رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

جينا الر يحانى:أبى كان يشبه فى طيبته«حسن وابور الجاز»

مى إسماعيل

لكل فنان أسراره التى يظل بعضها خلف المشاهد والأدوار والبعض الآخر يظهر كلما تحدث أبطاله عبر الزمن، فبعد أن عشنا سنوات مع مسيرة الضاحك الباكى نجيب الريحانى الفنية التى كانت مصدرا ثريا للتعرف على أحوال وتاريخ الفن المصرى والعربى ندخُل اليوم بين كواليس حياته الماضية لمعرفة بعض من تلك التفاصيل الخاصة التى ترويها لنا ابنته فى ذكرى وفاته الـ 71؛ لنغوص أكثر داخل حياته الشخصية، لنتعرف على أصدقائه وما السبب وراء إخفاء زواجه الثانى؟ و السر وراء غياب ابنته الوحيدة كل هذه السنوات لتظهر بعد ذلك للدفاع عن تاريخه وأعماله، وتفاصيل اللقاءات القليلة التى جمعت بينه وبين زوجته وابنته داخل مصر وخارجها، كل هذا وأكثر تكشفه لنا خلال الأسطر القليلة القادمة جيزيل نجيب الريحانى أو جينا كما تحب ان يناديها الآخرون.



من هى جينا؟

اسمى جيزيل ابنة أيقونة الكوميديا المصرية نجيب الريحانى الوحيدة من زوجته الألمانية لوسى دى فرناي؛ أطلقت على نفسى أسم جينا عندما أتيت إلى مصر ليصبح أخفا على أذن من أتعامل معهم ولأن هذا الاسم يحتضن أول حرفين من اسمى وأول كل حرف من نجيب الريحانى لأشعر أنه معى حتى بعد الغياب.

ما هى تفاصيل كواليس قصة الحب التى جمعت بين الريحانى ولوسى؟

قصة طويلة أتولدت منذ عام 1917 عندما كان يبحث عن أجنبيات للعمل معه فى فرقته المسرحية عند تقديمه شخصية «كشكش بيك»، فى هذا الوقت تقابل مع أمى ونشأت بينهما مشاعر عشق لكن سرعان ما اختفت لوسى وتركت مصر عائدة إلى أوروبا مع فرقتها الاستعراضية، سافر بعدها الريحانى عدة مرات لفرنسا بحثا عنها دون العثور عليها حتى عاد للوطن منشغلاً بعمله بعد ما علم أنها تزوجت من رجل ألمانى، وفى هذه الآونة تعرف على المطربة بديعة مصابنى وتزوجها. بعد عدة سنوات جمعت الصدفة بينهما ليتجدد حبهما ويتزوجا زواجا مدنيا فى فرنسا عام 1936 أثمر عن ولادتى العام الذى يليه، لكن للأسف ظروف الحرب العالمية الثانية وزواجه فى مصر احالت بينه وبين وجوده معنا ومنعتنى من رؤيته والتعرف عليه فى الطفولة.

متى جمع بينكما أول لقاء؟

روت لى أمى أن أول لقاء عندما كنت طفلة ذات عام بعدها حالت بيننا الحرب ولأن أمى كانت تخشى الحكم النازى الذى يمنع الألمانيات من الزواج من أجانب فكانت تقول لى إن والدى ألمانى وذهب للحرب، فى هذه الآونة كنت أشعر بالحزن لعدم معرفة من هو أبى وأفتقد وجوده ولا أجد ما أقوله لأسئلة صديقاتى المستمرة حتى جاء يوم اللقاء الأول بالنسبة لى الذى أتذكره جيداً كأنه الأمس؛ ففى عام 1946 وأنا عمرى تسع سنوات وقتها كنا فى منزل خالة أمى بفرنسا، قالت لى أمى أن أكون فى استقبال صديق قديم وقامت صديقتها بحياكة فستان لى فى غاية الجمال بالرغم من ضيق الحال وقت الحرب. عندما جاء نجيب تعجبت كثيراً كيف يكون هذا الرجل الأسمر صديقا لأمى?.. ولماذا كل هذه الفرحة التى فى عينيه الممزوجة بقبلاته الحانية وهو يعطينى عروسة قيمة مع الحلوي؛ داعبت الأسئلة دارت فى رأسى حتى اعترفت أمى بأنه أبى.

كيف كان رد فعلك فى هذه الحظة؟

وقتها لم أجد ما أقوله أو أفعله سوى الصمتُ أمام شخصية أمى القوية التى كانت لا تعرف النقاش، وفى نفس الوقت هذا الرجل الأسمر الأنيق عكس صورة أبى التى كنتُ أرسمها فى ذهنى. لكن لم يستمر الصمتُ كثيراً فسرعان ما أذاب نجيب كل سنين البعد فكان يأتى للبيت كل يوم للعب معى ولأول مرة أشعر بمعنى الحوار المتبادل دون أوامر، كان دائم السؤال عن حياتى فى فرنسا والمانيا كيف كانت ومن هم أصدقائى وماذا أُحب وماذا أكره، وأشياء كثيرة أخرى لم أشعر بها سوى معه ساهمت فى توطيد علاقتنا وجعلته فى عينى أعظم وأحن أب فى العالم رغم أنى لم أعش معه كثيراً.

وماذا عن تفاصيل كواليس حياته معكِ بعد ذلك.. كيف كانت؟

بعد أن عرفت بوجوده تغير الكثير من تفاصيل حياتى لترسم الكواليس أجمل حكاياتى؛ خلال موسم الشتاء كنتُ أنا وأمى نُسافر لمصر للإقامة سراً فى شقته بمنطقة جاردن سيتى منعاً للمشاكل مع بديعة؛ كان يخطف لحظاته معنا بجانب شغله المستمر وعندما يحاصر وقته العمل المستمر يظهر «حمام» سواقه الخاص ليصحبنى معه لأرى معالم القاهرة حتى لا أشعر بالملل، لحسن حظى أن فى عام 1947 نصحه الأطباء بالذهاب لمكان مشمس وصحى للاسترخاء فكانت أول رحلة لى لمدينة الأقصر لألهو وأتعرف على معالم المدينة والمعابد مع أبى الذى حببنى فى كل ذرة من تراب هذا الوطن، ربما كان هذا هو سر رجوعى واستقرارى بمصر حتى بعد وفاته ووفاة زوجى. أما فى الإجازة الصيفية فالوضع مختلف حيث كان يقضى معنا شهرا بأكمله فى فرنسا لنتنزه فى حدائق ومسارح باريس، كان ينادينى بأميرتى الصغيرة وبالفعل كنتُ كالأميرة فى محرابه، أعشق كل تفاصيل يومى معه حتى موعد نومى الذى كان يلونه بصوته وهو يحكى ويُمثل لى وحدى حكاية قبل النوم.

هل حضرتِ أى عمل من أعماله المسرحية؟

لا أعشق المسرح كثيراً مثل أبى لكنى حضرت وأنا طفلة بالعاشرة مسرحية حكم قراقوش، وقتها لم أفهم شيئا لأنى لا أعرف اللغة العربية، لكنه بعد العرض أخذ يشرح لى الأحداث بالغة الفرنسية ويسألنى عن رأيى.

وبالنسبة لأعماله السينمائية.. ما الذى تحبينه له؟

عشقتُ الريحانى فى كل أدواره؛ فى الماضى بحثت عن أفلامه وشاهدتها أكثر من مرة لأكتشف أن هناك فيلمين مختفيين تماماً، بحثت عنهما هنا وهناك حتى فى لبنان وسوريا لكن دون جدوى، هما فيلم صاحب السعادة كشكش بيه إنتاج 1931 وفيلم بسلامته عايز يتجوز إنتاج 1936، وبقدر ما شاهدتُ فى الماضى من أفلامه لا أستطيع اليوم رؤية حتى لو مشهد لأنى أفتقده كثيراً وكلما رأيته أمامى بكيت.

فى اعتقادك أى من الشخصيات التى قدمها الريحانى الأقرب لشخصه؟

أعتقد أن شخصيته الحقيقية تشبه كثيرا دور حسن الحنون المُحب فى فيلم «لعبة الست»، فكل كلمة وكل حركة لحسن أرى أبى أمام عينى ربما لأن الفيلم ظهر وشاهدته عام 1946 نفس العام الذى تعرفت فيه على أبى أول مرة، لا أدرى.

هل هناك أعمال لم تخرُج للنور؟

نعم كان هناك عمل سيجمعه بكوكب الشرق أم كلثوم لكن حالت الظروف دون استكماله؛ جهة الإنتاج كانت تريد مُخرجا من القطاع العام على عكس رغبة الريحانى الذى رفض رفضاً قاطعا بالإضافة لضياع السيناريو وهو عائد لمنزله فى إحدى المرات.

من أصدقائه من الممثلين والكُتاب العرب والأجانب؟

لا أعرف الكثير عن أصدقائه داخل مصر، كل ما أتذكره أنه كان يجلس مع عبدالوهاب وليلى مراد لتبادل الحديث وكانت له صديقه يهودية أيضاً تسكن بشارع سيلمان الحلبى تدعى فكتورين ناعوم. أما عن أصدقائه الأجانب أعرف منهم الكثير، فزياراته المستمرة لمكتبات ومسارح فرنسا وإيطاليا للاطلاع على التطورات الجديدة عن الفن المسرحى لتطوير عمله فى مصر منحته العديد من الصداقات مثل الممثل الفرنسى الكوميدى لويس جوفى، والممثل جون ليبيرو وهو من أهم الممثلين المشهورين فى المسرح الصامت، والكاتب الفرنسى أندريه جيد الحاصل على جائزة نوبل لللآداب سنة 1947 وغيرهم من الكُتاب والمُمثلين الأجانب الذين أشادوا بالفن والتمثيل المصرى رغم أنهم لا يعرفون اللغة العربية.

ما هى الصفات المشتركة بينك وبين الريحانى؟

ورثت منه الدم الخفيف والتعامل الطبيعى دون تكلف لكنى لا أُجيد مثله حل المشاكل بكل سلاسة، وحاولت اقناعه بالتمثيل لكنه رفض.

رغم رفضه التحقتِ بمعهد التمثيل لكنك لم تستمرى لماذا؟

منذ الصغر والفن فى دمى وعشقى له جعل أمى توافق على تعليمى البيانو والانضمام لفرقة الباليه التى كانت تدريباتها بجوار معهد التمثيل الذى التحقت به فى ألمانيا، لكنى توقفت ولم أستكمل دراستى لانشغالى بالتمثيل والرقص، حيث مثلت ثلاثة أفلام فرنسية والمانية حتى تركت كل هذا عندما عدت إلى مصر وتزوجت.

متى كان آخر لقاء جمع بينك وبين والدك؟

آخر لقاء كان عام 1948 كنت فى العاشرة من عمرى كنا بإجازة الصيف بفرنسا نضحك ونتحدث ماذا سنفعل العام القادم دون أن أشعر أنه اللقاء الأخير، بعدها فارق الحياة عام 1949. لم أعش معه سوى ثلاث سنوات فقط على فترات متقطعة لكنها كانت أشبه بالعمر.

لماذا انتظرتِ كثيراً قبل الإعلان أنك ابنة الريحانى؟

كنت أتمنى فى كل وقت أن أعلن أن والدى نجيب الريحانى أحسن أب فى العالم وعبقرى الكوميديا العربية لكنى اضطررت للصمتُ خوفاً واحتراماً لزوجى الذى رفض فكرة التواصل بوسائل الإعلام، رضخت لطلبه وابتعدت تماما عن الحياة العامة وعشت معه فى الإسكندرية متفرغه لتربية أبنائى. وبعد أن أكملت رسالتى الأُسرية وعقب وفاة زوجى بدأت فى التفرغ للحصول على تكريم يليق بوالدى الراحل وتخليد أعماله وإسهاماته الفنية ودوره فى المسرح والسينما.

للريحانى ميراث فنى كبير.. ما هى خطواتك للحفاظ عليه وتخليد اسمه على مر السنين؟

فى الماضى كانت خطواتى بسيطة بسبب زواجى لكن بعد ذلك أصبحت خطواتى ثابتة فى طريق الحفاظ على هذا الإرث رغم العوائق؛ كانت سعادتى لا توصف بعد حصولى على تكريم للريحانى بمهرجان القاهرة السينمائى فى عام 2008 لكن سرعان ما امتلكنى اليأس بعد ثورة 2011 التى أطاحت باتفاقى مع وزارة الثقافة على تقديم مسرحيتين فى ذكرى وفاة وميلاد الريحانى، بعدها ساهمت فى تجديد مسرح مدرسة الفرير بالخرنفش التى كان يدرس بها والدى حتى تتعرف الأجيال الجديدة على فن المسرح ومن هو الريحانى. وأعمل حالياً على تجميع الأفلام المسجلة والحوارات أو المقالات التى نشرت عن الريحانى وعن أعماله إلى جانب استعادة أرشيف أعماله الفنية النادرة، واستطعت خلال مسيرتى الحصول على كرسيه المفضل وقطعة من ستارة مسرحه لمنحى الدعم النفسى للاستمرار. وهذا ليس كل شيء فمازال هناك الكثير من الخطوات لتحقيق الأحلام مثل وجود كل عام جائزة لأفضل عمل وممثل كوميدى باسم والدى ونحت تمثال له داخل حديقة الأزهر.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق