رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

وفقا للأهرام..
متسلحا بـ « المنطق والدعوة بالتى هى أحسن»..
اغتيال فرج فودة يونيو 1992..مناقشته آراء عمر عبد الرحمن فى « مازال الحديث مستمرا»

يسرا الشرقاوى
الكاتب الكبير نجيب محفوظ والدبلوماسى البارز عمرو موسى خلال عزاء فوده

فى يوم التاسع من يونيو عام 1992، خرجت الأهرام بتغطية خاصة لاغتيال دكتور فرج فودة تحت عنوان «اغتيال المفكر فرج فودة بأيدى تنظيم الجهاد»، مشيرة إلى وقائع التربص بالمفكر المصرى ومرافقيه وإطلاق النار عليهم مساء يوم الثامن من يونيو بالعام ذاته. وكانت واقعة الاغتيال بداية لجدل مجتمعى واسع حول حتمية وضع التشريعات اللازمة لمواجهة الإرهاب، والتى طالب بها فودة قبل أيام من اغتياله واعتماد «المناقشة» وليس « الرصاص» كسلاح لإدارة الخلاف، وفقا لتصريحات الأديب الكبير نجيب محفوظ والتى نقلها الأهرام فى العاشر من يونيو تعليقا على جريمة الاغتيال.


فوده بصحبة ابنته

 

لقى المفكر المصري مصرعه عن عمر 47 عاما، وهو من مواليد الزرقا محافظة دمياط. كان استاذ اقتصاد زراعى بجامعة عين شمس، ويدرج اسمه ضمن أبرز المتصدين للدفاع عن قضايا الوحدة الوطنية وحرية الرأي. ناقش فى مؤلفاته العديدة قضايا الفكر المتطرف، ومنها «الحقيقة الغائبة» و«بعد السقوط». ومارس نشاطا حزبيا من خلال حزب «الأحرار»، ثم «الوفد»، والذى استقال منه عام 1984 إثر خلاف مع رئيس الحزب وقتها فؤاد سراج الدين. كان من أواخر أنشطته الحزبية، شغله منصب وكيل مؤسس لحزب المستقبل. وشارك فى تشكيل اللجنة المصرية للحفاظ على الوحدة الوطنية، وذلك قبل شهر واحد من اغتياله. التزم فودة بنشر مقالات بعدد من الإصدارات، وكان للصحافة القومية، والأهرام تحديدا، نصيب من كتاباته. ومن أبرز ما نشره «الأهرام» لفودة كان مقالا بتاريخ 22 يوليو 1985، تحت عنوان « ومازال الحوار مستمرا»، وناقش فيه ما ورد بمؤلف ظهر للشيخ عمر عبد الرحمن نهاية الثمانينيات، مفندا آراءه حول دور الدولة وعلاقة الشعب بعملية الحكم،وجاء نص المقال كالتالي:

 


ابناء المفكر الراحل عقب رحيله

 

استعراض مؤلف عمر عبد الرحمن

«هذا نداء إلى رؤساء الأحزاب فى مصر، والمشتغلين بالسياسة فيها. لكى يقرأوا كتابا فاخر الطباعة رخيص الثمن، أصدره الشيخ عمر عبد الرحمن وعرض فيه مرافعته فى قضية الجهاد. حتى يدرك الجميع أن هناك وجها آخر لمصر، لا يراه إلا الشيخ وجماعته، الحكم فيه حكم الجاهلية والشريعة شريعة الهوي. والمنهج منهج العبودية. والحكام فيه كافرون ظالمون فاسقون. والقوانين فيه وضعية وأمرها (واضح وضوح الشمس وهى كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة، ولا عذر لأحد ممن ينتسب إلى الإسلام كائنا من كان فى العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها. فليحذر امرؤ نفسه وكل امريء حسيب نفسه) ص 74.

 


معاينه موقع جريمة الاغتيال

 

وخوفا من أن يرد عليه بأن أغلب القوانين مطابقة للشريعة أو مستمدة منها، فإنه يتحسب بقوله (أن تجزئة الشريعة تطبيق بعضها وترك بعضها فعل باطل من يفعله يكون مرتدا) ص 117. وهكذا لا يملك السائل إلا أن يضع يده على فمه، خوفا من أن يفلت منه تساؤل عن حكم الشيخ على ما فعله الخليفة عمر من تعطيل لحد قطع يد السارق فى عام المجاعة أو منعه لتوزيع سهم المؤلفة قلوبهم رغم ورود النص القرآنى الصريح.

وما للسائل لا يخشى أو يخاف، وقد أعلن الشيخ بصراحة ووضوح أن منهجه هو «القتال لإعلاء كلمة الله فى الأرض واقرار منهجه فى الحياة، وحماية المؤمنين به أن يفتنوا عن دينهم أو أن يجرفهم الضلال والفساد» ص 123، وهو لا يترك بابا مفتوحا للكلمة، ولا مجالا مسموحا به للموعظة الحسنة، ولا طريقا ممهدا للجدال بالتالى هى أحسن، ولا سبيلا متاحا لحوار العقل والمنطق. بل تنطلق من فمه الكلمات هادرة كالرعد (لابد للمد أن يفيض ولابد للسدود أن تنهار ولابد للقردة أن يغمرهم الموج والركام. وعندئذ فلتنزل سور قرأنية فى الجهاد وتسمع دمدمة الآيات ومن ورائها فرقعة السلاح تضرب السيئة بالسيئة وتعالج الغدر بالقصاص. تصب النقمة على المتلاعبين بالدين وتكيل لهم الضربات على نحو يثير الرعب فى القلوب، تحدد موقف الإسلام الحاسم من أعدائه تعلن الحرب على الأحزاب المريبة، وتنظف الجو من آثار الشرك والمشركين ومفاسد أهل الكتاب وذبذبة المنافقين، ترسم للمسلمين ما يتخذونه أساسا لدولتهم ومنهجا لدعوتهم) ص 123، 124.

 


وفى اثناء تمثيل الجريمه

 

وهكذا تستحيل دعوة الاسلام السمح على يد الشيخ إلى مد يفيض، وموج يغمر، وآيات تدمدم، وسلاح يفرقع، ونقمة تصب، وضربات تكال، ورعب يثار، وحرب تعلن، ويصبح المعارضون لمنهجه قردة غارقين، وسدودا منهارة، مذبذبين ومشركين مفسدين. وباختصار شديد كفرة، يلزم قتالهم ويستحل قتلهم. وباب الكفر واسع فى رأى الشيخ، فما أسهل أن يحمل أى اعتراض على آرائه على محمل التكذيب أو الإعراض أو النفاق أو الشك أو الاستهزاء أو الاستكبار وكلها كلمات مطاطة تتسع لكل شيء وأى شيء. واقراءوا معى كلمات الشيخ (من أتى بكفر أكبر أكان كفر تكذيب أو اعراضا أو نفاقا أو شكا او استهزاء أو استكبار، من أتى بأى واحدة من هذه فقد نقض إيمانه من أصله وخرج من ملة الإسلام) ص 130، ولا يكتفى الشيخ بحديث الدين والعقيدة، وإنما ينتقل إلى حديث السياسة معلنا أن (الشعب ليس له سيادة ولا هو مصدر للسلطات، كما جاء فى الدستور وهذا يعرفه الكبير والصغير بالضرورة من الدين، ويبرأ الاسلام من النظام الديمقراطى بمعنى حكم الشعب للشعب بالشعب فهذا معناه أن الحاكمية للشعب وليس لله) ص 147.

والرجل يربأ من أن يتساوى المسلمون مع غيرهم من أصحاب الكتاب، فإحدى جرائم السادات فى رأيه (أن هذا الرجل جعل أحفاد القردة والخنازير من الضالين الذين كفروا بربهم ونعتوه بصفات النقص، مثلهم كمثل المسلمين، بل اتخذهم أولياء وأصدقاء وأحبابا) ص 150. وجريمته الكبرى التى أخرجته من ملة الاسلام انه (قال - فض فوه - جملته المشهورة لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة فخلع بذلك ربقة الاسلام من عنقه) ص 151.

تحذير من التجاوز بلا رد

أن العرض السابق لما يتضمنه الكتاب يثير مجموعة من الملاحظات أوجزها للقاريء فيما يلي:أولا: أليس من الواجب علينا أن نتعظ من درس كتاب (الفريضة الغائبة) الذى أصدره محمد عبد السلام فرج، ولم يجهد واحد من رجال السلطة أو الدين أو الفكر أو السياسة نفسه بعناء الرد عليه، وعندما تنبه الجميع كان الوقت متأخرا، وكانت كلمات الكتاب قد تحولت إلى رصاص، وكان عدد ضحاياه من القتلى والجرحى فى حادثتى المنصة وأسيوط يكاد يقترب من عدد قرائه المحدودين.إننى لا أدعو إلى منع النشر أو المصادرة، فهذا مرفوض بمنطق الديمقراطية التى نقبل بها جميعا، لكنى فى نفس الوقت أرى أنه من الخطر الشديد أن يترك هذا الفكر بلا رد، ورغم اقتناعى بان القضية كلها سياسية فإن ما ورد بشأن تكفير المسلم والحكم بإرتداده، وخلعه من ربقة الاسلام وتجهيل المجتمع، ورفض موالاة أهل الكتاب يحتاج إلى رد من المتخصصين فى الدين، ويترتب على ذلك إحدى نتيجتين، أما أن تكون جماعة الشيخ ومعتنقو آرائه ممثلة للاسلام الصحيح، ونصبح نحن جميعا من المسلمين المؤمنين بسماحة الاسلام وقدرته على استيعاب جميع متغيرات العصر خارجين على صحيح الدين، واما أن يصبح الشيخ وجماعته خارجين على أصول العقيدة السمحاء، أو على أحسن الفروض مجتهدين أخطأوا فى اجتهادهم ولهم أجر الخطأ. وفى هذه الحالة يصبح منع الشيخ من ارتقاء المنبر لبث دعواه والانتقال من مسجد إلى مسجد داعيا للثورة والتكفير واجبا دينيا قبل أن يكون مسئولية سياسية.

ظاهرة الإرهاب .. مسئولية مشتركة

ثانيا: أن مسئولية مواجهة الإرهاب ليست مسئولية الحكومة وحدها، بل هى مسئوليتنا جميعا وهى واجب قومى يجب أن يشارك فيه الجميع بل اننا يجب أن نسلم بأننا بدون قصد قد شاركنا جميعا فى نمو هذه الظاهرة، لقد شاركت فيها بعض قيادات الأحزاب حين وصفت حوادث الاغتيال السياسى بالبطولة واسمت قادتها شهداء وابطالا، وارتفعت بعض الأقلام فيها منادية بالدولة الدينية على أنها الحل الوحيد، وأنا أدعو هؤلاء جميعا إلى قراءة الكتاب حتى يدركوا أنهم سوف يكونون أولى الضحايا لما يدعون إليه. وشاركت فيها وسائل الإعلام حين حولت حادث اغتصاب إلى قضية قومية، وبدلا من أن ينشر الخبر فى سطرين أو ثلاثة مشيرا إلى أن (ستة من الشبان قد اعتدوا على فتاة كانت تجلس فى سيارة خطيبها فى أحد الشوارع المهجورة فى المعادى وقد اثبت الطب الشرعى انها عذراء) بدلا من نشر الخبر بهذه الصورة التى لا تثير أحدا ولا تلفت انتباها، تبارت الأقلام فى وصف أدق التفاصيل ومتابعة المحاكمة واثارة الشعور العام بصورة لم يسبق لها مثيل. وقد جارتها بعض صحف المعارضة فى ذلك، الأمر الذى أثار الكثير من الشك فى أن ذلك كان مقصودا، خاصة أنه كان يسبق مناقشة قوانين الشريعة فى مجلس الشعب. الأمر الذى طرح تساؤلا عن إمكانية أن يكون ذلك كله محاولة لقيادة الرأى العام إلى نتيجة غير صحيحة، وهى قصور القوانين الوضعية،، (ويعلم المتخصصون أنها مستمدة من مباديء الشريعة الإسلامية)، وعجز الدولة (المدنية) عن حماية مواطنيها.. أن تهويل الأمور وليس تصويرها يعطى جماعات الإرهاب أقوى أسلحتها وهو سلاح التكفير والحكم على المجتمع كله بالجاهلية والخروج على الدين، بينما الأمر كله أمر أخطاء تحدث فى أى مجتمع وفى كل زمان، ولا يستطيع احد ان يعطى لنا مثالا عن مجتمع تحول أفراده إلى ملائكة.

ثالثا، أن الكتاب تتصدره مقدمة وينتهى بخاتمة، وكل من المقدمة والخاتمة موقع بإمضاء (الجماعة الإسلامية)، وهى ذاتها جماعة الجهاد التى شاركت الشيخ فى السجن والقضية، والمقدمة تعلن بلا مواربة أن أفراد الجماعة يدينون للشيخ بالولاء ويعملون تحت رايته، وهو الأمر الذى اجتهد الادعاء فى القضية لإثباته دون جدوي، بينما تطرح الخاتمة برنامج هذه الجماعة فى عبارات شديدة العمومية والإغراء فى آن واحد. وهذا كله يطرح تساؤلا مباشرا عن مدى شرعية هذه الجماعة التى تصدر بيانا وتنشر كتابا، وإذا لم يكن نشاط الجماعة جزءا من اطار الشرعية فى المجتمع، فلماذا إذن هذا الكم الهائل من القوانين المنظمة لتكوين الأحزاب السياسية والجمعيات الاجتماعية والدينية واصدار النشرات والصحف.

 


 

اننا يجب أن نكون واضحين فى هذا الأمر، علينا أن نقبل الحوار فى ظل الشرعية مهما تجاوز أو اختلفنا معه، وعلينا فى ذات الوقت أن نرفض الحوار خارج اطار الشرعية مهما تعاطفنا أو اتفقنا معه، أما إذا تحولت الكلمات إلى رصاص، والعقيدة إلى انفجارات فانه من الواجب علينا جميعا أن نؤيد المواجهة بأقصى درجات العنف والحسم الرادع دون مزايدة أو تحسب، لأن الأمر فى هذه الحالة أمر أمن للمجتمع، وأمان للمواطنين. وهذا الخيط الرفيع هو الذى يفصل تماما بين منطق الدولة المتحضرة وهو ما نقبل به، وبين منطق الغابة وهو ما يجب أن لا يقبل به أحد.

.. فاننى أرجو أن أكون قد أبلغت الرسالة ونبهت إلى الخطر، وتبقى الكلمة الأخيرة موجهة منى إلى الشيخ عمر.. أن دمدمة اسلحتك وفرقعة قنابلك ايها الشيخ الجليل لا تخيف أحدا، ولا تمنع مواطنا من أن يرد عليك دون أن يخشى اتهامك له بالكفر والارتداد، فالإيمان يا شيخنا الجليل ليس صكا يصدره الشيخ عمر، ولا شهادة تصدر من الجماعة الاسلامية ومادمت قد طرقت حديث السياسة وسلكت سبيل الوصول إلى الحكم، فسوف يكون لى معك حديث طويل فى مقال قادم، وسوف تكون أداتى فيه شيئا لم أجد له أثرا فى كتابك المثير، ولعلى لا أكشف سرا إذا ذكرته لك، أنه المنطق والحوار الهاديء والدعوة بالتى هى أحسن».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق