رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الثلاثون من يونيو بعد سبع سنوات

ماذا لو أن ثورة الثلاثين من يونيو لم تحدث؟ ما هو الحال الذي كان يمكن لمصر أن تكون عليه الآن لو أن الثورة لم تنتصر؟يصيبني الفزع كلما خطر بذهني هذا الكابوس. بين يناير 2011 ويونيو 2013، كانت مصر تسقط سريعا في قبضة جماعة الإخوان وحلفائها السلفيين والجهاديين؛ ولو اكتملت عناصر هذا السقوط لكانت هذه أكبر انتكاسة لمشروع النهضة الوطنية المصرية.

بدأت نهضة مصر الحديثة قبل قرنين، ومرت منذ الحين بموجات صعود وهبوط، لكن كانت هناك دائما القدرة علي إصلاح الخلل، ومعاودة التقدم إلي الأمام، طالما بقيت معادلة النهضة الوطنية سليمة غير فاسدة. معادلة النهضة المصرية هي الوسطية والتوازن الدقيق بين تاريخ الأمة وثقافتها الموروثة من ناحية؛ ومستجدات الحداثة من ناحية أخري. التفاعل والتوازن الدقيق بين الموروث والوافد هو أساس الهوية الوطنية المصرية، ويمثل الإخلال بهذا التوازن تقويضا لهويتنا، وانتزاعا للوطن والشعب من علي مسار نهضته، لإلقائه في غياهب مغامرات سياسية وضلالات فكرية.

ترفض العقيدة الإخوانية التوازن بين الاستمرارية والتغيير الذي قامت عليها النهضة المصرية. يري الإخوان أن كل ما حدث في مصر منذ بدأت نهضتها الحديثة لا يزيد علي كونه انحرافا عن عقيدة الإسلام، وأن المائتي عام الأخيرة من تاريخ الأمة المصرية ليست إلا فسادا يجب التبرؤ منه والرجوع عنه. فبينما نعتز بالتعليم الحديث الذي خلق الطبقة المثقفة، وبالجيش الوطني الذي حول الفلاحين إلي جنود، بعد قرون طويلة من التهميش والاستتباع، ونعتز بالعقول التي أضاءت لنا طريق النهضة، من الشيوخ حسن العطار ورفاعة الطهطاوي ومحمد عبده، إلي المثقفين الحداثيين من أمثال أحمد لطفي السيد وفتحي زغلول وطه حسين وعباس العقاد ومحمد حسين هيكل ونجيب محفوظ. بينما نعتز نحن بكل هذه المؤسسات والرموز، فإن العقل الإخواني يعتبرها مجرد فساد وجاهلية يجب تدميرها. ترسيخ مفهوم الوطن والوطنية هو أهم إنجازات الحداثة المصرية، وهذا بالضبط ما يرفضه العقل الإخواني ويقاومه. ليس للإخواني وطن، وعندما قال أحد زعمائهم يوما إنه طظ في مصر، فإنه لم يكن يمزح، ولم تكن هذه زلة لسان لا يصح التوقف عندها. احتقار الوطن هو تقليد إخواني مستقر، ألم يقل سيد قطب إن الوطن ليس إلا حفنة تراب عفن؟ هل كتب إخواني قصيدة في حب مصر؟ هل كتب أحدهم قصيدة تشبه ما كتبه حافظ إبراهيم أو شوقي أو صلاح جاهين أو سيد حجاب أو الأبنودي عن مصر؟. التوازن المؤسس للهوية الوطنية المصرية هو علاقة جدلية بين القديم والجديد، الموروث والوافد، الديني والمدني. في هذه العلاقة الجدلية لا توجد إجابة نهائية، ولكن يوجد توتر وتوازن متحرك، تبعا لمتغيرات المجتمع والعالم. أما الإخوان فخطتهم تقوم علي فرض صيغة واحدة ونهائية لهذا التوتر الجدلي، وحرمان المجتمع من مواصلة تطوير صيغة وجوده وهويته، بالشكل الذي يناسبه, ولأنه يستحيل وقف مسيرة تطور المجتمع بغير إخضاعه للاستبداد، فإن الدكتاتورية هي ديدن حكم الإخوان في أي بلد وقع تحت سطوتهم، فهم كلما دخلوا قرية أفسدوها.

المظلومية والتباكي علي الديمقراطية هي حيلة الإخوان المفضلة. لكن هل أسس الإخوان نظاما ديمقراطيا في أي بلد؟ هل نجح حكم الإخوان وأشباههم في أي مكان؟ هل أنجزوا شيئا يذكر في السودان؟ تسلم الإخوان حكم السودان وهو دولة واحدة، وانتهي به الحال مقسما إلي دولتين. لوصول الإخوان إلي حكم السودان دلالات شديدة الأهمية. كان في السودان نظام ديمقراطي وبرلمان منتخب، احتل فيه الإخوان مكانة ثالث أكبر الأحزاب. لم يرض الإخوان بهذه المكانة فقرروا في عام 1989 الانقلاب علي الديمقراطية. انقلب الجيش علي الحكومة المنتخبة، وحكم الإخوان السودان لثلاثين عاما، حتي أزاحتهم ثورة الشعب في العام الماضي.

هل حافظ الإخوان علي الديمقراطية التي أوصلتهم إلي الحكم في بلد مثل تركيا؟ كان العالم كله يتطلع إلي النموذج التركي بعد ان وصل الحزب الإخواني إلي السلطة في نظام ديمقراطي علماني، آملين في أن يقدم الأتراك نموذجا للتوفيق والتوازن بين الحزب الإخواني والديمقراطية. لقد انهار كل هذا الآن، بعد أن فضل حزب الإخوان التركي بزعامة أردوغان تحويل الحكم إلي سلطة استبداد، يوظفها لتحقيق طموحات إمبراطورية، ولمواصلة البقاء في الحكم، حتي أصبحت تركيا واحدة من أسوأ مقابر الحريات في العالم. هل نذكر اغتيال الدكتور فرج فودة علي يد شبان متطرفين من أعضاء الجماعة الإسلامية؟ هل نذكر شهادة الشيخ محمد الغزالي، في المحكمة لمصلحة القتلة؟ صدع الإخوان رءوسنا بالحديث عن الشيخ الغزالي كنموذج للاعتدال، لنجد الغزالي أمام المحكمة يقول إن فرج فودة يستحق القتل، وإن اغتياله ليس هو الخطأ الذي ارتكبه القتلة، ولكنهم أخطأوا فقط عندما فعلوا ذلك دون تفويض من الدولة، وكأنه يبشرنا بقيام الدولة بقتل المثقفين في حكم الإخوان، إعفاء للجهاديين من مشقة القتل خارج القانون؛ فياله من فارق هائل بين المعتدلين والمتشددين في هذا التيار.

استمرار حكم الإخوان كان يعني أن مصر ستخسر مرتين، مرة عندما تخسر هويتها الوطنية وميراث الحداثة المميز لها؛ ومرة ثانية عندما تخسر الديمقراطية التي لم يكن الإخوان ليبقوا عليها ليوم واحد إضافي بعد استنفاد أغراضهم منها، ولنا في إعلان محمد مرسي الدستوري نموذج لما كان ينتظرنا في الأيام والأسابيع التالية، لولا الثلاثين من يونيو. قطعت مصر منذ الثلاثين من يونيو خطوات واسعة علي طريقة التنمية الاقتصادية والإصلاح الإداري، وهزمت الإرهاب في سيناء وعلي حدودنا الغربية، وأصبحت لاعبا مؤثرا في صراع القوي الدائر في الشرق الأوسط، وها هي تشرع في تطوير نظامها السياسي بغرض توسيع نطاق حرية التعبير والمشاركة. الطريق مازال طويلا، ولكن المؤكد هو أننا علي الطريق السليم الذي رسمته ثورة الثلاثين من يونيو، ولو عاد الزمن مرة أخري لانضممت ثانية للجموع التي خرجت إلي الشارع في ذلك اليوم.


لمزيد من مقالات ◀ د. جمال عبدالجواد

رابط دائم: