شهدت الشهور الأولى من عام 2020 استخدامًا مُكثفًا للطائرات الدرون المعروفة باسم الطائرات المسيرة، أو الطائرات دون طيار أو الروبوتات الطائرة فى مكافحة انتشار وباء كورونا. فكان لها دورها فى كثير من دول العالم فى رصد الأفراد المخالفين لقرار حظر التجول والمحلات المخالفة لقرارات الاغلاق ورصد التجمعات التى تجاوزت الأعداد المُقررة فى الحدائق والشواطئ خصوصًا فى المناطق البعيدة والنائية، واستخدمت أيضًا لإعلام الأفراد فى الشوارع والميادين بالإجراءات الاحترازية من خلال مكبرات الصوت المثبتة فيها.
أضافت الدرون بذلك بٌعدًا جديدًا لاستخداماتها المتعددة والمتناقضة والغريبة، والتى كان منها فى عام 2019 قيام طائرة درون بتوزيع لفافات مخدر الماريجوانا على المساجين من خلال نوافذ زنازينهم فى أحد السجون الأمريكية. ومنها استخدامها بواسطة شركة البريد السريع DHL فى المانيا لنقل الرسائل والطرود، واستخدمتها شركة أمازون لتوصيل بعض منتجاتها. واستخدمها المعارضون للرئيس الفنزويلى مادورو فى محاولة اغتيال فاشلة له عام 2019 بينما نجحت المخابرات الامريكية فى يناير الماضى فى توظيفها فى عملية اغتيال قاسم سليمانى قائد فيلق القدس الإيراني.
وطائرات الدرون هى طائرات صغيرة الحجم يتم برمجتها وتوجيهيها عن بعد، أى انها تطير بدون طيار ويتم توجيهيها والتحكم فيها من خلال برنامج الكترونى يحدد المسار الذى تسلكه الطائرة حتى تصل إلى هدفها وتقوم بالمهمة المكلفة بها مع إمكانية تدخل مشغلها. وتتنوع أحجامها من الميكرو درون والمينى درون إلى الأكبر حجمًا الذى يُستخدَم فى الاغراض العسكرية.
تصدرت الولايات المتحدة صناعة الطائرات الدرون حتى السنوات الأولى من هذا القرن. وفى عام 2010، كشفت الصين عن دخولها هذا المجال وأعلنت أنها صممت وأنتجت نماذج متعددة منها، وأصبحت اليوم أكثر الدول تصديرًا لها. وترافق مع ذلك سباق بين الدول لتطوير تكنولوجيا صناعة هذا النوع من الطائرات حتى وصل عددها إلى نحو 80 دولة من أبرزها فى منطقة الشرق الأوسط: إسرائيل وتركيا. ولم تكن مصر بعيدة عن هذا السباق العالمى فهى تنتج طائرات درون مثل قائد وهرم والتى تم عرضهما فى معرض الصناعات الدفاعية والعسكرية (ايديكس) عام 2018، كما تقوم بتصنيع طائرة درون 209 بالتعاون مع الصين.
لقد اكتسب هذا النوع من الطائرات أهمية متزايدة فى العقدين الأخيرين، وذلك للسمات التى تتمتع بها، فهى تحلق فى كل مكان وتجوب السواحل والغابات والصحاري، وتقوم بتصويرها بشكل أدق من الأقمار الصناعية وتبثها بشكل سريع. وهى رخيصة الثمن فأسعار الانواع البسيطة منها تقل عن ألف دولار ويزيد إلى الملايين بالنسبة للطائرات الأكبر والاكثر تعقيدًا وهى خفيفة الحركة ولديها قدرة أكبر على المناورة، ويمكن اطلاقها من أى مكان، ثم إنها موفرة للطاقة، وصديقة للبيئة، وليس من السهل رصدها وتعقبها ويمكن تطوير قدرتها العسكرية والمدنية وفقًا للمهمة التى تقوم بها. ثم إنها تطير بدون طيار فلا تعرض حياة قائدها للخطر. ولهذا استخدمت الحكومات والشركات هذا النوع من الطائرات فى كل مجالات الحياة.
ففى مجال الزراعة والأمن الغذائي، تقوم ببذر البذور، وتحليل التربة من خلال أجهزة الاستشعار التى تحملها لتحديد الكميات المطلوبة من المياه والأسمدة، ومُكافحة الآفات، وتلقيح أشجار النخيل العالية.وفى مجال البيئة، تقوم بأعمال المسح التصويرى وجمع بيانات عن الأرض، ورصد حرائق الغابات وتحديد المناطق الأكثر خطورة أو تلك التى يوجد بها سكان لم يتمكنوا من مغادرة مساكنهم، والمساعدة فى رصد حركة واتجاه الأعاصير والفيضانات، وقياس درجات الحرارة على ارتفاعات مختلفة فى المناطق النائية والبعيدة عن العمران ومتابعة المحميات الطبيعية للتأكد من عدم وجود انتهاكات للقواعد التى تنظم زيارتها والغوص بالقرب منها.
وفى مجال الأمن، تقوم بعمليات الرصد والاستطلاع وجمع المعلومات، ومراقبة الحدود وبالذات بالنسبة للدول التى لها حدود طويلة فى مناطق صحراوية غير مأهولة بالسكان، ورصد العابرين لها بشكل غير قانوني، وتتعقب أنشطة المخدرات والسلاح والاتجار بالبشر وتحركات التنظيمات الإرهابية، أما بالنسبة لتهريب المخدرات فقد استخدمتها العصابات الإجرامية لنقل المخدرات عبر الحدود والتعرف على أماكن تمركز قوات الأمن واستخدمتها الحكومات لمكافحة عصابات التهريب. كما تقوم برصد عمليات الاستيلاء ووضع اليد على أراضى الدولة.
وفى مجال الترفيه والتسلية، كانت الأنواع المبسطة من هذه الطائرات تعتبر من الألعاب التى يتسلى بها الشباب ويتبارون فى قدراتهم على التحكم فى سرعتها وتوجيهها وكان من الممارسات المعتادة لسنوات طويلة استخدام منطقة مطار إمبابة القديم فى القاهرة لإطلاق هذه الطائرات، وتنافس مشغلوها فى توجيهها والتحكم فيها. واستخدمها المخرجون فى تصوير الأفلام السينيمائية فى المشاهد التى تتطلب التصوير من أعلي. ومن استخداماتها الحديثة تصوير المباريات الرياضية خصوصًا الاستادات التى تقام عليها مباريات كرة القدم وتُبث لحظيًا فى القنوات التليفزيونية.
ومع ذيوع الاستخدامات الاقتصادية والتجارية لهذه الطائرة والتخوف من استخدامها من قبل العصابات الإجرامية والتنظيمات الإرهابية، قامت الحكومات بإصدار القوانين المنظمة لامتلاك الطائرات الدرون التى تُستخدم لأغراض مدنية وقواعد تشغيلها وتسجيلها لدى الجهات الرسمية.
يبقى القول إن الجيوش هى أكثر الجهات امتلاكًا لهذا النوع من الطائرات وأنها تستخدمها فى كثير من الاغراض العسكرية وهذا يحتاج إلى تحليل آخر.
لمزيد من مقالات د. على الدين هلال رابط دائم: