بعد أشهر من الحظر بسبب فيروس كورونا، تظهر العاصمة الأمريكية واشنطن مختلفة عما كانت عليه قبله بسبب قلة أعداد السيارات وزيادة عدد المشاة وراكبى الدراجات.
شوارع المدينة تبدو أكثر اتساعا، كما تم توسيع الأرصفة حتى يستطيع المشاة السير على مسافات متباعدة، وظهرت حارات جديدة لراكبى الدراجات.
وفى استطلاع لآراء سكان واشنطن, قال معظمهم إنهم يحبون هذه التغيرات التى أسهمت فى تحسن نوعية الحياة حيث الهواء أقل تلوثا والناس أكثر نشاطا وحركة. ويود كثيرون أن تظل مدينتهم هكذا بعد عودة الحياة إلى طبيعتها؛ أرصفة أوسع للمشاة ومساحات أقل للسيارات.
وليست واشنطن المدينة الوحيدة فى أمريكا أو العالم التى تشهد تغيرات بسبب كورونا، فبحسب الأسترالى «بن روسيتر» رئيس الاتحاد العالمى للمشاة فإن هناك طفرة فى عدد من يمارسون المشى فى أحيائهم السكنية. ولأن الجائحة تسببت فى فقدان الملايين لوظائفهم، يتوقع «روسيتر» أن يخلق التعافى الاقتصادى أنماطا جديدة من الوظائف لاتتطلب الانتقال اليومى بالمواصلات، كأن يعمل عدد أكبر من الناس من بيوتهم، أو يجدون فرص عمل فى محيطهم المحلى فيصير فى إمكانهم الذهاب إلى أعمالهم سيرا على الأقدام.
وعلى المستوى الرسمي، لا تعد أمريكا رائدة فى هذا الاتجاه، بل تسبقها دول مثل كوريا الجنوبية، وإيطاليا وفرنسا. وقد رأت هذه الدول فى أزمة كورونا فرصة لتفعيل مايسمى بـ«العهد الأخضر الجديد» كأساس لإحداث تحولات جوهرية فى البنية الأساسية والطاقة للحد من التلوث وتحسين أحوال البيئة.
تحتل كوريا الجنوبية حاليا المركز السابع عالميا بين أكثر الدول انبعاثا للغازات الملوثة للهواء، لكنها تتبنى رؤية ستجعلها فى حال تطبيقها أول دولة آسيوية تحقق معدل «صفر عوادم» بحلول منتصف القرن الحالي. ويتطلب بلوغ هذه الغاية الطموحة إجراءات فعالة منها فرض ضرائب على الصناعات المتسببة فى انبعاث غاز ثانى أكسيد الكربون وزيادة الاستثمارت فى الطاقة المتجددة، ووقف التمويل العام لمشروعات الطاقة الصلبة، وإعادة تدريب اليد العاملة التى ستتضرر بالتحول للطاقة النظيفة. لاتزال تلك الرؤية مشروع قانون لابد أن يقره البرلمان فى كوريا الجنوبية، ويُتوقع أن يجد مقاومة من جانب بعض أصحاب الصناعات، أصحاب المصلحة فى استمرار التلوث على ماهو عليه.
وكما هو الحال فى العاصمة الأمريكية التى شهدت زيادة فى المساحات المخصصة لراكبى الدراجات، حدث الإجراء نفسه فى مدن أوروبية كثيرة مثل ميلانو وبرلين، بما ترتب عليه تحسن ملحوظ فى نقاء الهواء.
وإذا كانت عوادم السيارات من المسببات الرئيسية لتلوث المدن، فإن عوادم الطائرات أكثر خطرا حيث تتسبب فيما يتراوح من اثنين إلى خمسة فى المائة من الاحتباس الحرارى الناتج عن الأنشطة البشرية عالميا. وقد استغلت بعض الحكومات الأوروبية فرصة قلة الطلب على الرحلات الجوية فقدمت لشركات الطيران المتضررة معونات مالية مشروطة بمقترحات للحد من التلوث. ومن ذلك استبدال طائرات أحدث وأصغر حجما وأكثر توفيرا للطاقة بدلا من الطائرات القديمة، وإلغاء الرحلات الجوية القصيرة واستخدام رحلات القطار بدلا منها.
كل ذلك صار ممكنا بسبب الجائحة. عودة الحياة بعد كورونا لما كانت عليه قبلها سيكون المحك الحقيقى لنجاح هذه المبادرات فى تشكيل نمط جديد للحياة العصرية.
رابط دائم: