معصوبة العينين ..قررت أن تهرب بصحبة طفليها متحدية النهر الثائر بحثا عن بر الأمان.. فغطاء عينيها هو الحماية الوحيدة فى مواجهة الكائن المجهول، ذلك العدو الخفي، القادر على تجسيد أبشع مخاوفها وقتلها..ولكن إرادتها ورغبتها فى الحياة أقوى من العدو الذى حاصرها وآخرين داخل جدران منزل مظلم لسنوات..لم تكن هذه التفاصيل سوى جزء من فيلم صندوق العصافير الذى أنتجته شبكة نتفليكس الرقمية فى 2018 من بطولة النجمة الأمريكية ساندرا بولوك. وتشاء الظروف أن يقدم هذا الفيلم بفكرته البسيطة بارقة أمل للخروج من مأساتنا اليوم.
فنحن الآن أمام سؤال مصيرى وهو هل رغبتنا فى الحياة أقوى أم خوفنا من المجهول، ذلك العدو الخفى الذى يطاردنا؟ .. المعالجة النفسية الأمريكية ديل كوشنر تؤكد أن الخوف نتاج تغيرات هرمونية مفاجئة تؤهل الجسد للتصدى لحدث ما. وهذه التغيرات المتلاحقة داخليا وخارجيا ما هى إلا طوق ذاتى للنجاة، فالرغبة فى الحياة غريزة إنسانية أقوى من أى عوامل خارجية.
كوشنر أشارت إلى أن الجهل بحقيقة ما يدور حولك، هو العامل الرئيسى وراء شعورنا بالخوف. ولكن كلما اتضحت معالم العدو الذى نواجهه، كلما تبدد خوفنا وأصبحنا أكثر قدرة على المواجهة. فى عالمنا اليوم، ربما تحولت الكمامة إلى غطاء العينيين الذى أنقذ بطلة «صندوق العصافير» من الكائن الخفى الذى يجسد أسوأ مخاوفها. فأساليب الوقاية فى واقع الأمر ليست مستحيلة وليست صعبة المنال، ولكن الصعوبة الحقيقية تكمن فى التعايش معها، وربما التعايش أيضا مع عدونا الذى خطط على ما يبدو لمصاحبتنا لفترة لا بأس بها.
صناع السينما العالمية يتفننون فى كل عصر فى إنتاج أفلام الرعب، ونحن نتبارى ونتفاخر بقدراتنا العالية على المشاهدة والصمود أمام المشاهد التى تحاول تجسيد أسوأ مخاوف البشرية. والآن، أكثر من أى وقت مضى، نشجع أولادنا على الاحتفال بعيد غربى مثل الهالوين، بل نتفنن فى ملابس ومعدات الهلع والرعب وربما نذهب إلى حد مشاركة أبنائنا فى ارتدائها والاستمتاع بأجواء الهلع. هذه المشاهد والاحتفالات هى محاولة لتأكيد أن ما نخشاه فى واقع الأمر ليس حقيقيا. ولكن ماذا لو كان حقيقيا، حينها يبدأ الإنسان فى العودة إلى غريزة البقاء لإيجاد الأسلحة المناسبة لمواجهة مخاوفه والتصدى لها.
إن الرغبة فى البقاء ومواجهة المجهول ، هى محاولة للإجابة عن السؤال الوجودى والأبدى الذى طرحه الفيلسوف الفرنسى ألبير كامو ( 1913-1960) هل يستحق عالمنا الحياة؟» ..وهو نفس السؤال الذى حاول عالم النفس النمساوى فيكتور فرانكى (1905-1997) الإجابة عليه فى كتابه بحث الإنسان عن معنى الصادر عام 1946 والذى أكد فيه أن نظرة الإنسان للمستقبل هى ما تحدد مدى رغبته وحرصه على الحياة. فالمتفائل أكثر تمسكا بالحياة ورغبة فى البقاء، وهو ما يمنحه قوة هائلة لمواجهة المجهول. كاتبنا الكبير توفيق الحكيم أكد أنه: لا حياة لأمة إلا بإحساسها ووعيها بما يحدث لها.. وهذا الوعى هو سلاحنا اليوم لترويض عدونا والاستمتاع بنعمة الحياة.
لمزيد من مقالات مروى محمد إبراهيم رابط دائم: