أخيرا، وبعد عام ونصف العام من أسوأ أزمة سياسية في تاريخ إسرائيل، تخللتها ثلاثة انتخابات تشريعية، وارتدادات غير متوقعة، تم إعلان تشكيل حكومة ائتلافية، لمدة ثلاثة أعوام، تضم حزبي الليكود بزعامة بنيامين نيتانياهو، وحزب أبيض-أزرق، المنضم حديثا للحياة السياسية الإسرائيلية، مقتبساً اسمه من لون العلم الإسرائيلي، يتزعمه بيني جانتس، البالغ من العمر 61 عاما، وله صيت في الأوساط العسكرية في إسرائيل، إذ شغل، سابقا، منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، ليصبح ثالث رئيس وزراء في تاريخ إسرائيل، يأتيها من المنصب، خلفا لكل من إسحاق رابين، وإيهود باراك.
ينحدر جانتس من أصول رومانية ومجرية،لأبوين، ناجين من المحرقة النازية، حصل علي شهادة في التاريخ، من جامعة تل أبيب، وشهادة في العلوم السياسية من جامعة حيفا، وأخري عن إدارة الموارد الوطنية من كلية الدفاع الأمريكية، كما تدرج في صفوف قوات المظلات، وشارك في معظم معارك الجيش الإسرائيلي. جاء هذا الاتفاق، بتشكيل الوزارة الجديدة، ليخرج إسرائيل من أزمتها السياسية، التي طالت لعام ونصف العام، متضمنا الاتفاق علي تشكيل الحكومة من 30 وزيرا، يحصل فيها حزب أبيض-أزرق علي 16 حقيبة وزارية، منها الدفاع، والقضاء، والإعلام، بينما يحصل حزب الليكود علي حقيبة وزارة الخارجية، لمدة عامين، ثم يحصل حزب الأزرق- أبيض علي الوزارة بعدها.
أما رئاسة الحكومة فسيستمر فيها نيتانياهو لمدة عام ونصف العام، ثم يتولاها جانتس من بعده،علما بأنه خلال ولاية نيتانياهو لرئاسة الحكومة، سيتولي جانتس مهام وزارة الدفاع،بالإضافة إلي منصب رئيس الحكومة البديل، ولايحق لنيتانياهو عزله، علي أن يتبادلا الألقاب، والمناصب، بعد التناوب.أما فيما يخص المجلس الوزاري المصغر، للشئون السياسية والأمنية، فستوزع مهامه وعضويته بالتناوب، كما تم الاتفاق بين الليكود، وحزب أبيض-أزرق، علي مبدأ فرض السيادة الإسرائيلية علي أجزاء من الضفة الغربية، وجميع المستوطنات، وعدم إجراء أي تعديل علي قانون القومية، الذي يُعّرف إسرائيل بأنها الوطن القومي، لليهود حول العالم.
بعد تشكيل الوزارة، تساءل جميع المحللين، عما ستصبح عليه أحوال دولة إسرائيل، في الفترة المقبلة، في ظل وجود حزبين يحكمان البلاد، وما لذلك من تأثير علي متخذ القرار الإسرائيلي.لقد أكدت معظم التحليلات، أن هذه الحكومة، الحالية، التي يطلق عليها حكومة طوارئ، ستكون أهم المشكلات العاجلة التي ستقابلها، هو التعامل مع أزمة كورونا، من الناحية الصحية والاقتصادية. أما علي المستوي السياسي، فمازال نيتانياهو متمسكاً بقراره، بضم أجزاء من الضفة الغربية، وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، وضم المستوطنات، باعتباره أهم مقومات برنامجه الانتخابي، في ظل تأييد ترامب لهذا القرار، حتي أن البعض يري أن تنفيذ ذلك القرار، مرتبط ببقاء ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، لفترة مقبلة، خاصة بعد رفض الاتحاد الأوروبي، أخيرا، قرار الضم.
يلي ذلك سياسة إسرائيل تجاه إيران،إذ تركز كل جهدها، حاليا،علي التخلص من الوجود الإيراني علي الأراضي السورية، مستقبلا، وهو ما يتضح من قيامها بتنفيذ ضربات،علي التجمعات العسكرية الإيرانية،علي الأراضي السورية، كذلك ضد عناصر حزب الله هناك، الموالي لإيران. وهنا تتطابق وجهات نظر حزب الليكود، وحزب أبيض-أزرق، في اعتبار إيران، حاليا، هي العدو الأول، والرئيسي، لها في المنطقة. ومن هنا تتم متابعة النشاط العسكري الإيراني، وخاصة النووي، بكل دقة، وهناك تعاون كامل مع الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الشأن، ولقد طلبت إسرائيل، عدة مرات، السماح لها بتوجيه ضربات جوية، وصاروخية، ضد المنشآت النووية، في إيران، منذ عهد الرئيس السابق أوباما، إلا أن أمريكا كانت، ومازالت، تمنع تدخل إسرائيل بأي عمليات عسكرية ضد إيران، وترفض مشاركة القوات الأمريكية فيها.
وفيما يخص القضية الفلسطينية، فإنها أهم بنود المزايدة بين الحزبين، في الشارع الإسرائيلي، وتحديدا فيما يخص ضم الأراضي الجديدة، والمستوطنات؛ حيث يعتمد نيتانياهو علي دعم ترامب، الشخصي، لهذا القرار، رغم أن أزمة كورونا أدت لتوقف إدارة ترامب عن طرح، واستكمال، صفقة القرن، التي وافقت عليها إسرائيل، ويراهن عليها نيتانياهو من خلال الناخب الإسرائيلي.أما بالنسبة لتركيا، فإن نيتانياهو يؤيد، بشدة، الوجود التركي في شمال سوريا، بهدف إضعاف سوريا، وتفتيت الكيان السوري، بإخراج الأكراد السوريين من التحالف مع نظام بشار الأسد،بهدف تقويض الدولة السورية، وإضعاف أعمدتها، تمهيداً لتقسيمها، علاوة علي طرد الوجود الإيراني، وحزب الله، منها.وفي تلك الأحيان، تراقب إسرائيل،عن قرب، تدخل حزب الله في مجريات الأحداث في لبنان، باعتباره يشكل قوة رئيسية في توجيه لبنان، وسياساته الخارجية.
وعلي المستوي الداخلي، فإن إسرائيل تعيش علي فكرة الخطر المحيط بها، باعتبارها وسيلة لتوحيد شعبها، رغم كل التناقضات، والاختلافات، بينهم، لذا سيعمل الطرفان, الليكود وأبيض-أزرق، علي استمرار تعميق هذا الشعور داخل المجتمع الإسرائيلي، في الفترة المقبلة، خاصة من ناحية التهديدات الإيرانية، ونواياها في التسليح النووي.أما السياسة الخارجية الإسرائيلية، بعد أن تم تشكيل الحكومة الجديدة، فلن تتغير، وستظل علي نهجها في استمرار التواصل مع الولايات المتحدة،والتمتع بدعمها، وتأييدها لقرارات إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، وضم الأراضي من الجولان والأردن، مع استمرار التركيز علي التهديد الأكبر، حاليا، وهي إيران، ليستمر اتحاد الشعب الإسرائيلي حول هذه المفاهيم.
لمزيد من مقالات ◀ د. سمير فرج رابط دائم: