الجمال قيمة مرتبطة بالغريزة والعاطفة والشعور الإيجابى فهذه الطبيعة من صنع الله الذى أتقن كل شىء فهى بجمالها فى كل مكوناتها المادية وقيمها المعنوية من صنع الله فإذا امتدت إليها يد البشر لا بد أن تحافظ عليها فإذا أصبحت غير ذلك فى جمالها فهو من يد البشر التى عبثت بالطبيعة فهرب منها الجمال وعبثت بالقيم فتقطعت بين البشر الأوصال.
ونحن نجد فى واقعنا المادى تشوهات فى المنظر العام للمبانى من حيث الشكل واللون وخروجها خارج خط التنظيم بطريقة تفتقد للجمال ولا تبعث على البهجة والسرور والمبانى فى كل الدول هى مرآة حقيقية لسلوك الشعوب وانضباطها الإدارى فى كل مناحى الحياة لأنها منتج نهائى لعدة تصورات وإجراءات.
فإذا كان ثمة انضباط فسوف تنتظم حركة الإسكان والشكل العام للمدن والقرى ويلتزم الجميع بالارتفاعات وبشكل البناء وألوانه وعدم الخروج خارج خط التنظيم وكذلك الالتزام بالنظافة العامة للمدن والقرى وجميع المنشآت فيها حتى تكون مقصدا للزائرين والسياح من كل مكان.
والانضباط يعد أساسا للنجاح فالأمم المنضبطة والملتزمة هى التى تأخذ بأسباب النجاح وتتقدم الصفوف وتأخذ موقعها الصحيح بين الأمم فلا يمكن لأمة أن تكون خارج الإطار المنضبط وتأخذ بأسباب النجاح والتقدم إذ إنه فى حالة عدم الانضباط يتسرب الجهد فى مناحِ شتى ولا يصل إلى مبتغاه وبالتالى لا تحقق الأمم اهدافها .
والفوضى يعشقها كل ذى هوى فى نفسه حيث يستطيع أن يحقق مآربه دون مراقبة، وهكذا من يريدها فوضى لا يريد قواعد حاكمة حتى لا يلتزم بها وحتى يحقق ما يريد دون مراقبة وهذا منطلق الفساد فالفساد قرين السائبة والفوضى ويترعرع فى ظل الأهواء الشخصية أما الانضباط فهو ضد الفساد قولاً واحدا لأنه سوف يضع الكل تحت القواعد الحاكمة وينزع الهوى الشخصى.
وفى وقتنا الحاضر وفى ظل الأعباء الأمنية المصاحبة للجائحة الكورونية ظن البعض خطأ أن الدولة يمكن ان تعجز عن بسط سيطرتها على ربوع البلاد فبدأت تطل علينا برأسها الخبيث مخالفات البناء على الأراضى الزراعية وعلى ممتلكات الدولة التى هى ممتلكات الشعب فى صورة عشوائية تفتقد لكل عناصر الجمال ولا تبعث على البهجة والسرور.
ولقد بدأت الدولة ممثلة فى أجهزتها المعنية فى التحرك لإزالة تلك المخالفات فتحركت أدوات الهدم وكم كنا نتمنى ألا نرى تلك الأدوات بل نرى التحكم فى الأمر من بدايته ولا نرى بنياناً مخالفاً يخرج إلى النور فإن هذا البنيان إن هدم فهو خسارة لصاحبه وإن ترك فهو خسارة للدولة بكاملها وهما أمران كلاهما مر.
ولقد أحسنت الدولة صنعا بقرارها وقف إصدار تصاريح البناء لمدة معينة فى بعض المحافظات ولكن الواقع أن هذا الأمر يعالج الحالات الملتزمة بالتصاريح أما المخالفون فهم خارج إطار النظام ويقومون بالبناء دون تصاريح سواء فى الأرض الزراعية أو فى أملاك الدولة دون التزام بأى شكل من أشكال البناء الذى يتوافق مع الشكل العام للمدن أو القرى.
ولهذا أقترح أن يعالج الأمر من المنبع لذا يمكن النظر فى إمكان سن تشريع يمنع تداول مواد البناء خاصة حديد التسليح إلا بناءً على تصريح البناء وأن يكون هذا التصريح من جهتين معا الاولى وهى المحليات والثانية وهى وزارة الزراعة وذلك لحماية الأراضى الزراعية التى بدأت تتآكل من البناء عليها ولحماية أملاك الدولة التى هى املاك الشعب .
ولابد أن تكون هنالك خطط معلنة بالتصورات المستقبلية لمعالجة مشكلة الإسكان على مستوى الدولة وان تتولى الأجهزة المعنية شرحها عن طريق وسائل الإعلام كما يمكن النظر فى إعادة التقسيم الإدارى للمحافظات بحيث يكون لكل محافظة مساحة من الظهير الصحراوى تمتد فيه جغرافياً وتقيم مشروعات التنمية الزراعية والصناعية والأنشطة الأخرى الجديدة و تعالج مشكلة الإسكان وبذلك تكون هنالك حلول من الدولة تراعى فيها احتياجات المواطنين الملحة فى خط متواز مع الإجراءات الحاسمة لمواجهة المخالفات وفى هذا الشأن يمكن حماية الأراضى الزراعية من التآكل وحماية أملاك الدولة من الاعتداء عليها.
إن هذا البناء يمثل مرآة حقيقية للدولة فى سلوك شعبها وانضباطه لأنه منتج نهائى لعدة تصورات وإجراءات وما يتركه هذا البناء يمثل جزءا مهما من حضارة الأمة التى نراها على مر السنين. هذا هو البناء.
لمزيد من مقالات لواء. صلاح الشربينى رابط دائم: