رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

هل ستتفكك أمريكا؟

الرجل العجوز:كما تري، إيطاليا بلد فقير وضعيف وهو الأمر الذي يجعلنا أقوياء جدا. أقوياء لدرجة أننا سننجو من هذه الحرب ونظل باقين علي وجه الدنيا بعد ما يتحطم بلدكم. كابتن ناتلي:ماذا تقول يارجل؟. أمريكا لن تتحطم.

الرجل العجوز: تحطمت من قبل روما واليونان وفارس كما تحطمت إسبانيا. جميع الدول العظمي تتحطم. فلماذا تكون أمريكا استثناء؟.

هذا الحوار جري بين عجوز إيطالي يدير ماخوراً يرتاده الجنود الأمريكيون في إيطاليا إبان الحرب العالمية الثانية وبين ضابط أمريكي يدعي ناتلي. الحوارمأخوذ من رواية كاتش-22، تأليف الكاتب الأمريكي جوزيف هيللر، والتي نشرت عام 1961، والتي استغرقت كتابتها ثمانية أعوام من عمره، وهي رواية من كلاسيكيات القرن العشرين ساخرة ومناهضة للحروب، يحاول فيها طيار أمريكي جاهدا تفادي الخدمة وعدم الطيران بمحاولة إثبات جنونه فى أثناء خدمته مع وحدته في إيطاليا في الحرب العالمية الثانية.

ما يشهده العالم الآن يكاد يكون شبيها بتفكك الاتحاد السوفيتي بين عشية وضحاها في السادس والعشرين من ديسمبر 1991. السؤال المطروح: هل ستتفكك الولايات المتحدة كذلك تحت وطأة الأزمات التي تعصف بالعالم بصفة عامة وبها بصفة خاصة نتيجة طبيعة تركيبتها السكانية المتكونة من خليط من أجناس تكاد تضم الدنيا كلها. وهل ستتحقق نبوءة الرجل العجوز الذي يدير الماخور في رواية جوزيف هيللر؟. كل الشواهد تؤيد ذلك وتدل عليه. نحن نشاهد تاريخا يكتب وإعادة تنظيم للعالم تحت وطأة كارثتين تحلان به: كورونا وما تسببه من كساد وانهيارات اقتصادية غير مسبوقة لا تتحملها اقتصاديات الدول العظمي والدول الفقيرة علي حد السواء، والأخري هي العنصرية الكريهة. المصيبة مضاعفة بالنسبة للولايات المتحدة التي تشهد في نفس الوقت كارثة أخري وهي ثورة الأمريكان من أصول افريقية بسبب مقتل واحد منهم بتاريخ 25 مايو 2020، بقسوة وبعنصرية بغيضة وهو الأمر الذي يحدث ثورة تزداد اندلاعا يوما بعد يوم وتجد تعاطفا عالميا وتكاد تفوق كورونا في آثارها نتيجة تخبط إدارة الرئيس ترامب والذي خرج في أول يونيو وألقي خطابا ناريا مهددا المتظاهرين بأن بينهم مندسين وإرهابيين يقومون بنهب المتاجر والمصالح العامة والخاصة ويسببون دمارا وخسائر فادحة للاقتصاد الأمريكي، قال فيه أيضا إنه سيستدعي الجيش الأمريكي لقمع تلك المظاهرات ووصفها بأنها تمثل إرهابا داخليا علي أمريكا. وأعقب ذلك بلقطات تليفزيونية عقب زيارته كنيسة ملاصقة للبيت الأبيض وخرج الرئيس ترامب والذين معه بعدها من الكنيسة، حاملا نسخة من الإنجيل ظل يحمله في أوضاع مختلفة بقصد التصوير وبعث رسالة واضحة الدلالة منه الي اليمين الأمريكي الذي يمثل قاعدته الانتخابية. جاء هذا التصرف مخالفا لما كان يرجوه الرئيس وازدادت المظاهرات اشتعالا ولم تقل وعمت المدن الكبيرة والصغيرة وكثيرا من دول العالم التي أظهرت تعاطفها وتفاعلها مع قضايا العنصرية الأمريكية والعالمية ووصفت عملية القمع تلك بأنها اعتداء واضح علي الدستور الأمريكي الذي يضمن في إضافته الأولي حرية التعبير وحرية التظاهر، وأنه ليس من حق الرئيس الأمريكي منع ذلك. استشاط الإعلام غضبا وزادت حدة النقد ولم تقلله تفسيرات وزير العدل بأنه حق للرئيس الأمريكي. كان أخطر مافي الأمر هو انبراء القادة العسكريين للهجوم الشديد علي ترامب.كان الجنرال جون ألان القائد السابق للقوات الأمريكية في أفغانستان والمدير الحالي لمعهد بروكينج هو الأشد وطأة في نقده لخطاب ترامب وتهديده باستخدام الجيش الأمريكي في قمع المتظاهرين. كتب في مجلة الفورن بوليسي بتاريخ الثالث من يونيو مقالا بعنوان لحظة عار وخزي وأمل، قال فيها: نحن نشهد بداية النهاية للديموقراطية الأمريكية، غير أنه مازالت لدينا فرصة لإيقاف ذلك الانزلاق والتهاوي. وأضاف أن خطاب الرئيس ترامب في أول يونيو وذهابه للكنيسة وطريقة إخلاء المتظاهرين عنوة لتمكينه من أخذ صورته وهو يحمل الإنجيل تمثل بداية نهاية الولايات المتحدة وبداية تهاويها وأنه يتعين علي الجميع تذكر ذلك اليوم. وأن الرئيس لم يذكر في خطابه أي كلمة إستنكار وتعاطف عن موت جورج فلويد وتعزية أسرته إضافة الي تركيزه علي اعتبار المتظاهرين مجرمين وأن الأزمة التي تسببت في اندلاع المظاهرات ليست سوي قضية تخص السود، وأن ما فعله الرئيس وهو ممسك بالإنجيل ليس إلا محاولة منه لإظهار وتبرير أن كل ما يفعله في مواجهة الأزمة مصدره عقيدته الدينية، رغم أن الجميع يعلم أن ترامب ليس متدينا وأنه لا يهتم بأمور الدين إلا عندما يتعلق الأمر بخدمة مصالحه وأغراضه السياسية. وأضاف في مقابلة له عقبها مع شبكة سي.إن.إن أنه شاهد تلك الأحداث وهي تنفرط أمامه وكأنها أمر مرعب، وأن تلك الأمور قد تحدث في دول العالم الثالث وليس في أمريكا. لم يكن جون ألان هو الوحيد الذي يبدو وكأنه نذير شؤم، فقد تبعه كثيرون من جنرالات الجيش الأمريكي العاملين والمعتزلين والذين يحظون بإحترام كل طوائف الشعب الأمريكي ومنهم رئيس الأركان الحالي الذي اعتذر عن وجوده في الصورة والجنرال جيمس ماتيس وزير الدفاع السابق والذي إتهم ترامب بالكذب الدائم وأنه يحاول إثارة الفرقة بين الأمريكيين. وأضاف أن أمريكا لا تستخدم جيشها في قمع المظاهرات التي تعمها، لأن في ذلك حيودا عن الحقوق التي يكفلها الدستور الأمريكي للشعب. انضم الي قائمة المعارضين لذلك الخطاب الجنرال جون كيللي الذي كان يشغل منصب كبير موظفي البيت الأبيض. اتفق كيللي مع كل ما قاله جيمس ماتيس وأضاف منوها الي أنه يتعين علي الشعب الأمريكي أخذ الحذر في الانتخابات القادمة في إشارة تدعو الناخبين الأمريكيين الي عدم إعادة انتخاب ترامب. إضافة الي كل وسائل الإعلام والأكاديميين والمفكرين. فجأة أصبح الأمر شبيها بعشية تفكك الاتحاد السوفيتي.

فجأة تبدو مقولة إن القرن الحادي والعشرين سيكون قرنا أمريكيا بعيدة المنال، وأن الأزمات الداخلية التي تمثل تفكيكا من الداخل للآلة الأمريكية العملاقة تمثل نقطة بداية الاضمحلال مثلما أنذر الجنرال جون آلان.


لمزيد من مقالات ◀ د. مصطفى جودة

رابط دائم: