رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الزعامات السياسية.. مؤشرات التغير

الطبقات السياسية لا تنشأ من فراغ، ولا تظهر الزعامات السياسية فجأة، ومن ثم لا تخضع للصدف وطوارئ الأحداث، وإنما وراء كل منها ظروف تشكلها السياسى والاجتماعي، والقوى الاجتماعية التى تعبر عن مصالحها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. تتكون الزعامات والقادة السياسيين داخل كل مكونات هذه الطبقات من خلال الأشكال التنظيمية الحزبية فى النظم الديمقراطية التمثيلية، والعمل المنظم داخل الأحزاب، والتكوين السياسى وبناء القدرات والمهارات من خلال أنظمة التكوين والتأهيل داخل كل حزب، والعمل وسط القواعد التنظيمية، والقوى الاجتماعية التى تعبر عنها البرامج السياسية، ومن خلال المشاركة الفعالة فى الانتخابات المحلية فى عديد مستوياتها كمدخل للانتخابات العامة.المدارس الحزبية الداخلية فى بناء القدرات، تلعب أدوارًا مهمة فى نقل الرأسمال الخبراتى للحزب فى الحياة السياسية، من مستوى قاعدى لآخر، ومن جيل للأجيال اللاحقة، فى إطار تاريخ الحزب فى الحكم أو المعارضة. بعض هذه الأحزاب شهدت بعضا من سطوة بعض قادتها التاريخيين، ودورهم فى اختيار بعض القادة الشباب فى بعض التشكلات الوزارية على نحو ما شهد الحزب الاشتراكى فى عهد ميتران، ولعب بعضهم أدوارا سياسية مهمة إلى جانب بعض السياسيين الشيوخ. بناء القادة والقدرات والمهارات السياسية هى تعبير عن تزاوج الخبرات السياسية فى الميدان، والتكوين العلمى والمهنى والثقافي، لأن الحياة فى عالم المابعديات، لم يعد يقتصر فقط على المهارات العملية، وإنما يحتاج إلى التكوين المعرفي، والعقل السياسى الخلاق، والقدرة على استبصار متغيرات الواقع الكونى ومشكلاته، والتطورات التقنية المذهلة، ، وهى أمور ومتغيرات يبدو أن بعض القادة فى العالم الأكثر تقدما، ليسوا على ذات المستوى من المواكبة والتكيف السياسي، على نحو ما يظهر فى فرنسا، وسوء إدارة أزمة كورونا من ماكرون وفريقه الوزاري، والحزبي، وكذلك الأمور فى بريطانيا، وأداء بوريس جونسون المضطرب، وإدارة ترامب والحمق السياسى فى خطابه وإدارته الاستعراضية الفاشلة فى مواجهة الفيروس، وكذلك تعامله مع اضطرابات مقتل جورج فلويد! سنجد أمثلة عديدة على مشكلة تراجع القدرات السياسية لهذا النمط من القادة السياسيين فى العقد الثانى من الألفية الحالية. بعض أسباب هذا التراجع تعود إلى صعود بعض التكنوقراط، ورجال المال والأعمال إلى قيادة الأحزاب السياسية، من حراس الرأسمالية الوحشية، وديانة السوق النيوليبرالية وخضوعهم لمطالبة وضغوط المؤسسات والشركات الكبري.وتداخلهم معها . الأهم تغافل هؤلاء للأبعاد الاجتماعية السلبية لديانة السوق على بعض شرائح الطبقة الوسطي، والعمال وغيرهم، ناهيك عن الإقصاءات الاجتماعية والتهميش لشرائح اجتماعية، وتزايد معدلات البطالة، واحتمالات تزايدها مع عالم الروبوتات، ونهاية العمل وفق المفهوم الذى ساد طويلا مع الثورات الصناعية من الأولي إلى الثالثة، وتأتى الرابعة حاملة فى أعطافها تغيرات كبري، تتطلب نمطا قياديا مختلفا إداريا وبيروقراطيا، والأهم سياسيًا، فى ظل أثر الرقمنة والثورة الصناعية على مفهوم السياسة والسياسي، وعلى النظم الديمقراطية التمثيلية، وآليات الممارسة السياسية، وأساليب المشاركة السياسية، وعلى الأحزاب السياسية الكبرى التى تراجع بعضها فى المجال العام السياسي، على نحو ما شهدنا فى فرنسا فى أعقاب وصول ماكرون إلى السلطة.

حالة من السيولة والتغيرات السريعة، لم تعد معها عديد من النظريات والمفاهيم والأنظمة المعرفية، والآلات الاصطلاحية فى الفلسفة والعلوم الاجتماعية قادرة على وصف بعض الظواهر بكفاءة وإبداع، ومن ثم تفكيكها وتحليلها وبلورة مفاهيم ولغة جديدة مغايرة، خاصة بعد جائحة كورونا، حيث لم يجد بعض كبار الفلاسفة وعلماء الاجتماع سوى نظرياتهم ومصطلحاتهم السابقة فى وصف وتحليل أثرها على الإنسان، والمجتمع، على الرغم من أنها تؤشر إلى تمدد الحالة المابعدية فى الحياة السائلة وفق بومان ــ، ويبدو انكشاف أنماط القيادات السياسية، وفشلهم فى إدارة أزمة كورونا، سيؤدى إلى تغييرات سياسية. وتبدو ردات الفعل الأولية فى الجولة الثانية لانتخابات البلديات الفرنسية التى تمت الأحد الماضي، تمثلت فى عديد السلوكيات للجماعة الناخبة أولها:الامتناع عن المشاركة هو الأعلى منذ الانتخابات التشريعية منذ عام 1958. الامتناع عن التصويت يعد الأعلى عن كل الانتخابات الأوروبية عام 1969. ثانيها:التوجه للتصويت لمرشحى حزب البيئة (الخضر)، الذى حقق تقدما كبيرا فى عديد المدن الفرنسية الكبرى مثل ليون وسط ــ وستراسبورج ــ شمال شرق ــ وبوردو ــ جنوب غرب ــ وبواتييه (وسط غرب). ان ظاهرة الامتناع عن التصويت تشير إلى فجوة بين المواطنين وبين الطبقة السياسية وقادتها، والمؤسسات السياسية، وعدم الرضا العام، ومن ثم يتطلب إحداث تغييرات فى المؤسسات والسياسات البيئية والاجتماعية، وتشير إلى أن القادة السياسيين الحاليين ليسوا قادرين على إحداث التغييرات المطلوبة. ان إخفاق حزب الجمهورية إلى الأمام الذى يقوده ماكرون، هو تعبير عن فشله السياسى فى مواجهة ظاهرة السترات الصفراء، ثم أزمة كورونا، وانصياعه إلى الأيديولوجيا النيوليبرالية، وفقدان الخيال السياسى والرؤية. فى الولايات المتحدة، تبدو الأزمة ممثلة فى الشعبوية فى خطابات ترامب وتغريداته الاستعراضية وبعضها يتسم بالحمق والبلاهة السياسية ! إن انتشار التظاهرات فى بريطانيا وفرنسا وغيرها من البلدان ضد العنصرية، وسلوكيات الشرطة التى تمس قيم وقواعد المساواة بين المواطنين، تعد مؤشرا على مخاضات اجتماعية وجيلية وثقافية ترهص على فشل نمط من الزعامات السياسية والمؤسسات والسياسات فى عالم المابعديات السائلة .


لمزيد من مقالات ◀ نبيل عبد الفتاح

رابط دائم: