رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

العنصرية كثقافة متجذرة

لم تهدأ الانتفاضة ضد عنصرية الشرطة الامريكية والتى اندلعت مند قتل جورجفلويد الشاب الزنجى الذى عرفه اصدقاؤه بصاحب القلب الابيض. فالانتفاضة تحركت من مينيابوليس فى ولاية مونتانا لتعم ولايات وعواصم أمريكية ثم اوروبية عديدة. وكانت فى مجملها مظاهرات سلمية لكن تخلل البعض منها عنف مس ممتلكات عامة وخاصة كما مست فى الصميم تماثيل عدد من الرموز التى اعتبرها المتظاهرون لعبت دورا عنصريا فى ادارة البلاد او فى تجارة العبيد القديمة. وبجانب اللافتات التى رفعها المتظاهرون والتى حملت شعارات »حياة السود تهم« و« لا استطيع التنفس، وهو اخر ما قاله جورج فلويد«رفع المتظاهرون الذين كان من بينهم متظاهرون كثيرون من ذوى البشرة البيضاء، مطالب اساسية تصب كلها فى مطلب اساسى واحد وهو التغيير الهام فى جهاز الشرطة. من المتظاهرين من طالب بتصفية جهاز الشرطة ومنهم من طالب بإدخال تخفيضات على المخصصات الخاصةبجهاز الشرطة ومنهم من طالب بتشديد العقوبة على رجال الشرطة الذين يتصدون بالعنف او بالقتل على المواطنين ذوى البشرة السوداء ومنهم من طالب بتهذيب تعامل الشرطة بحيث تلغى وسيلة الضغط على الرقبة للامساك بالإنسان المطلوب الامساك به. شهدت ساحات التظاهر مطالب كثيرة تنوعت بتنوع الولايات الخمسين للولايات المتحدة الامريكية.

وبالفعل بدأت تظهر بوادر تعديلات قانونية فى عدد من الولايات ومن أهمها تلك التى ناقشها، ولا يزال، البرلمان المحلى لولاية نيويورك العاصمة المالية للبلاد ومقر منظمة الأمم المتحدة. وتأتى أهمية التعديلات التى تناقش اليوم فى نيويورك لأن هذه الولاية تمتلك أقوى نظام شرطة فى كل البلاد وأكبرها من حيث العدة والعتاد حتى انها تمتلك عددا من الطائرات بدون طيار ربما بسبب انها عاصمة المال والأعمال بجانب وجود المنظمة العالمية بضيوفها على ارضها. ولا شك ان ثمة تعديلات على القوانين واللوائح التى تتحكم فى عمل جهاز الشرطة فى كل ولاية من الخمسين ستحدث، ولكن هل يعنى ذلك المساس بالبناء العنصرى الذى يتحكم بالبلاد كلها من كل جانب وفى كل مجالات الحياة؟

فى البداية لابد من القول أن قضية الانسان الاسود الذى جلب قسرا من بلدان غرب إفريقيا ليتحمل عملية القيام بإنشاء مزارع القطن فى الجنوب الامريكى استمرت قضية منذ ان انتزع هذا الانسان من بلاده وثقافته ليزرع فى ارض لا يعرفها وثقافة غريبة على ثقافته الأصلية. ففكرة العبودية التى لا تحدث فى البلاد كجزء من التطور التاريخى العام ولكن تنشأ كصناعة انسان لإنسان فى مرحلة تاريخية، تحدث فى سياق مختلف تجعل هذه القضية مستمرة إن لم تفهم وتواجه بأسلوب اجتماعى متسامح مع الذات فى المقام الأول ثم مع الآخرين. فالمجتمع الأمريكى هو مجتمع المهاجرين من كل البلاد والحاملين لكل اللغات إلا فى حالة حديثنا عن الامريكيين الأفارقة، هنا يختلف الحديث ليتحول الى احتسابهم فى التعامل، بالرغم من الحرب الاهلية وصدور قانون الحقوق المدنية والسياسية، كمواطنين من الدرجة الثانية فى السكن والتعليم والتوظيف والاجور. فهم المشكلون للعدد الأكبر من مرتكبى الجريمة ومن المتعطلين ومن هم ابناء العلاقات غير الشرعيةومن لا يعرفون القراءة والكتابة بشكل جيد ومن هم بلا مأوي. ببساطة هم اسباب كل المشاكل الاجتماعية فى المجتمع، فلماذا تأتى المطالبة بمعاملتهم كمواطنين مثل هؤلاء ذوى البشرة البيضاء؟

وفى الواقع يتسم عدد من المواطنين ذوى الجذور الافريقية بجزء من الخشونة فى الحديث وفى التعامل ولكن تتميز اعداد منهم بكل سماحة وفهم للتعامل المتحضر مع البشر. وينبع الفارق بين الجانبين من الواقع الذى يعيشه كل منهم. فالزائر للولايات المتحدة الامريكية خاصة لولاياتها الجنوبية يمكنه ملاحظة الفوارق الاجتماعية العامة التى تخلق الفروق والتمايز بين الانسان وأضية الانسان الحامل لنفس الجنسية ولنفس الديانة ولنفس الكيان الانساني. تتألق عواصم الولايات ومدنها وتضم المتاجر التجارية الكبيرة التى تقدم كل المغريات من السلع الاستهلاكية للمشترى ودور العرض السينمائى والمطاعم ومحال الاطعمة السريعة والمشروبات والمشهيات وكل ما تشتهيه النفس من المتع فى المأكل والمشرب والملبس. تعكس العواصم والمدن الكبيرة ثراء المجتمع وانتاجه وطبقاته العليا التى تضم الغالبية من البيض والاقلية القليلة من غير البيض ذوى الاصول الاوروبية.ولكن مع حركة صغيرة من وسط هذه العواصم والمدن ومن الاحياء الراقية المحيطة بها فى كومباوندز ستجد أحياء الفقراء واغلبيتهم إن لم يكونوا جميعا من ذوى البشرة السوداء. تجد البيوت المتهالكة والمدارس المهملة والمستشفيات التى تفتقر لكل ما يساعد الناس على العلاج الجيد والشفاء السليم. تجد فى هذه الاحياء الفقر الامريكى بسماته الخاصة والذى يرى كل طيبات الحياة دون ان يمتلك القدرة على مجرد الدنو منها.

تحيط أحزمة الفقر هذه بالمدن وتعيش فى حالة اجتماعية لا تنبت ولا تولد الا المتعطلين والمنحرفين والذين لا يجيدون القراءة والكتابة والذين لا يعرفون اساليب التعامل الحديثة. لم تجد هذه الأحزمة الا الاهمال وإنكار الوجود. يحدث ذلك وبالرغم من ذكريات الحرب الاهلية وقوانين تحرير العبيد وصدور قانون الحقوق السياسية والمدنية. فالقانون ووجوده شيء والتعامل الاجتماعى شيء آخر تماما كما حدث لابراهام لنكولن الرجل الذى قاد الحرب الاهلية وحرر العبيد وفتح الجنوب الأمريكى للاستثمار الرأسمالي، هذا الرجل العظيم تم اغتياله على يد احد أعضاء جماعة الكلوكلاكس كلان العنصرية التى تلاحظ ملامح فكرها فى تلك التصرفات التى يرتكبها العديد من رجال الشرطة.

لا تحتاج الولايات المتحدة لمجرد تغييرات قانونية، وإنما تحتاج كما يحتاج كل مجتمع يعانى التطرف والعنصرية، الى التغيير الثقافى العام الذى يغير من عقل الإنسان وذاته بغض النظر عن لونه او دينه من خلال تغيير ظروفه العامة والتى تحيط به التى تغير بدورها فى كيانه الثقافي.


لمزيد من مقالات أمينة شفيق

رابط دائم: