لا توجد دولة فى النظام العالمى تؤمن بمبدأ التسوية السلمية للنزاعات كما تؤمن به مصر.. على هذا الأساس دخلت مصر مفاوضات شاقة حول أزمة السد الإثيوبى دامت سنوات عدة، انتهت فى بعض محطاتها إلى صياغة وثيقة مهمة كان من الممكن أن تسهم فى تسوية تاريخية لهذه الأزمة، وتحويل مورد مائى مهم إلى مجال للتعاون الإقليمى والكسب المشترك، وذلك لولا رفض إثيوبيا التوقيع على الوثيقة فى اللحظة الأخيرة، رغم أن صياغتها تمت بمعرفة طرفين دوليين مهمين. الموقف الإثيوبى المتعنت، والإستراتيجية التى اتبعها المفاوض الإثيوبى ركزت على تضييع الوقت، ومحاولة مستمرة لجر الأطراف للعودة دائما إلى المربع الأول. كما كان هذا الموقف أسيرا للحسابات الداخلية الإثيوبية الضيقة، وهو ما أدى فى النهاية إلى إضاعة فرص الوصول إلى الاتفاق المنشود. الاتهامات الإثيوبية الموجهة إلى مصر لا محل لها من الإعراب، لا أساس للحديث الإثيوبى عن هيمنة مصرية على النهر، ولا أساس للادعاء بأن مصر ترفض نهضة إثيوبيا وبدء تجربتها التنموية، بدليل عدم رفض مصر بناء إثيوبيا السد، مادام تم ذلك على قواعد الكسب المشترك، وعدم الإضرار المتبادل، واحترام القواعد والاتفاقيات والأعراف الدولية المستقرة فى هذا الشأن.
إزاء هذا الموقف الإثيوبي، وإزاء الأهمية الإستراتيجية لقضية المياه بالنسبة لمصر، واستنادا إلى الأسانيد القانونية والدولية التى تدعم الموقف المصري، اتجهت الدولة المصرية إلى رفع القضية إلى مجلس الأمن، لوضع المجتمع الدولى إزاء مسئولياته. قضية السد ليست قضية ثلاثية تخص أطراف التفاوض فحسب، لكنها قضية لا تخلو أيضا من أبعاد دولية مهمة، ليس فقط بالنظر إلى تأثيرها على السلم والأمن فى منطقة حوض النيل، لكن هناك مصلحة دولية أساسية فى ضمان استقرار القواعد القانونية والأعراف الدولية المنظمة لاستخدام الموارد المائية الدولية. نجاح إثيوبيا فى هدم هذه القواعد من شأنه خلق حالة من الفوضى العالمية وإغراء دول أخرى بانتهاج المنهج الإثيوبى ذاته فى التعامل مع الموارد المائية الدولية، وهو ما يضع مسئولية كبيرة على مجلس الأمن لحماية القواعد القانونية الدولية والانتصار لمبدأ احترام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
لمزيد من مقالات رأى الأهرام رابط دائم: