قبل أربعة أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية الأمريكية يتأخر ترامب عن منافسه الديمقراطى جو بايدن بنحو 14% من الأصوات، وفقا لمعظم استطلاعات الرأى، وهى نسبة كبيرة للغاية فى هذا التوقيت، ولا يبدو أنه يمكن تعويضها فى ظل الأنباء السيئة للغاية عن الارتفاع المرعب فى عدد الإصابات بفيروس كورونا، وهو ما سيزيد النقمة على ترامب، وهو ما يعنى أن إحتمال هزيمته فى الانتخابات المقبلة باتت مرجحة، رغم أن منافسه جو بايدن لا يفعل شيئا، ويعتمد على التصويت السلبى ضد ترامب أكثر من جاذبيته الشخصية وبرنامجه القادر على جمع أنصار جدد، أو إيجاد حلول مقنعة للأزمات الأمريكية، وهو ما يطرح سؤال مهم حول حجم التغيرات داخل الولايات المتحدة وخارجها عند هزيمة ترامب.
فرصة حدوث تغيرات حادة ومفاجئة تعيد الأمل لحملة الرئيس ترامب تتضاءل، والوقت يضيق، فإمكانية التوصل إلى علاج ناجع لوباء كورونا لا تبدو ممكنة قريبا، وحتى فى حالة حدوث معجزة وتم التوصل إلى علاج، فإن نتائجه وتأثيره على مسار الانتخابات سيكون محدودا، فالخسائر التى لحقت بالاقتصاد والأرواح لا يمكن تعويضها، ومقارنة الخسائر الأمريكية بأوروبا والصين وروسيا وحتى دول فى العالم الثالث ليست فى مصلحة ترامب، وقرار إلغاء حظر التنقل وعودة الحياة الطبيعية يؤدى إلى المزيد من الإصابات والوفيات، وفى كل الحالات لا يمكن تعويض التراجع الكبير فى الناتج المحلي، فالرصاصة قد انطلقت لتصيب أهم ما كان يفخر به ترامب ويراهن عليه وهو الانخفاض فى معدلات البطالة، والتى تحولت لأضخم المعدلات، بكل ما يترتب عليها من خسائر اقتصادية ونقمة اجتماعية غذت الغضب الناجم عن قتل الشرطة لأحد السود الأمريكيين، ولا يمكن توقع أن تخبو مشاعل الغضب التى انتقلت إلى أوروبا، وتركت آثارها على الانتخابات المحلية فى فرنسا، والتى لقى فيها حزب الرئيس ماكرون الجمهورية للأمام هزيمة قاسية على أيدى حزب الخضر المتحالف مع اليسار الجديد، وتراجع حاد مماثل فى شعبية اليمين المتطرف التجمع الوطنى بقيادة مارين لوبان.
بقيت الفرصة الأخيرة فى عمل عسكرى مضمون الانتصار، ولو كان صغيرا، وهذه الفرصة تضاءلت للغاية، خاصة عندما تجنب الأسطول ألمريكى قافلة المساعدات الايرانية لفنزويلا، والتى أكدت أن الولايات المتحدة لا يمكنها شن حرب وهى تمر بكل هذه الأزمات، من انقسام يكاد يصل إلى صدامات مسلحة، وحرب كلامية بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى تدنت إلى مستويات يصعب تصديق مفرداتها وأدواتها، ومشكلات اقتصادية عميقة، وعزلة أمريكية عن أقرب حلفائها فى الاتحاد الأوروبي، بلغت حد الأزمة وسحب معظم القوات الأمريكية من ألمانيا، ولا يمكن أن نأخذ الحملة الكلامية لوزير الخارجية الأمريكي بومبيو على الصين وروسيا وإيران منذ أيام على محمل الجد، رغم أنها تجاوزت كل الأعراف الدبلوماسية، ووصف فيها الصين بالوحشية والإجرام فى حق شعبها، لكن لا يبدو أن الصين يمكن أن تنجر لمعركة كلامية مع أمريكا، وكان ردها أنها دولة نامية، لا تطمح إلى قيادة العالم، وكذلك تجاهلت روسيا اتهامها بالتآمر ودعم الإرهاب، لكنها أكدت رفضها تمديد حظر تصدير الأسلحة إلى إيران، وهى هزيمة جديدة للإدارة الأمريكية، أما عن أهم نتائج هزيمة ترامب فى الانتخابات، فأخطرها استمرار الانقسام الداخلى فى الولايات المتحدة، وقد تؤدى إلى ظهور شخصيات بل أحزاب جديدة، على حساب الحزبين الكبيرين الجمهورى والديمقراطي، أما خارجيا فأول الخاسرين هو رئيس الوزراء الإسرائيلى نيتانياهو، الذى راهن فى مشروع خطة ترامب للسلام على شخصية ترامب، وعند عودة الديمقراطيين ستنتهى خطة ترامب ويعود الاتفاق النووى مع إيران، وتهدأ علاقة الولايات المتحدة مع أوروبا والصين، لكنها ستزداد سوءا مع روسيا، المتهمة بأنها ساعدت ترامب على الفوز فى الانتخابات أمام هيلارى كلينتون، لكن ما سيشغل الولايات المتحدة هو السعى إلى التخفيف من حدة أزماتها الاقتصادية، لكن سياسات جو بايدن لن تختلف فى جوهرها مع سياسات ترامب، ومن الصعب أن يتمكن من إيقاف التراجع الاقتصادى والسياسى للولايات المتحدة، فالأزمة أعمق من أن يتوصل بايدن لحلول حقيقية لها، ولن يستطيع إلا أن يعتمد على المسكنات وامتصاص حدة الأزمات، لكن فترة رئاسة بايدن لن تكون سهلة، وسيرث حملا ثقيلا ليس بمقدوره أن يتحمله.
لمزيد من مقالات مصطفى السعيد رابط دائم: