«إن التكيف الأكثر فعالية للعنصرية بمرور الوقت يتم من خلال فكرة أن العنصرية تحيز واع من قبل الناس». هذا التوجه الذى يغرس العنصرية بمثل هذا المعنى الأخلاقى الممزق يكشف تواطؤ البيض بالحفاظ على العنصرية كجزء مهم من النظام الاجتماعى الغربي، بقدر ما يكون عائقا أمام أى مناقشة وحلول جذرية للحد من أو تفكيك الهياكل العنصرية التى يقوم عليها
المجتمع، كما ترى عالمة الاجتماع الأمريكية، روبين دى انجيلو فى كتابها «الهشاشة البيضاء..لماذا من الصعب على الأشخاص البيض مناقشة العنصرية» وهو أحد الكتب التى تصدرت المبيعات أخيرا فى ظل تصاعد الاحتجاجات بالولايات المتحدة الأمريكية عقب مقتل الأمريكى من أصل إفريقى جورج فلويد بسبب عنف الشرطة.
والهشاشة البيضاء تشير إلى الموقف الدفاعى والحجج التى يعيشها البيض كتحيز واع يمنعهم من فحص تحيزاتهم وامتيازاتهم العرقية. ترى «دى انجيلو» أن اعتبار البياض هو القاعدة جانب آخر مهم. فمعظم البيض لا يرون «الأبيض» على أنه عرق لأن معظمهم يقدرون الثقافة والتقاليد البيضاء فقط. وخلال تتبعها تاريخ العنصرية والتفوق الأبيض منذ الاستعمار تثبت الكاتبة أن العرق هو بناء اجتماعى وليس بيولوجيا، أو بالأحرى بناء سياسى واقتصادى وثقافى كأحد أوجه العنصرية التى تكرست مع توحش الرأسمالية والنيوليبرالية والعولمة عبر مستويات عدة ( اللون، العرق، الدين...إلخ) ليتم توظيفها للهيمنة. وتقترب من أطروحة ابرام إكس كيندى فى كتابه «مدموغ منذ البداية: التاريخ الحاسم للأفكار العنصرية فى أمريكا» حيث يرى كيندى أن صناعة الأفكار العنصرية لم تنتج من الجهل والكراهية. فقد أنتج الرجال والنساء الأقوياء أفكارا عنصرية من أجل تبرير السياسات العنصرية فى عصرهم ، من أجل إعادة توجيه اللوم للسود على الفوارق العنصرية بعيدا عن تلك السياسات، لذا هؤلاء اشتركوا فى التفكير الاستيعابى الذى خدم أيضا المعتقدات العنصرية حول الدونية السوداء. كتاب كيندى كان أيضا من الكتب التى تصدرت المبيعات أخيرا.
ورصدت تقارير المبيعات لعدة مكتبات بأمريكا وبريطانيا ارتفاعا ملحوظا بمبيعات الكتب التى تناقش العرق و العنصرية ومكافحتها بعد مقتل فلويد، بل نفذ بعضها لفترة على موقع أمازون بعد أن كان الأكثر مبيعا مثل كتاب رينيه ادو لودج «لماذا لم أعد أتحدث مع البيض عن العرق» وكتاب «لذا أنت تريد التحدث عن العرق» تأليف إييوما أولو، « لون القانون « لريتشارد روثستين . كما دفعت وحشية الشرطة الأمريكية لطرح قوائم كتب للقراءة عن تجاوزات الشرطة الأمريكية كان أبرزها «جيم كرو الجديد» لميشيل ألكسندر الذى تناول فيه كيف يعمل نظام العدالة الجنائية لإنشاء نظام طبقى عرقى، و«عندما تقتل الشرطة» لفرانكلين زيمرينج الذى يحلل بالأرقام عدد المرات التى تقتل فيها الشرطة المدنيين ولماذا ومن يقتلون وغيرها من الكتب. كما انطلقت الدعوات على مواقع التواصل الاجتماعى تطالب الداعمين للاحتجاجات بدعم المكتبات التى يملكها السود بشراء الكتب منها أو التبرع لها، حيث جمعت مكتبات ماركوس، التى تعد أقدم مكتبة أمريكية مملوكة للسود دعما يقدر بـ200 ألف دولار.
من الناحية التاريخية ، كانت مبيعات الكتب السياسية الهائلة تشير أحيانا إلى تحول لاحق فى الثقافة الغربية و الأمريكية. وبرز ذلك بشدة وقت النضال من أجل الحقوق المدنية وخلال موجات الحركة النسائية. ومنذ مقتل فلويد اكتسبت الاحتجاجات التى قادتها حركة «حياة السود مهمة» طابعا عالميا تخطى محيطها الأمريكى وتنوعت تأثيراتها ومفاعيلها بين السياسة والثقافة والفن، فقد ألهمت فنانى العالم لرسم وجوه ذوى البشرة السوداء من خلال مبادرة»Drawing While Black»، على مواقع التواصل الاجتماعي. كما ألهمت آخرين لرسم الجرافيتى على الجدران والأسوار حول العالم. وفى بريطانيا ومنذ الاحتجاجات على مقتل فلويد، يتزايد الضغط حاليا على الحكومة لمراجعة المناهج الوطنية وجعل تدريس التاريخ الأسود إلزاميا للجميع بالمدارس الابتدائية والثانوية.
وبداخل صناعة الكتب والنشر نفسها، تجددت الانتقادات على خلفية الاحتجاجات مع إعادة طرح قضية نقص التنوع. فلا يزال الأشخاص البيض يديرون قطاع النشر وينشرون كتبهم . فى دراسة مسحية أجريت أخيرا تبين أن صناعة النشر بيضاء بشكل عام بنسبة 76% تماما كما كانت قبل أربع سنوات. وتجاوبا مع الاحتجاجات الحالية قام أكثر من 1300 موظف بقطاع النشر الأمريكى بالإضراب أخيرا عن العمل لمدة يوم واحد احتجاجا على ما اعتبروه دورا لصناعتهم فى تكريس العنصرية المؤسسية مطالبين الناشرين بتوظيف قوة عاملة أكثر تنوعا والنشر لعدد كبير من المؤلفين السود.
لفت ذلك انتباه ثلاثة من أكبر خمسة ناشرين حيث تجاوبت دار بنجوين وراندوم هاوس مع مطالب الإضراب مؤكدين اعتزامهم تنويع القوى العاملة ومؤلفيهم لإنشاء قوة عمل وثقافة أكثر تنوعا، وكذلك التبرع لبعض مبادرات التنوع ورعاية صندوق المبدعين السود. الاتجاه نفسه تبنته مجموعتا «هاشيت» و«سيمون وشوستر»، بينما اختار «هاربر كولينز» و«ماكميلان» التجاهل . فى الوقت نفسه ، شارك مئات المؤلفين الملونين تفاصيل عن المستحقات والامتيازات التى حصلوا عليها من ناشريهم على تويتر عبر هاشتاج #PublishingPaidMe » حيث وثق المؤلفون التفاوت المستمر فى المدفوعات الأولية التى تلقاها الكُتاب السود البارزون أمثال جيمسن وارد، آندى توماس، نورا كيه. جيمسين مقارنة بما حصل عليه أقرانهم البيض .
رابط دائم: