رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

يوميات كورونا تبدو صادمة.. ولكن!

منذ أن ضرب الفيروس اللعين أرجاء الأرض، ولم يترك مكانا إلا وتوغل به، دون هوادة أو رحمة، ونحن نسمع عن عشرات وأحيانا مئات القصص والروايات، التى تأتينا من كل صوب وحدب، سواء من خلال وكالات الأنباء، التى جعلت كورونا شغلها الشاغل، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعى، التى جعلت كورونا القاسم المشترك لأداء مرتاديها فى كل أنحاء العالم.

قد نبدأ بأكثر القصص إيلاماً، حينما يمرض الأب أو الأم، أصحاب الأعمار الكبيرة، فقد علمنا، أنه منذ أيام قليلة، شكت إحدى مسئولات دار الرعاية، عن وجود حالات إصابة بفيروس كورونا، وأبناء المصابين يرفضون التوجه للدار من أجل التصرف حيال آبائهم!.

فعل مشين، ومهين ليس للآباء وحسب، ولكنه للأبناء، فقد أثبتوا بكل السبل، أنهم فقدوا إنسانيتهم، وباتت مشاعرهم متجمدة، لاسيما أنهم خالفوا أمر الله، حينما قال: «وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا». سورة الإسراء الآية(24)، هذه الآية الكريمة جامعة و شاملة، تبين كيفية التعامل مع الآباء، ونعلم جميعا عقوبة عقوق الوالدين، ومآل غضبهما ومؤدى ذلك، ومع كل هذا، يتكرر الأمر فى مواضع أخرى، مثل ما حدث فى واقعة انعدمت فيها الرحمة على الاطلاق، حينما علم الأبناء بإصابة والدتهم التى تعيش بمفردها فى مكان بعيد عنهم. فما كان منهم، إلا أن تركوها تماما، وانقطعوا عن زيارتها أو حتى السؤال عنها، ليرزقها الله بمن يودها ويقوم بخدمتها رغبة فى رحمة الله، بعد أن خسرها أبناؤها، فاز بها من برها، وهى واقعة تعيد للأذهان أحداثا مشابهة، لمن قتل الرحمة بقتل أمه، أو أبيه، وأتذكر ما تلاه ذلك الفعل الآثم من رد فعل جلل، وأعتقد أنه كان سبباً فى عودة الرشد لعدد ليس بقليل، صحح علاقته بوالديه، قبل فوات الأوان.

وبالانتقال لقصة ثانية، تصف ما فعله أحد الأطباء حينما تخلى عن علاج زميله الطبيب، خوفا من انتقال العدوى إليه، مشهد مجرد محاولة استيعابه مؤلمة، فزميل الأمس، شريك العمل، الذى لٌقب فى أحد الأوقات بالحكيم، يهرب من علاج زميله الطبيب، فما بالنا بمريض آخر، قد يلجأ إليه راغبا فى تلقى العلاج المناسب من طبيب أقسم على أن يصون حياة الانسان فى كل أدوارها، وإذا به يهرب منه ويتركه عرضة للألم و المرض والموت أيضا، فى واقعة قد تسيء تماما للأطباء!.

ولكن رويدا، كما أن هناك (عشماوى) زامل (المنسى) فى القوات المسلحة، أخذ لعنات كل من عرف بخيانته، هناك أيضا عشماوى فى كل مهنة، ولكن بشكل و أداء مختلف طبقا لظروف المهنة، وهذا بالطبع لا يسيء للمهنة، ولكنه يسيء للشخص فقط. مهنة الطب كغيرها، فيها المخلص المجتهد الخلوق، الذى يبحث عن راحة المرضى، ويهتم بعلاجهم، وقد يلقب بطبيب الغلابة، صاحب الأجر الزهيد، وأحيانا يتنازل عن أجره، ليتلقى بديلا له دعوات تعلى مرتبته فى جنان خالقه، فكلما وجدت طبيبا يتخذ مهنته مجالا للربح فقط، يرفع قيمة أجره لرقم خيالى ولا يتنازل عنه، تحت مبررات واهية، أمامه مئات، بل آلاف يؤدون مهنتهم بما يرضى الله.

ولننتقل لروايات كثيرة متباينة، نعرفها و نسمع بها من خلال الناس، حينما يصاب أحد الجيران بكورونا، تجد احتمالين، احدهما، صلف فى التعامل، ثم هروب، قد يؤدى إلى حصار ذلك الجار وأسرته، فى حادثة تكررت عدة مرات فى أماكن مختلفة، تحت زعم الخوف من العدوى، وتناسى هؤلاء، أنهم عرضة أيضا للوقوع تحت طائلة الكورونا ومن ثم التعرض لما فعلوه بجيرانهم، مروراً بما حدث فى أثناء محاولة دفن متوفى نتيجة إصابته بالكورونا، وما عاناه أهل المتوفى جراء محاولات منع دفنه فى مقابر الأسرة خوفا من العدوى، وفى إحدى الروايات المبكية، ميت عانى أهله فى بذل جهد مضنِ فى دفنه، حتى جاءت الشرطة لمعاونتهم! وفى مقابل ذلك، نجد من يقدم نماذج مبهرة فى العطاء، منهم من يتبرع بماله للمعاونة فى مواجهة أزمة كورونا، ومنهم من يعتنى بعماله، وهناك أشخاص معروفون بالاسم أمسوا نماذج مشرفة تتناولها ألسنة الناس بالحب، ومع هؤلاء، يبرز أٌناس بسطاء، يتفانون بإخلاص رائع فى مد يد العون لكل محتاج، والأمثلة كثيرة، منهم من يتبرع بتوصيل الطعام و العلاج للأسر المريضة والمعزولة، والتى يخشى البعض الاقتراب منها، ومنهم من لازم أبويه الضعيفين، مسخراً نفسه بكل ما لديه حتى يمن الله عليهما بالشفاء، ويتكرر نفس الأمر مع الجيران والأصدقاء.

كورونا لم تخترع المشاعر، سواء السلبية أو الايجابية، ولكنها كشفت عن خبايا و مكنون النفوس، فمنها الصالح الجيد، ومنها الطالح الخبيث، هكذا أحوالنا جميعا، منا وحولنا الجميل والقبيح، الطيب و الردىء، كل ما فى الأمر، أننا فى ظرف قاهر، أظهر ما فينا، من صالح وطالح، فاللوم لا يقع على كورونا، بقدر ما يقع على المختلفين، ومع أن أعدادهم عادة قليلة للغاية، ولكنهم مثل البقعة الصغيرة السوداء فى الثوب الأبيض، تخطف النظر إليها، ورغم ضآلة حجمها، فإن تأثيرها قد يبدو كبيرا، على عكس الحقيقة.

[email protected]
لمزيد من مقالات ◀ عمـاد رحيـم

رابط دائم: