رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

جدل الماء والسياسة.. ثمن العطش!

نشبت معركة قبل 4500 عام بين مدينتى (لكش) و(أمة)، فى منطقة بين النهرين بالعراق، حيث ذبح إياناتم حاكم لكش60 جنديا من أُمة، بسبب محاولتها سرقة المياه من لكش والسيطرة عليها، استمرت المعركة إلى أن توصلتا لمعاهدة أنهت الحرب ونظمت أنصبتهما من المياه دون جور، وتم تدوين ذلك فى لوح مسمارى، مازال محفوظا بمتحف اللوفر، يحكى قصة النزاع على الماء بين الدولتين/المدينتين وصولا إلى الاتفاق.

وفى عام 1992، كادت المجر وتشيكوسلوفاكيا السابقة أن تدخلا فى مواجهة عسكرية، بسبب التنازع على نهر الدانوب، ومازالت تركيا تمارس الهيمنة على الفرات ودجلة، عن طريق مشروع سدود جنوب الأناضول، حارمة سوريا من 40% من مياهها والعراق من 70%، بعد أن أسهمت أنقرة فى تدمير الدولتين بجماعات الإرهاب مثل داعش وغيرها.

تحتل قضية المياه أهمية قصوى فى استراتيجيات دول العالم، نظرا لخطورتها وتأثيراتها، فالماء هو أهم عناصر الأمان السياسى والاقتصادى والاجتماعى لأى دولة، خاصة أن تقارير الأمم المتحدة تحذر من أن العالم سيعانى نقصا فى المياه بنسبة 40%، خلال 15 عاما المقبلة، ما يؤدى إلى نتائج وخيمة، كالفشل فى إنتاج المحاصيل، وتوقف الصناعة وتزايد الفقر والأوبئة، ونشوب نزاعات حول الماء، الاستنتاج نفسه توصلت إليه كارين بايبر الأستاذة بجامعة ميسورى الأمريكية التى درست نزاعات المياه بقارات العالم، وأصدرتها فى كتاب «ثمن العطش، ندرة المياه والفوضى القادمة» فالطلب العالمى على المياه سيزيد 55% بحلول 2050، ويزيد الأمر تفاقما ضغوط مؤسسات التمويل الدولية على الدول لخصخصة المياه باعتبارها سلعة، وقامت الشركات المتعدية الجنسية بالتحكم فى تعبئة المياه وتوزيعها فى زجاجات، بل إن موارد المياه قد تصبح أهدافا ثمينة للجماعات الإجرامية، يصور أحد أفلام جيمس بوند، «قدر من العزاء» (كوانتم أوف سولاس) مواجهة مع منظمة شديدة الخطورة تسعى لفرض هيمنتها على العالم، عن طريق السيطرة على موارد المياه.

تتشارك 148 دولة أنهارا عابرة للحدود، تمثل بؤرا قابلة للاشتعال أو التعاون، فى حوض النيل أسهم النهج الإثيوبى، فى مفاوضات سد النهضة، مع مصر والسودان، برفع منسوب التوتر، إذ تواصل التعنت والمراوغة، تتعامل مع المفاوضات كبحار مخمور فى ملهى ليلى، كأن النيل الأزرق نهر داخلى، تصر على التنكر لما تم التوافق عليه فى واشنطن، بعدما تفلتت من توقيع الاتفاق، بل إن سيليشى بيكيلى وزير المياه قال أمام مؤتمر للأحزاب الإثيوبية- لحشد الجماهير خلف الحكومة فى قضية السد- إن بلاده لا تقبل بالحقوق التاريخية لمصر فى النيل، ولم يفته أن يؤلب بقية دول الحوض أيضا، هكذا تطلق أديس أبابا ضربة البداية فى تحويل حوض النيل لساحة توتر، خاصة أن أراضى شرق السودان شهدت عدوانا من العصابات المدعومة من الجيش الإثيوبى، بما يعكس أطماع إثيوبيا التى لن تتوقف فى أراضى السودان ومياه مصر والتى تعتمد على النيل فى تلبية 97% من احتياجاتها، تطبق إثيوبيا (مبدأ هارمون) بمعنى الاستخدام غير المقيد لمياه النهر، وتقدم تفسيرا مختلا لمبدأ الاستخدام (المنصف والمعقول) للأنهار المشتركة، رغم أن المبدأ نفسه مقيد، ولا يسمح بالاستغلال غير المقيد للمياه!، هكذا تخالف إثيوبيا قوانين المياه الدولية، وما تنطوى عليه من قواعد ومبادئ والزامات، وتقاطعات ذلك مع اتفاقيات 1902 و1959 وإعلان المبادئ عام 2015، وهى تغض النظر عن قواعد هلسنكى لتفسير حقوق المياه بين الدول. وللخبير السودانى العالمى الدكتور أحمد المفتى عضو اللجنة الفنية لسد النهضة (المستقيل) دراسات تدحض الحجج الإثيوبية بهذا الشأن، أما كعب أخيل السد فهو التكتم الإثيوبى على آثاره البيئية والاجتماعية والاقتصادية الخطيرة على دولتى المصب، ناهيك عن إمكانية انهياره.

هنا نقفل القوس، لنقول إن النيل يجرى لمصر قبل آلاف آلاف السنين، وحقوقها المكتسبة راسخة وفقا لأى شريعة أو قانون، وإن كانت القاهرة تعانى إجهادا مائيا شديدا، فإنها تفهمت حاجة أديس أبابا للتنمية والكهرباء ووافقت على بناء السد، أما سياسة «افقر جارك» التى تتبعها إثيوبيا مع دولتى المصب فلن تزيد الموقف إلا تصعيدا، رغم ذلك يظل الحل القائم على المنفعة المتبادلة ممكنا، وفقا لمبدأ عدم الإضرار. وإذا كانت لكش وأمة استطاعتا الوصول لاتفاق، فالمنطقى أن تتمكن الدول الثلاث من ذلك، فلا مشكلة لنا مع رفاه الشعب الإثيوبى لكن مصر لن تقبل بأى كيفية الموت عطشا مع سبق الإصرار والترصد.

[email protected]
لمزيد من مقالات د. محمد حسين أبوالحسن

رابط دائم: