كنت أتساءل طوال السنوات الست التى تحمل فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى مسئولية الحكم، لماذا اختار الطريق الصعب فى الإصلاح الجذري؟ وخاض كل تلك المعارك الصعبة فى توقيت أصعب وقرر أن يشق طريقا وعرا لبناء مصر الحديثة, وكان بمقدوره أن يختار طريقا أقل مشقة وتكلفة وإجهادا, وهو ترقيع الثوب القديم وإعادة الترميم المحدودة بدلا من عملية هدم القديم المتداعى المليء بالتشققات والثقوب وسيرضى معظم الناس, بل سينبهرون بالقشرة الجميلة الجديدة على البناء القديم، كان الوضع صعبا للغاية لا يمكن أن نتخيل حجم العقبات والمخاطر, التى كانت تطوقنا وتحيط بنا، وتريد أن تعتصرنا، ومازال بعضها حتى الآن عقبة فى طريق استكمال المنجزات.
فقد تحقق الكثير ومصر شبه محاصرة من جميع الجهات بالأخطار.
ففى الشرق توجد جماعات إرهابية تكفيرية فى سيناء, استطاعت أن تستغل حالة الفوضى وغياب الدولة, وفترة حكم الإخوان وأنشأت أوكارها ومحيطها المناسب وجندت ودربت وسلَّحت مجموعات قادرة على شن هجمات، مستغلة طبيعة سيناء المليئة بالكهوف والمرتفعات والمخابئ الطبيعية, وكذلك شقوا أنفاقا هنا وهناك تساعد على الهرب والاختباء.
وفى الغرب كانت الجماعات الإرهابية تسيطر على مساحات واسعة فى ليبيا الشقيقة, التى يبلغ طول حدودنا معها أكثر من ألف كيلو متر كلها فى الصحارى والطرق الوعرة, وتتسلل منها مجموعات تشن هجمات على مصر من الغرب.
وفى الجنوب مشاكل أكثر تعقيدا تجمع بين نفوذ جماعات متطرفة فى السودان الشقيق، وتمتد إلى مخاطر سد النهضة الإثيوبي.
فى الشمال البحر المتوسط, وعلى شواطئه من الناحية الأخرى نظام أردوغان وجماعاته, التى جاءت من كل بقاع الدنيا لتعيث دمارا فى المنطقة, وبلغت التدخلات الإقليمية والدولية ذروتها فى شئون منطقتنا العربية, تبث فيها الانقسامات والفتن وتمول الجماعات من مختلف الألوان والأشكال لتخترق كل الجبهات الداخلية.
هذه الصورة القاتمة لما يحيط بمصر لم تكن العقبة الوحيدة, بل كانت مؤسسات الدولة فى حالة من الترهل وعدم الكفاءة, وكأنها مستودعات لعمالة ووظائف غير منتجة, بل تعرقل الإنتاج, فلا أحد فى مكانه المناسب, أو بمستوى التأهيل اللازم مع تكدس رهيب يعرقل العمل وكفاءات محدودة، ومعظمها مخترقة من الجماعات التى تسعى لإسقاط الدولة ونخرها من الداخل بسوس الفساد، وجماعات المصالح والتمويل المشبوهة, ومساعدة بعضهم بعضا فى الصعود إلى أهم المراكز, حتى تتم السيطرة على الدولة من الداخل أو إفشالها، حتى ينفض الشعب من حولها, ثم ينقضّوا عليها من الخارج.
هذا إلى جانب ركام من السلبيات التى عششت طويلا فى مختلف المؤسسات, وغياب الرؤية والروح الوطنية وتفشى الأنانية وعدم احترام أى قيم أو قوانين, ويمكن إدراك ذلك بسهولة بمجرد النظر إلى العشوائيات التى انتشرت بشكل سرطانى فى مدننا الكبيرة بلا تخطيط أو موافقات, وفرضت أمرا واقعا سلبيا يمنع أى إصلاح، فالشوارع ضيقة والمبانى معظمها بلا تراخيص, ومن حصل على ترخيص تجاوز عدد الأدوار بدون واجهات مناسبة، وشاعت التعديات على أملاك الدولة وتشكلت حولها مجموعات أشبه بالعصابات التى تتقاسم تلك الأملاك بطرق ملتوية.
هذا جانب من الصورة القائمة والمشكلات الصعبة فى مختلف المجالات من تدهور التعليم وتدنى مستوى المعلمين وطرق التدريس القديمة، والبعيدة عن الواقع وجامعات تمنح شهادات ولا تقيم وزنا لجودة المحتوى ولا لحاجة سوق العمل, فتفشَّت البطالة بين الخريجين فى وقت لا يجد فيه سوق العمل الكفاءات القادرة على إنتاج السلع والخدمات بالمواصفات العالمية, وبالأسعار المناسبة نتيجة الهدر وانعدام الكفاءة, وعدم التحديث, فأصبحنا نستورد الكثير والكثير بمالنا، نتيجة لأن منتجاتنا عاجزة عن المنافسة, حتى فى صناعات عريقة مثل الغزل والنسيج والملابس والزجاج, وغيرها من المنتجات التقليدية, وكل هذا لأن البنية الأساسية التى لا تقتصر على المرافق, وإنما بمفهومها الشامل قد تقادمت وتكلست وفقدت الدافع والقدرة وغابت الكفاءات المواكبة للتطوير, ورغم كل هذه العقبات نجد أن الرئيس السيسى حقق قفزة كانت تحتاج لعقود طويلة لتنفيذها, وكأنه فى سباق مع الزمن وتميز بجسارة كبيرة فى مواجهة كل هذه التحديات معا, فلا يمكن أن نتخيل تحقيق كل هذه القفزات وسط كل هذا الركام الهائل من المشكلات والتحديات, والظروف الصعبة, فقد جرى إنجاز العديد من المشروعات القومية الضخمة, منها قناة السويس الجديدة, التى لا تقتصر على شق قناة بموازاة القناة القديمة, قللت زمن العبور والانتظار وهيأت القناة, لتكون جاهزة لأى زيادة فى التجارة العالمية, ومعها جرى إنشاء مدن جديدة على شرق القناة ومناطق صناعية وجسور وأنفاق تربط سيناء بشرايين متعددة مع باقى الوطن, تؤهل سيناء لأكبر عملية تنمية فى تاريخها وتشمل مناطق زراعية ومصانع ومزارع سمكية، وشبكة من الطرق الداخلية التى تسهل عملية التنمية والتعمير، وأهم تلك المشروعات العملاقة محور قناة السويس, الذى يؤهل سيناء لأن تكون من أكبر مناطق التجارة والخدمات البحرية والتجارية والصناعية فى العالم وتوفر فرص عمل هائلة.

منطقة تل العقارب بالسيدة زينب قبل وبعد التطوير شاهد على حجم الإنجاز الذى ملأ ربوع مصر
أما شبكة الطرق, فلم تشهد مصر مثيلا لها فى أطوالها وجودتها ومواصفاتها طوال تاريخها الطويل, وهى ليست مجرد طرق, بل شرايين جديدة تضاعف المساحة المأهولة فى مصر, وتضيف إليها الكثير من المشروعات التى تنمو على جوانبها, ومن أهم تلك الشرايين الطريق الصحراوى الجديد فى صعيد مصر, والذى أقيمت عليه العديد من المدن ليتحول الصعيد إلى مناطق جذب سكانى وعمرانى وتنموى، ويتسع الوادى الضيق ليضم الظهير الصحراوى إلى صدره, ومن الصعيد إلى العاصمة الإدارية الجديدة, التى سنباهى بها العالم فى خدماتها ونظامها وما تضيفه فى عالم المال والأعمال والخدمات والإسكان والاتصالات, إنها نموذج عاصمة من جيل جديد لن تكون مجرد إضافة عمرانية كبيرة ومهمة, ولكنها نهضة إدارية بأحدث الخدمات الإلكترونية الموفرة للوقت والجهد والدقة والتكامل ويمتد العمران والتطوير والحداثة إلى مدن جديدة من شرق مصر إلى سواحلها الشمالية من العلمين الجديدة والجلالة وناصر والمنصورة الجديدة إلى عشرات التجمعات السكانية والإنتاجية فى سيناء والصحراء الغربية وسواحلها, وكذلك حجم العمل الضخم فى إحلال مجمعات سكنية حديثة, بدلا من العشوائيات وتمديد وتحديث السكك الحديدية والتعليم والصحة والزراعة والصناعة, والتى يصعب أن أتناولها فى مقال واحد, لكن أهم ما لفت نظرى هو التحول الذى شهدته البحيرات المصرية, والتى تشهد على النهضة والإصرار على التغيير والتطوير, فتحولت من مكبات للنفايات والصرف الصحى إلى مزارع سمكية حديثة تنتج الخير وتقضى على التلوث, وتصبح متنفسا يعيد الروح إلى رئات مصر وتزودها بالكثير من الأكسجين لينقى دماءها من التلوث والفساد والتعديات, وتصبح عنوانا إضافيا لمصر الحديثة.
لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثابت رابط دائم: