انضم الإخوان لثورة 25 يناير على مضض وانقلبوا عليها أكثر من مرة، حاملين إرثًا وتاريخا طويلا من التهميش والإقصاء والانغلاق على الذات، وإذا أضفنا تلك الخلفية إلى ثقتهم المبالغة فى أنفسهم واعتمادهم بشكل أساسى على قدرتهم التنظيمية على الحشد، مغترين بقوة شبكتهم الاجتماعية والاقتصادية والدينية ، وسعيهم للهيمنة على السلطة والانفراد بها، فإنه ليس من المستغرب أن يتورطوا فى مسار تبادلى من الإقصاء مع القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة الأخرى مما انتهى إلى سقوطهم.
يعود بنا الباحث فى دراسات الشرق الأوسط، هـ.ا.هيلير، إلى أيام ثورة 25 يناير الأولى وصولا إلى 30 يونيو، فى كتابه «ثورة لم تتم: طريق مصر وراء الثورة»، الصادر عن دار هيرست، مقدما رواية تاريخية تحليلية لكيفية تراجع الثورة المصرية وكيف كانت لحظة 30 يونيو حتمية. يبدأ من الثمانية عشر يوما لثورة يناير بميدان التحرير وكيف أسر المصريون خيال العالم، حتى سقوط مبارك الذى حمل معه أملا بوجود نظام ديمقراطى جديد يتصدره شباب ثورى طموح إلا أن هذا كله تحطم على صخرة الواقع المؤلم بسبب الثورة المضادة ومحاولات الإخوان للانقضاض على الثورة والسلطة.
بالإضافة إلى عناد الإخوان؛ يلقى المؤلف باللوم على شباب الثورة الذين فشلوا فى الحفاظ على وحدتهم وتوفير بديل سياسى للإخوان يحظى بقبول شعبى، معتبرا أن شباب الثورة بددوا مكاسبهم من خلال فشلهم فى التوافق على مرشح مدنى يتحدى مرشح الإخوان بالجولة الأولى بأول انتخابات رئاسية حرة بالبلاد، بدلا من اضطرار الكثير منهم لدعم مرشح الإخوان بالجولة الثانية. ويضيف «علاوة على ذلك ، لم يفشلوا فقط فى بناء برامج سياسية مطورة، ولكنهم فشلوا أيضا فى التعامل مع المواطنين المصريين. كانوا غير قادرين على التواصل بكفاءة مع أولئك الذين سعوا إلى التأثير عليهم، على عكس الإخوان التى نجحت بذلك بفضل شبكتها الاجتماعية وقوتها التنظيمية».
يعتبر هيلر أن خطأ مرسى وجماعة الإخوان المسلمين هو افتراضهم أن الفوز بالرئاسة يعنى أنهم ورثوا عباءة الثورة بدعم كامل من الشعب المصرى. بينما كان الكثيرون بمصر قلقين بشدة من الإخوان ، ويجادل بأنه إذا كان مرسى ثوريا حقيقيا ، لكان ضم العديد من الأصوات المختلفة بحكومة توافق وطنى. ولكنه بدلا من ذلك حاول اغتنام الفرصة لتعزيز هيمنة الإخوان ، من محاولته الفاشلة الأولية لاستبدال النائب العام إلى الإعلان الدستورى الذى عزز سلطته بشكل ديكتاتورى ، فشل مرسى فى رؤية المد الشعبى الذى يسير بقوة ضده وضد جماعته مما أدى إلى نزول الشعب ضدهم فى 30 يونيو.
ويأتى كتاب «ثورة يناير..رؤية نقدية» الذى حرره عمرو عبد الرحمن، وصدر عن دار المرايا، ليحلل فى دراسة بعنوان «لا ثورية ولا إصلاحية.. الأيديولوجية الإخوانية فى اختبار الثورة» أعدها الباحث محمود هدهود، موقع الجماعة بالثورة وخياراتها التى اتخذتها وأدت بها إلى نهايات كارثية. يوضح هدهود كيف نظرت الإخوان لنفسها »كجماعة موازية« للدولة سعت لخلق دولتها الخاصة الموالية لتستبدل بها مكونات الدولة الحقيقية، التى فشلت فى التواصل والاتفاق معها، عبر سعيها لأخونة مؤسسات الدولة للسيطرة على مفاصلها. وربما يرجع ذلك للعقيدة التى تأسست عليها الإخوان كجماعة دينية ترفع التصورات والقناعات الدينية محل الدستور والقانون لذا لم تتقبل أو تتكيف مع فكرة العمل فى إطار دولة لها مؤسساتها الوطنية وقوانينها ونظامها الخاص بعيدا عن قوانين الجماعة، مضيفا »ظلت جماعة الإخوان عاجزة عن تحقيق تسوية تاريخية مع الدولة المصرية تقع بموجبها تحت مظلة مشروعها الوطنى وشرعيتها، وعاجزة فى الوقت نفسه عن الدخول فى مواجهة مفتوحة مع الدولة بغية إسقاطها وبناء دولة الجماعة محلها وفق مشروع ورؤية مختلفين للأمة المصرية«.
كان عدم تقبل الجماعة للاختلاف حتى داخلها جزءا من أزمتها المستمرة بسبب سيطرة التيار القطبى عليها، تلك المشكلة ظهرت أيضا عندما أصبحت الجماعة تعمل بالعلن كقوى شرعية تحوز السلطة، لم تقبل أيضا انتقادات معارضيها بما فى ذلك الانتقادات القادمة من حلفائها أو قاعدتها التنظيمية حتى بلغ الصدام ذروته مع صدور الإعلان الدستورى الذى أصدره مرسى. يضيف هدهود «قرر الإخوان أن يلعبوا وحيدين ضد جهاز الدولة دون استعانة بالقوى الوطنية والثورية التى تشككوا فيها باستمرار، ولم يفوا بالتزاماتهم معها، لذا كان من الطبيعى أن يخسروا فى معركة غير متكافئة مع جهاز الدولة الذى كان أكثر قدرة على استثمار السخط الشعبى على الإخوان«. ومع عجزها عن تأسيس علاقات ناجحة مع أجهزة الدولة القديمة والنخبة الاقتصادية والفاعلين السياسيين الآخرين؛ أصبحت الجماعة »طرفا مستقلا خارج المجتمع يحمل أفكارا مجردة بلا مضامين اجتماعية« .وكرست كل جهودها للتمكين والسيطرة من أجل تحقيق هدفها بإقامة الأمة الإسلامية الذى ظنت أنها ستحققه بسهولة بعد وصولها لحكم مصر.
ويرى إريك تراجر، الباحث بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فى كتابه «السقوط العربى: كيف فاز الإخوان المسلمون بمصر وخسروها فى 891 يوما»، الصادر عن جامعة جورج تاون، أن الجماعة «ليست حركة احتجاجية ولا حزبا سياسيا، على الرغم من أنها تصرفت فى بعض الأحيان مثل كليهما. بل منظمة هرمية صارمة تسعى لتغيير المجتمع المصرى، والدولة المصرية ، والعالم، فى نهاية المطاف».
يطرح تراجر تساؤلا كبيرا مقدما إجابة قاطعة: هل الإخوان وفروعها وجه الإسلام المعتدل ، قادرون على تقاسم السلطة بنظام ديمقراطى تعددى ، أم أن الجماعة كيان استبدادى لا يتسامح مع أى نقاش داخلى حول مهمته لصناعة الدولة الإسلامية بمصر والعالم؟ يعتقد تراجر أن الجماعة ذات وجه شمولى، وأن الاعتدال مجرد قناع تستخدمه. كما أن الثقافة التنظيمية الهرمية لجماعة الإخوان، والتى يتم فيها نفى المعارضين وينظر إلى النقاد على أنهم أعداء للإسلام ، أدت إلى نفور العديد من المصريين، داخل وخارج مؤسسات الدولة، من الجماعة. كما أن عزلة الإخوان منعت قادتها من إدراك مدى سرعة انزلاق البلاد من قبضتهم، تاركة الآلاف من أعضاء الجماعة البسطاء غير مستعدين تماما لما حدث بعد الإطاحة بمرسى.
يضيف تراجر «أحرق الإخوان ببطء الجسور مع الجهات السياسية الأخرى بمصر. ولم تكن لديهم رؤية سياسية حقيقية باستثناء ملء الحكومة ومؤسسات الدولة بأعضاء الجماعة أو المسئولين ذوى التفكير المماثل». ويرى أن تحرك الجيش ضد مرسى لم ينبع من تصميمه على حرمان الإخوان من موقعهم بالسلطة، ولكن لافتقارهم إلى الرؤية وعدم الكفاءة مما دفع الحشود الشعبية للتوجه إلى الشوارع للإطاحة بالإخوان، فاضطر الجيش للتدخل.
رابط دائم: