رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

نهر النيل.. كامل الأوصاف

إنها الأمثلة التى يضربها الله لنا لعلنا نتفكر. الأمور المثخنة بالمعانى فيما يظهر منها وما يبطن. لجغرافيا مصر معنى ولنهر النيل ألف معني. ورغم انه ينبع من مكان ويمر ببلاد أخري، فإن وطنه الحقيقى هو مصر. يعرف ذلك أهل الأرض جميعا منذ مولد الكون. أوحى لهم الله ان النيل بمصر يفجر ينابيع من المعجزات تتجاوز كل عقل وتلهب كل فؤاد. وخلقنا من الماء كل شيء حي: هكذا أفصح أنا رب الكون عن احد أسرار الوجود. فنحن والطير والدواب والجبال والرياح نعتاش على الماء ونرتوى بجزيئاته ونستمر فى الكون بفضل خيراته، ونصبح خلفاء الله فى الأرض بفضل معجزاته. والنيل صاحب أعذب ماء، أو كما قال زائروه إن من يشرب من مائه لن يضل أبدا. سيعود ويرتوى ويسعد. الماء يحتل أغلبية أجسادنا واغلب الكون، والماء العذب هو لؤلؤة التاج بين كل المياه ونهر النيل هو سدرة المنتهى بين كل الماء العذب. لا أقلق على النيل، سواء صدقت أم لا انه ينبع من الجنة كما ذكر فى بعض الأحاديث. فقد شاء الله ان نكون أولى حضارات الكون ومن أعظمها، وروادها فى كل علم أو فن. وكان النيل هو المكون الرئيسى لحضاراتنا المصرية القديمة. ومنها تعلمت البشرية فك شفرة الأشياء فتكونت الحضارات الأخري.

النيل إذن قد جاء يضيء النور على كل البشر بكل المعارف الكونية. أراد الله له كذلك، وسيحميه من أجل ذلك. والنيل أيضا مخلوق راق. جعله الله سببا فى حياة طيور لا تعيش الا على مائه، واسماك لا تترعرع إلا فى أعماقه. وبشر مثلى يعطيهم الأمل كل يوم. فلا يمر يوم إلا وأنا أتأمله جليا ومليا. فأرتوى منه كل صباح. فجعلنى نهر النيل أشعر انه أصل وجودى ومكمن اسرارى ومنشأ ارتياحى فى الكون. ومهما شغلتنى اى أمور ، فلابد ان أطل على النيل يوميا حقا. ومهما وصفت، فلن أستطيع ان أعبر عما يفعله نهر النيل بي. انه يشحن طاقتى بسحر غير ملموس، يأسرني، يهدئدنى بل وأيضا يقويني. يشعرنى أن لى أصلا فى هذه الدنيا، وأننى جزء من شيء عظيم وراق ونبيل. يمنحنى سكينة وقدرة على رؤية ما وراء الأشياء. يعطينى بصيرة فأنفذ الى عمق الأمور. يهدهدنى كسحابة كونية مظللة، ويدب النشاط فى عروقى فأقوم قادرا على كل تحد وعازما على قهر الصعاب. ويجعلنا نهر النيل عاشقين وشعراء وفنانين. انه اكبر مصدر للوحى واكبر مخزن للمشاعر. لا يحتاج منا حتى الإطلال عليه أو لمس مائه، فيكفى لكل امرىء تذكره ليدب فيه طوفانا من الأحاسيس غير المنقطعة. فما النيل إلا مفجر لسيول الحب، ومسبب لطوفان الحنان. ولكل منا مع النيل حكاية. وهو ليس كمثله شيء. لقد خبرت أنهار السين فى فرنسا والدانوب فى المجر والوادى الكبير فى الأندلس ونهر جنيف بسويسرا وغيرها. وصحيح ان لكل منها سحره وجماله، لكن ليس من بينها ما يقارب النيل فى عنفوانه وقدرته وعظمته. وهكذا يرى أيضا أغلب الجغرافيين والأدباء العالميين. وزرت أيضا نهر النيل فى السودان الحبيب ووجدتهم يقسمونه نيلا أبيض ونيلا ازرق، بينما نحن نعرفه فقط كنهر النيل كاسم علم. له فى مصر فقط ألقه الخاص وطبيعته الاستثنائية.

والنيل لدينا استطاع أن يمنح كل بلدة جمالها الخاص. فى الأقصر النيل كعروس فى زفة شعبية، وراقص متألق محتفل دائم بالحياة حتى لو كان فى ظل المعابد. وفى أسوان رجل حكيم ينظر بابتسامة هادئة ويمنح الآخرين سكينته وحكمته. وفى القاهرة له ألف وجه. فأحيانا ارستقراطى بملابس ملكية وذو لمسة فخامة معتبرة وأحيانا ابن بلد بخفة دم متناهية وروح وثابة. وفى قرى الصعيد ساحر طيب غامض ومهيب وفى الدلتا ونيس ليلى يناقش أجمل الأفكار ويدعونا لتأمل الكون. وللنيل تجليات وبدائع يندر ان تجد مثلها فى مكان آخر فى الكون. فهو صديق للجميع من التماسيح فى بحيرة ناصر حتى ابو قردان فى كل ريفنا الغالى العزيز. لا يبخل مع احد وقدره ان يحول الصحراء إلى جنة خضراء. وقد احتضن موسى رضيعا ومنحه الحياة. وعندما ينحسر، يمنحك الفرصة السحرية ان تمشى على الماء وتتذكر السيد المسيح عليه السلام، الذى احتضنه كذلك طفلا مع أمه السيدة مريم العذراء عندما فرت الى مصر. فهو يتشكل من أجل ان يفهمك كل تاريخ الكون. وهو يفعل ذلك دون ان تتغير هويته. إنه صانع الأساطير ومالكها، ومفتاح لكل باب، وحل لكل عسير، وملجأ لكل مستجير، وواحة لكل حالم بالخير، وأصل لكل شيء جميل.


لمزيد من مقالات د. أحمد عاطف دره

رابط دائم: