أعادت أزمة تفشى وباء كورونا حول العالم، فتح ملف صناعة الدواء فى مصر، وهو ملف, على أهميته, تبدو الكتابة فيه أشبه بالسير فى حقل من الألغام، كونه يتعلق بالصناعة الثانية فى العالم، بعد تجارة السلاح والمخدرات.
وتقدر تقارير اقتصادية حجم تجارة الدواء حول العالم، بنحو تريليون و228 مليار دولار، فما الذى يمكن أن يفعله هذا الطبيب المصرى الشاب، الذى يقول إنه توصل لعلاج فعال لفيروس كورونا، سوى أن يبتلع لسانه، ويغلق قلبه على أحزانه، بعدما أعيته الحيلة، فى أن يفتح خطًا مع اللجنة العليا لإدارة أزمة الفيروس، على الأقل لمناقشة فرضيته العلمية، وبروتوكوله العلاجى المقترح، الذى يجزم بأنه يقضى على الفيروس داخل جسم المريض، فى خلال أيام معدودة؟
القصة مثيرة، وتدعو للتأمل والدهشة، وهى تتعلق بطبيب عمل باحثًا لسنوات فى جامعة فرجينيا، ثم جامعة لويزيانا، وحقق نجاحًا لافتا فى عشرات من الأبحاث على الخلايا السرطانية، قبل أن يتوصل مؤخرا لعلاج ناجح وفعال على عقار متداول، بجرعات معينة، يمكن أن يمثل علاجًا حاسمًا لـكوفيد- 19 الذى حيّر العالم، وقد حصل الطبيب بالفعل حسبما يقول, وقد تواصلت مع والده، وهو بالمناسبة طبيب شهير، وخبير بارز فى طب الأسرة, على براءة اختراع للفكرة التى تتلخص فى استخدام هذا العقار بتركيز معين، فى علاج الحالات المتوسطة والحرجة لمرضى كورونا.
ويقول والد الطبيب, وقد جمعتنا جلسة قبل أيام، للبحث عن طريقة لعرض الموضوع على جهات الاختصاص, إن اتصالات جرت بالفعل خلال الأسابيع الماضية، بين الطبيب، وأحد أعضاء اللجنة العلمية لمكافحة فيروس كورونا، بوساطة محافظ سابق، كان يشغل موقعًا قياديًا بجامعة قناة السويس، قبل أن يعود الأمر إلى النقطة صفر من جديد، وهو أمر متوقع، حسبما يقول الأب، عن تجربته العريضة فى مصر وعدد من الدول العربية، فاكتشاف دواء حاسم ومبكر لهذا الفيروس الخطير، من شأنه أن يقوِّض استثمارات مرعبة، وصراعًا رهيبًا بين شركات ديناصورية، وهى اعتبارات أهم بكثير من أى غطاء أخلاقى أو إنسانى، فى عالم البيزنس الدوائى، خصوصًا أنه سوف ينطلق من بلد يحتل المرتبة الثانية والثلاثين عالميًا، من حيث استهلاك وإنتاج وبيع الدواء بالعالم، ولا تزيد مبيعاته فى مجال الأدوية، على 75 مليار جنيه، وهو رقم ضئيل للغاية، إذا ما قورن بما تحصل عليه شركات الأدوية الكبرى من أرباح أسطورية.
ولعل القصة تفتح من جديد، ذلك الجرح النازف، لانهيار صناعة الدواء الوطنية، وكيف استحوذت شركات صناعة الدواء الخاصة على نحو 80% من جملة إنتاج مصر من الأدوية، بينما خطفت الشركات المتعددة الجنسيات الـ20% المتبقية من حجم تلك الصناعة، التى كان نصيب شركات القطاع العام منها، يزيد على 75% من حجم الإنتاج، حتى أواخر السبعينيات من القرن الماضى. ويتوقع كثير من خبراء تلك الصناعة الحيوية، أن تستحوذ الشركات المتعددة الجنسيات، على نحو 85% من حجم الأدوية المتداولة فى مصر، خلال السنوات العشر المقبلة، إذا ما استمرت سياسة تحجيم دور شركات قطاع الأعمال، التابعة للدولة فى تلك الصناعة، وما يثير الدهشة بحق فى هذا الملف، أن مصر لا تعدم حيلة فى ملف البحث العلمى، وما حكاية هذا الطبيب، الذى ينتظر الحد الأدنى من الاهتمام الرسمى بفكرته، إلا فصل وحيد، من قصة طويلة، لبلد يحتل, برغم ضيق ذات اليد، وقلة الإمكانات, المركز العاشر عالميًا فى أبحاث الدواء، المنشورة بكبريات المجلات العلمية، وهو الأمر الذى علق عليه ذات يوم، واحد من كبار رجال تلك الصناعة، عندما قال: «لدينا بحث علمى متقدم جدًا، وصناعة متأخرة جدًا».
لمزيد من مقالات أحمد أبوالمعاطى رابط دائم: