تُثير إزالة تمثال جيفرسون ديفيز فى ريتشموند بولاية فرجينيا، والسعى لإسقاط تماثيل قادة آخرين فى حكومة الاتحاد الكونفيدرالى التى تسببت فى نشوب الحرب الأهلية الأمريكة 1861-1865، سؤالا عن كيفية تعامل الشعوب مع تاريخها. فقد خلقت الاحتجاجات القوية التى ترتبت على قتل الشاب الأسود جورج فلويد على يدى، أو بالأحرى تحت ركبة، شرطى أمريكى أبيض، دعوة إلى إزالة تماثيل قادة الاتحاد الكونفيدرالى الذى ضم عدة ولايات جنوبية انشقت عقب انتخاب الرئيس إبراهام لنكولن بسبب إصرارها على استمرار امتلاك عبيد والاتجار بهم. تبنى هؤلاء، الذين أصبحوا هدفا فى الجولة الراهنة فى النضال ضد العنصرية، مواقف صارمة وصريحة ضد المساواة العرقية، انطلاقا من إيمانهم بتفوق البيض واستعلائهم، واستحالة تساويهم مع السود، واقتناعهم بأن العبودية نظام طبيعى حين يكون لديك من لا يستطيعون بحكم تكوينهم أن يعيشوا أحرارا. وقد كلفت هذه المواقف العنصرية البغيضة الأمريكيين أكثر من مائتى ألف قتيل فى معارك الحرب الأهلية العنيفة على مدى نحو أربع سنوات. ويوجد بعض التماثيل، التى يدعو المحتجون ضد العنصرية إلى إزالتها، فى مبنى الكونجرس الأمريكى الكابيتول. ولذا، يسعى عدد من أعضاء مجلس النواب ذى الأغلبية الديمقراطية إلى استصدار تشريع لإزالة هذه التماثيل. ولكن من المشكوك فيه أن يمر مشروع هذا التشريع فى مجلس الشيوخ ذى الأغلبية الجمهورية. ولكن الخلاف على إزالة هذه التماثيل ليس سياسيا فقط. الخلاف مجتمعى، لوجود انقسام حول المسألة العرقية من ناحية، ولأن الموضوع يتعلق بجزء من تاريخ الولايات المتحدة وتراثها من الناحية الثانية. وربما هذا ما دفع محكمة لجأ إليها رافضو إزالة التماثيل إلى قبول طلبهم من حيث الشكل، وإصدار أمر بمنع المساس بها إلى حين النظر فى موضوع الدعوى. ويوجد مثل هذا الانقسام بشأن بعض قضايا التاريخ فى مجتمعات العالم كلها تقريبا، الأمر الذى يحول دون حسم الجدل حول السؤال الذى يُعاد إنتاجه من وقت إلى آخر: هل نقبل التاريخ كما هو بحلوه ومره ونستوعب دروسه، أم ينتقى كل منا ما يروق له فيه ويهيل التراب على غيره؟
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: