصائيات سابقة لكن نستطيع أن نؤكد أنها تضاعفت فى زمن «الكورونا» إذ لاحظنا بحكم عملنا تزايد شكاوى المرضى من أعراض تتعلق بالقلب منها اضطراب ضربات القلب والخفقان وضيق الصدر والانقباض والألم الذى يشبه الازمات القلبية..وتبين أن الغالبية العظمى من هذه الحالات لاتعانى أى مرض فى القلب لكنها نتيجة عوامل نفسية أهمها الخوف والقلق من الأجواء التى نعيشها بسبب الكورونا..

القلب والوهم

على الرغم من الانتشار الهائل لأمراض القلب فى العصر الحديث إلا أن الإحصائيات تدل على أن الغالبية العظمى من المرضى الذين يزورون الأطباء للشكوى من أعراض مرض القلب ليس لديهم بالفعل أى خلل عضوى فى القلب، وحتى فى المراكز المتخصصة فى علاج أمراض القلب فإن نسبة تصل إلى 20% من الحالات التى يتم تحويلها للعلاج على أنها مرض عضوى بالقلب ليست سوى حالات نفسية أو وهم يصاب به المرضى نتيجة للقلق.

وفى حالات الوهم هذه تكون هناك أعراض فعلية لاضطراب بالقلب مثل الخفقان نتيجة لازدياد معدل وشدة ضربات القلب، والإغماء، والصداع، وشعور الوهن، أو ضيق الصدر الألم فى موضع القلب، حتى إن الأمر قد يختلط أحياناً مع حالات مرض القلب العضوى الفعلى، ولم لا فالانفعالات تسبب زيادة فى ضغط الدم وتدفقه فى الشرايين.

ومن الحالات النفسية التى ترتبط بالخوف بسبب«الكورونا» هى الفوبيا وتحديدا فوبيا الخوف من الأمراض والخوف من العدوى، والخوف من الموت، والأخطر الخوف من الاماكن المغلقة فى فترات العزل والحجر فى المنازل والمراكز الطبية، وأيضا فوبيا الاقتراب من الآخرين بالاضافة إلى أنواع اخرى مثل فوبيا ملابس الأطقم الطبية والمستشفيات واللون الأصفر وسيارات الإسعاف!!

ويكون مريض الفوبيا أو «الرهاب» غالباً مدركا تماماً بأن الخوف الذى يصيبه غير منطقى ولكنه لا يستطيع التخلص منه بدون الخضوع للعلاج، حيث يبدو الأمر خارج التحكم الإرادى للشخص المصاب والذى يحاول تجنب هذا الموقف أو الشيء والفرار بعيداً عنه، ومثال ذلك من يخاف من الأماكن العالية، أو الأماكن الواسعة أو الزحام ويحاول الابتعاد عن هذه الأشياء فلا يستخدم المصعد ولا ينزل إلى الشارع حرصاً منه على ألا تنتابه الحالة.

وسواس النظافة

ولكن هل الخوف والقلق والفوبيا فقط هى ثمار «كورونا»؟

الإجابة تأتى بالنفى على لسان د. الشربينى مستطردا: يأتى بعد ذلك الوسواس القهرى ذلك المرض الذى كنا نرى أصحابه يأتون إلى العيادة وهم يعانون المبالغة فى النظافة وغسل الأيدى والإستحمام، فإذا بظروف الوباء تفرض على الجميع أن يكونوا كذلك، وبدأت تظهر حالات تحول الأمر عندها لهاجس مرضى متكرر بدون داع، وهذا المرض ليس نادر الحدوث كما كان متصورا، فبحسب آخر الإحصائيات فى مراجع الطب النفسى الحديثة أن نسبة 2 ــ3% من الناس معرضون للإصابة بمرض الوسواس القهرى على مدى سنوات حياتهم، وهذا الرقم كبير جدا لأن معناه وجود عشرات الملايين من مرضى الوسواس القهرى فى أنحاء العالم، كما تذكر إحصائيات أخرى أن نسبة10% أى واحد من كل 10 أشخاص يترددون على العيادات النفسية يعانى هذا المرض النفسى، ومعنى الوسواس القهرى أن المرض يؤدى إلى تكرار المريض لعمل معين أو سيطرة فكرة محددة على عقله بحيث لا يستطيع التوقف عن ذلك رغما عنه مهما حاول مقاومة الاستمرار فى هذا العمل أو التفكير، وحوالي50% من الحالات تبدأ فيها الأعراض عقب التعرض لمشكلات أو ضغوط نفسية وهناك نسبة تقدر بـ35% ثبت فيها العامل الوراثى ،وأن هناك أقارب للمرضى يعانون حالات مشابهة.

ثم نأتى بعد ذلك للمشكلة التى أصبح معظم المجتمع تقريبا يعانى منها الآن وهى: الأرق، ويعرف الأرق فى مراجع الطب النفسى على انه صعوبة الدخول فى النوم أو الاستمرار فيه، وتعانى مشكلة الأرق أعداد كبيرة من الناس، وبمراجعة الدراسات المسحية لانتشار الأرق أظهر أن ما يقرب من 50% من الناس فى منتصف العمر يعانون مشكلة الأرق لبعض الوقت. ومن أنماط الأرق صعوبة الاستسلام للنوم أوكثرة الاستيقاظ بالليل أو النوم المتقطع وهناك صورة ثانية الأرق وهى أرق ساعات الصباح الأولى حين يصحو الشخص قبل الفجر ويصعب أن ينام بعد ذلك، وهذا النمط من الأرق له دلالة مرضية إذ يرتبط عادة بمرض الاكتئاب النفسى.

ويوضح عالم الطب النفسى أن أسباب الأرق كثيرة ومتنوعة، منها أسباب مرضية كاضطرابات الغدد الصماء ومنها أسباب نفسية كالاكتئاب واضطراب الضغوط التالية للصدمة وأكثر حالات الأرق هذه الفترة ظهرت بسبب متابعة الأحداث المؤلمة وقصص المصابين والوفيات على وسائل التواصل الاجتماعى، وانشغال التفكير بانتشار المرض، والترقب لأحداث متوقعة أكثر سوءا.

ورغم أن الكثيرـ أطباء ومرضى يفضلون اللجوء للعقاقير للتغلب على الأرق إلا أن محدثنا ينصح بعدم التسرع فى ذلك، لأن الأدوية المنومة تعمل من خلال تأثيرها على الجهاز العصبى، وقد يؤدى استخدامها إلى خلل فى وظائف المخ الأخرى، واللجوء للبحث عن أسباب الأرق وتلافيها قدر الإمكان فقد تكون الحالة بسيطة وعابرة، وفى هذه الحالة يمكن اتباع بعض الإرشادات منها الالتزام بموعد ثابت فى الاستيقاظ وتجنب المنبهات والكافين وممارسة أعمال هادئة مريحة للذهن قبل ساعات النوم والبعد عن متابعة القصص المؤلمة، والأخبار المحزنة.

الخط الساخن

الأمانة العامة للطب النفسى كان لها استشعار مبكر وتحرك سريع إذ بالإضافة لتخصيصها خطا ساخنا لاستقبال الاستشارات النفسية، كانت هناك انطلاقة لفرق من الأطباء النفسيين لتقديم الدعم النفسى بمستشفيات العزل، الدكتور مصطفى شحاتة مدير مستشفى العباسية للصحة النفسية السابق واستشارى الطب النفسى وعلاج الإدمان «غادر موقعه منذ أسبوعين» كان ضمن هذه الفرق التى جابت محافظات مصر لتقديم دعمى نفسى بمستشفيات العزل لكل من المرضى وأيضا أفراد الطاقم الطبى، وتطبيق علم النفس الإيجابى بالتركيز على الرسائل الإيجابية، وبث الأمل والتفاؤل، وذلك للتقليل من التأثيرات النفسية السلبية لكورونا على الموجودين بالعزل، وأضاف أنه أمكن ملاحظة ظهور أعراض الإكتئاب على بعض المرضى مما استلزم التدخل دوائيا لمنع تفاقم الحالة وعدم الوصول للاكتئاب الحاد أو التفكير فى التخلص من الحياة، كما احتاج بعض المتعافين الاستمرار على جرعات مضادة للاكتئاب بالاضافة لبرامج الدعم النفسى حتى يستعيدوا كامل صحتهم جسديا ونفسيا، وذلك بالاضافة لخدمات العيادة الخارجية بمستشفى العباسية لمساعدة حالات تعرضت لنوبات هلع وخوف شديد، وأوضح أنه مما لاشك فيه أن فترات الحظر كان لها تأثير سلبى حتى على الأسرة إذ بدلا من أن يحدث التقارب والتلاحم العائلى حدث بدلا من ذلك ملل وعدم تقبل للآخر، مما كشف هشاشة نفسية تستلزم الدراسة من علماء الاجتماع وعلم النفس للوصول لخطط علاج وحماية للأسرة أولا باعتبارها لبنة المجتمع.

الوصمة

والآن هل يستطيع الطب النفسى أن يقدم تفسيرا لقصص وأحداث صدمتنا بظهورها بل وتكرارها مثل: التنمر بالأطباء والتمريض والعنف فى التعامل مع من يصاب منهم لدرجة أن أحد الأطباء الشباب كتب على صفحته بالفيس بوك أن الجيران حاولوا إغلاق باب شقته من الخارج بقفل لأنه تعرض للعدوى بسبب عمله وقرر عزل نفسه بالبيت، وقال إنه لولا تدخل أقاربه لما تراجع الجيران عن فعلتهم الشنعاء، والتى يفوقها جرما قصص الأبناء الذين تركوا أما أو أبا مسنا فريسة للتعب والألم بل والجوع ولاذوا ببيوتهم وتركوا مفتاح الشقة مع الجيران، وهناك حالة لأم ظهر فيديو لها وهى تردد بحسرة: «ولادى سابونى» قبل أن يتوفاها الله.

جانب من هذه السلوكيات يعود لحالة نفسية ومجتمعية نسميها بـ «الوصمة» يفسر الدكتور لطفى ولقد ظهرت للأسف بقوة فى المجتمع مع ظهور الكورونا وتفشيه وهى أيضا سبب إنكار البعض لإصابتهم وإخفائها، وسبب كذلك التنصل من الأهل والجيران المصابين، بل وصل الأمر لمنع دفن جثث المتوفين، وذلك بسبب نظرة المجتمع السلبية غير المفهومة لمرضى وباء «كورونا»، بل والتنمر بالأطباء والفريق الطبى رغم أنهم حائط الصد فى هذا الوباء، مشيرا إلى أن المجتمعات النامية يحدث فيها التفكيركثيرا بطريقة الوصمة مثلما يحدث لمن يشاع عنه أنه يطلب العلاج النفسى، والتخلص من طريقة التفكير هذه يحتاج لجهد مجتمعى وإعلامى كبير لأن جزءا منها يرتبط بقلة الوعى أو الجهل، وجزءا آخر يتعلق بالموروث الثقافى تجاه بعض الأمراض.

الحصانة النفسية

أما الدكتور محمد المهدى رئيس قسم الطب النفسى جامعة الأزهر فيقول: إن مواجهة وباء كورونا الذى تسبب فى عزل أكثر من أربعة مليارات من البشر فى بيوتهم لا يستطيعون الخروج إلا للضرورة القصوى، مع تزايد أعداد الإصابات والوفيات كل يوم، وفرض قيود للاقتراب بين البشر، تحتاج قدرا أعلى من اللياقة والحصانة النفسية والصمود لنواجه هذه الجائحة التى لم ير لها العالم مثيلا من قبل موضحا أننا رصدنا استجابات إنسانية متباينة للأزمة يجب دراستها لمعرفة تأثير ذلك على نجاح أو فشل المواجهة، فيقول: هناك فريق استخدم دفاعات الإنكار فى مواجهة الحدث، فهؤلاء يعيشون ويتصرفون وكأن شيئا لم يحدث فى العالم، ويهونون كثيرا من الأمر، ويتهمون بقية الناس بالمبالغة فى تقدير الخطر، وهؤلاء لا يلتزمون بالتالى بأى محاذير أو أساليب وقاية.

وفريق ثان من الناس أصيبوا بالهلع، وراحوا يقضون وقتهم يتابعون ما تبثه وكالات الأنباء فى كل لحظة من أخبار مقلقة وربما مرعبة، ويتابعون عدد الإصابات والوفيات فى كل دول العالم، فيحرمون أنفسهم من النوم وتضطرب حالتهم الصحية والنفسية، وبالتالى يضعف جهاز المناعة لديهم، وهناك الموسوسون، الذين يبالغون فى الإجراءات الاحترازية فيستهلكون كميات هائلة من المنظفات والمطهرات لغسيل أيديهم وكل شيء فى المنزل عدة مرات يوميا، وهناك الساخرون، مطلقو النكات والكومكسات، على مواقع التواصل، وهناك الشامتون، الذين يشمتون فى البشرية التى فاح فسادها وظلمها واستحقت العقاب من وجهة نظرهم، وهناك المتشائمون، الذين يغرقون فى مشاعرهم السلبية ويركزون على أعداد المصابين والموتى، ولا ينظرون فى أعداد الناجين والمتعافين.

المواجهة أو الهروب !

ويرى د. المهدى أننا يمكن أن نفهم لماذا وجدنا نماذج قاسية من الأبناء والجيران، بينما فى المقابل لايمكن أن نغفل ظهور نماذج أخرى تطوعت بصنع وتوصيل الوجبات الصحية للمعزولين ببيوتهم، بل وصل الأمر بالبعض لدرجة التطوع بتغسيل المتوفين بكورونا، يضيف: يمكن أن نفهم ذلك إذا عرفنا أن الخوف يؤثر بقوة فى سلوك الإنسان، لأن الإحساس بالأمان هو من الاحتياجات المهمة جدا لسلامة الإنسان النفسية، وهو يلى فى الأهمية الاحتياجات البيولوجية مثل الطعام والشراب والمأوى، ولهذا حين يشعر الإنسان بالخوف وتهديد أمانه فإنه يصبح أكثر أنانية وأكثر حرصا على تجنب كل مايهدد بقاءه الشخصى أو سلامته، وبالتالى يقل اهتمامه بالآخرين، وربما يصبح غاضبا أو عدوانيا فى محاولة لمواجهة الخطر، وإذا لم تكن المواجهة ممكنة، فإنه يفكر فى الهرب من مصدر الخطر لتفاديه.

وهذه العمليات تتم فى جزء صغير فى المخ يسمى «اللوزة» هى التى تلتقط إشارات الخطر أو التهديد من البيئة المحيطة وتستشير الجهاز الطرفى فى المخ عن ذاكرته نحو هذا الخطر، وحين يتأكد وجود الخطر وتتحدد شدته يقوم المخ بتحفيز الجهاز العصبى والجسم كله للتعامل مع الخطر، إما بالمواجهة أو بالهرب. 

لكن الخوف فى مواضع أخرى قد يصبح متسلطاً وقاهرا بحيث لا يجد الإنسان حيال الخطر الداهم إلا أن يستكين له تماماً، وتشل حركته وقد يصيبه الإغماء أو ما يشبه الموت بل قد يصل إلى حالة الموت الحقيقى..إذن فنحن كما يقول د.المهدى أمام ثلاث استجابات فى حالة الخوف، إما المواجهة، أو الهرب، أو الاستكانة، وفى كل الحالات ينشغل الإنسان بنفسه أكثر من اللازم ويكون كل همه النجاة من مصدر الخوف.

وهذا مانراه بشكل مصغر فى وقت الأزمات والكوارث والأوبئة، حيث تقل درجة الإيثار والتراحم والتكافل لدى من يستبد بهم الخوف الشديد والهلع، فيتجهون تحت تأثير رعبهم إلى سلوكيات أكثر أنانية للحفاظ على ذواتهم من الخطر فيعمدون إلى اكتناز المال أو تخزين المواد الغذائية أكثر من اللازم، ولا يبالون بسلامة غيرهم بل ربما ينبذونهم أو يعادونهم.

أما أصحاب النفوس الهادئة المطمئنة فإنهم يحتفظون بقدرتهم على العطاء وقت الشدائد لأنهم لا يصلون إلى درجة الهلع المفجرة للأنانية والبخل والإستحواذ، وبالتالى يظلون قادرين على العطاء السخى والرحمة بغيرهم مهما كانت الظروف.

إنفاق أو تقتير

عندما تنتهى المواقف الشديدة والأزمات القوية لابد أن تتوالى بعدها عدد من التغييرات النفسية والمجتمعية منها مايتعلق بالتفكير تجاه أشخاص أو قضايا، فكما يتوقع الدكتور لطفى الشربينى أنه سوف يتراجع الاهتمام بالفنانين والأدباء ولاعبى الكرة، وسيصبح علماء البيولوجى والفارماكولوجى والطب والأطباء هم نجوم المجتمع. وربما تتنافس الدول ومراكز الأبحاث فى شراء علماء البيولوجى وعلماء الطب كما تتنافس الأندية الرياضية فى شراء اللاعبين الموهوبين.

سوف تزدهر شركات التكنولوجيا الحديثة التى تسهل عمليات التعلم عن بعد، وعقد المؤتمرات والاجتماعات بالفيديو كونفرانس.

أما سلوك الناس فى التعامل مع بنود الإنفاق والترفيه فمن المتوقع وجود الفريقين: الأول يندفع بعد انتهاء خطر الكورونا نحو الإستمتاع الشره بالحياة والإنغماس فى الملذات كنوع من التعويض لأيام الحرمان والخوف، والفريق الثانى سيتوقف أفراده عن التبذير والسفه فى الإنفاق لكى يؤمنوا أنفسهم وقت الأزمات، وستتراجع الإنفاقات المبالغ فيها فى الزواج وإقامة الأفراح فى الفنادق الفخمة، والتبذير فى المصايف وحفلات الترفيه.

كذلك قد تتغير العلاقات داخل الأسرة الواحدة بعدما اقتربوا من بعضهم البعض أثناء الحظر، فتتعزز العلاقات داخل بعض الأسر التى اكتشفت أهمية القرب بين أفرادها، وتنهار أسر أخرى اكتشف أعضاؤها أنهم عجزوا عن التوافق حين اقتربوا.

أما على المستوى النفسى الشخصى فمن المتوقع انتظار ظهور اضطرابات وأمراض نفسية بعد انتهاء معايشة فترة الكورونا فمثلا شدة الخوف من العدوى وكثرة التعامل مع المطهرات والمبالغة فى النظافة الشخصية وغسل الأيدى ستحيل البعض إلى قائمة مرضى الوسواس القهرى، بالاضافة لحالات الإكتئاب التى بدأت تظهر بالفعل من حالات المتعافين بعد بقائهم لفترة فى العزل المنزلى.

وفى النهاية نسأل إذا ماكانت هناك روشتة نفسية لمواجهة الواقع والاستعداد للقادم بأقل الخسائر؟

وكانت الإجابة بأن الحل يكمن فى التمسك بالأمل والتفاؤل، وعدم التخلى عن إرادة الحياة.

وحين نتحدث عن علاج الخوف فى زمن «الكورونا».. لن تجد تذكرة دواء (روشتة) جاهزة تصف العلاج ببساطة لكن علينا مثلا إعادة ترتيب أولوياتنا فى الحياة.. ولا داعى للانشغال بأمور تافهة كنا نوليها الكثير من الاهتمام!! علينا متابعة الموقف دون تهويل، والتوكل على الله مع الالتزام بتعليمات السلامة التى نعلمها جميعا.

 

وأخيرا.. لا داعى للقلق فالبعض منا تعود على طريقة تفكير تقوم على تضخيم الخطر، وتوقع الاسوأ خصوصا مع حدوث شيء يبدو مخيفًا وغير معروف.. وكثير منا يشعر بالرعب من الإصابة بكورونا، وهذا على الرغم من أن احتمالات الوفاة من التدخين أو فى حادث تحطم سيارة أعلى بكثير من احتمال الموت من الإصابة بكورونا!

من النصائح النفسية ايضا استخدام مهاراتك السابقة فى التأقلم، وهذا ببساطة ان كل منا حدث له مواقف صعبة سابقة مرت واستمرت الحياة بعدها.. وهكذا سيمضى هذا الوباء من العالم.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق