حكومتنا ليست فى وضع جيد يسمح لها بالاستجابة للتحديات والفرص، التى أتاحها التقدم التكنولوجى المذهل وابتكارات الذكاء الاصطناعى والروبوتات. الأزمة، فى جوهرها، شعور عميق لدى المواطنين بأن النظام السياسى خذلهم، وأن حديث السياسيين عن أننا الأفضل، وأن مصالح الناس فى القلب، لم يعد يصدقه أحد. هكذا وصف مايكل جوف وزير شئون الحكومة البريطانية قضية الإصلاح الحكومى.
هذه المشكلة، تنطبق عليها مقولة المفكر الإيطالى الاشتراكى أنطونيو جرامشى( 1891 1937): هناك عالم قديم يموت، وآخر جديد لم يولد بعد. فالحكومة وموظفوها دخلوا العصر الجديد، لكنهم لم يتأقلموا معه بعد، ومازال الموروث البيروقراطى التقليدى يؤثرعليهم، ويعوق قدراتهم على خدمة المواطنين. تفكير المجموعة أو الشلة، مازال مسيطرا، والنظرية التى تجعل العبقرية والموهبة متركزة بالعاصمة فقط بل فى جزء صغير منها، سائدة. جوف أكد، فى محاضرة عن الإصلاح الحكومى، أن هناك حاجة ليس فقط فى أن تراعى القرارات شتى أنحاء البلاد، بل أن ينتمى من يتخذون القرارات لمناطق البلاد المختلفة، وللشرائح الاجتماعة المتعددة، إذا ليس منطقيا أن يقرر أبناء الطبقة الوسطى نيابة عن بقية المواطنين. أبناء الطبقات الأخرى يمكنهم أيضا إحداث الفارق.
ثم إن سيطرة خريجى كليات العلوم الاجتماعية والإنسانية وتدنى مشاركة أصحاب التخصصات العلمية يؤثر سلبيا على قدرات الحكومة. ويواصل جوف: الإدارات الحكومية تختار الموظفين الجدد على صورتها. إنها تريد أولئك الذين يتنفسون هواء لندن، ولا ترغب فيمن هم من خارجها.
لا ينكر أحد أن الفرص زادت خلال السنوات الأخيرة بسبب التقدم التكنولوجى المذهل، وتوسعت الفطيرة الاقتصادية، كما يقول الاقتصادى البريطانى آندى هالدين، لكن تم تقطيع شرائح هذه الفطيرة بصورة غير متساوية، فأكل أصحاب المهارات الرفيعة غالبيتها، بينما خسر من يعملون بوظائف تقليدية أعمالهم أو تدنت مستوياتهم.
الإصلاح الحكومى ليس فقط مجرد قرارات فنية وإجراءات أو حتى استراتيجيات سرعان ما يتم ركنها على الرف، ما إن يأتى مسئول جديد، بل هو فرض ورؤية يجب ألا تأخذ فى اعتبارها الناس فقط، بل أن تجعلهم يشاركون فى صياغتها وتنفيذها.
[email protected]لمزيد من مقالات عبدالله عبدالسلام رابط دائم: