على عكس بعض البلدان الأوروبية التى قاومت نصائح علماء الصحة بشأن ضرورة الإغلاق الكلي، كانت بيرو من أولى الدول التى استجابت وبشدة لهذه النصائح ووضعت خطة مسبقة للتصدى لانتشار الفيروس التاجي، بدأتها مع إعلان مارتين فيزكارا الرئيس البيروفى فى منتصف مارس الماضى فرض حالة الطوارئ فى البلاد وإغلاق كامل للحدود، ومنع تجوال المواطنين باستثناء الوصول إلى السلع الأساسية. ومع حشد الشرطة والجيش لفرض نظام الحجر المنزلى الصارم، امتثل عدد كبير من المواطنين لهذه الإجراءات الوقائية. لكن بحلول شهر مايو يبدو أن خطة فيزكارا لم تسر حسب ما كان مخططا لها، حيث قفزت الأعداد بسرعة كبيرة إلى ما يقرب من 208 ألف إصابة ونحو 5 آلاف حالة وفاة، لتدرج بيرو من قبل منظمة الصحة العالمية كثانى أعلى معدل إصابة للفرد فى أمريكا اللاتينية، فماذا حدث؟ على الرغم من الاستجابة «المثيرة للإعجاب» من جانب الرئيس فى البداية، والاقتصاد السريع النمو فى بيرو، فإن ظروف المعيشة والعمل فى الدولة التى يبلغ عدد سكانها 33 مليون نسمة - يعيش خُمس الأشخاص فيها على نحو 100 دولار فقط فى الشهر - جعلت من المستحيل على العديد من السكان البقاء فى المنزل لفترات أطول من ذلك، حيث يعمل أكثر من 70% من القوى العاملة فى الاقتصاد غير الرسمى أو غير المنظم، وهو أعلى معدل فى المنطقة. وبالنسبة لهذا النوع من العمال «لا يوجد إغلاق»، إلى جانب ذلك يشكل البناء والسياحة الجزء الأكبر من قطاع الخدمات. كما أن فكرة العمل من المنزل غير واردة بالنسبة للغالبية العظمي، فأقل من ثلث الأسر فقط لديها كمبيوتر فى المنزل!
حين بدأ الإغلاق الصارم لاح شبح البطالة فى الأفق، وفشلت حزمة التحفيز المالى الضخمة من قبل الحكومة التى بلغت قيمتها 26 مليار دولار فى الوصول إلى أكثر من نصف الأسر الفقيرة، بينما اكتظ النصف الآخر - الذى لا يمتلك حسابات مصرفية - فى طوابير طويلة دون مراعاة لأى «مسافة آمنة» لصرفها.
وبالتالى أسهم تكدسهم فى المزيد من حالات العدوي، أما بالنسبة للقطاع الصحى فحدث ولا حرج، فمع ارتفاع معدلات الانتشار سرعان ما امتلأت أسّرة وحدات العناية المركزة بالمرضى عن بكرة أبيها، حتى بات الخيار لقطاع الصحة للمرضى الأصغر سنا الذين لديهم فرصة أكبر للبقاء، كما أسهم نقص الأدوية الأساسية إلى المضاربة على الأسعار فى الصيدليات ولم يكن مستغربا أن يستسلم الاقتصاد والقطاع الصحى فى معركتهما الأولى ضد كوفيد 19. فبيرو لديها أحد أدنى مستويات الاستثمار العام فى المنطقة بالنسبة للتعليم والرعاية الصحية، مما قوض بشكل كبير قدرتها على الاستجابة للوباء. هذه بالطبع ليست نتاج إخفاقات فى النظام الحالى بقدر ما هى نتائج نظام صحى مهمل على مدى عقود. وبرغم أن الرئيس البيروفى ليس مسئولا عن هذا الإرث، إلا أنها باتت مشكلته الآن التى يجب أن يجد لها حلولا سريعة، خاصة أن الأزمة الاقتصادية ستعزز موقف السياسيين المناهضين لنظامه فى الانتخابات العامة فى إبريل 2021.
رابط دائم: