رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الأديب «سمير الفيل»: أنصت لحكايات الناس وأرصـد أحـزانهم وأفراحـهم

د . السيد الزرقانى;

  • مهمة الكاتب أن يتأمل الـحياة ويؤمن أن لها قانونها الـحاكم رغم أنها تبدو من بعيد عبثيـة

 

  • كنت دائما منحازا للبسطاء ومنهم أستقى مادة نصوصى القصصية كما أنحاز للفكر المستنير وأرفض الرأسمالية المتوحشة

 




لأنه كاتب متعدد المواهب، لديه حدس قوى بفكرة عنفوان النص، وقدرته على تغيير الواقع والارتقاء ببنيته الجمالية والفكرية. بدأ شاعرا إبان حرب الاستنزاف «1969 ــ 1970» ثم طرق باب الرواية فى عمل عمدة فى مجاله هو «رجال وشظايا» 1974، بعدها ألقى بثقله فى مجال القصة القصيرة، فأنجز 18 مجموعة قصصية، حاز على جائزة الدولة التشجيعية عن مجموعته «جبل النرجس» 2016. أسس مجموعة «أدباء ضد التلوث» سمير الفيل شارك 2011 فى جمع التراث اللامادى لحوض البحر المتوسط لمصلحة منظمة اليونسكو.

وقضيته التى تشغله دائما هى «العدالة الاجتماعية»، لذا فهو ينصت لحكايات الناس ويرصد أحزانهم وأفراحهم.



فى البداية سألته: تجربتك الأدبية متنوعة وثرية ما بين الشعر، والرواية، والقصة، والمسرح والنقد، أيها وجد الأديب سمير الفيل نفسه فيها؟

كانت بدايتى مع شعر العامية فى أجواء حرب الاستنزاف حين قدمنى شيخ أدباء دمياط فى مقهى شعبى لإلقاء قصيدة «أنا والناس» بعدها التقيت عبدالرحمن الأبنودى الذى حضر مع الملحن إبراهيم رجب بعوده ليقدما ثلاث أمسيات فى فارسكور ودمياط وكفر البطيخ. فى قرية كفر البطيخ قدمنى الأبنودى فألقيت ثانية قصائدى واستمعنا لأغنية «يا بيوت السويس» بعود الملحن. لا أستطيع التعبير عن شعورى الوطنى حين تجرأت على قول الشعر فى حضرة الكبار، لكن يبدو أنها كانت مرحلة استقطبت اهتمام الناس لكى يكون الفن فى خدمة المجتمع. أذكر أنه فى العام نفسه عقد المؤتمر الاول للأدباء الشبان بالزقازيق، وفيه حصلت على شهادة تقدير وعمرى 18 سنة.

القصة القصيرة جاءت بعد ذلك فقد حصدت ثلاث جوائز أولى على مستوى مصر بدءا من سنة 1974 عن قصص: «فى البدء كانت طيبة»، و«العصا والخوذة» و«كيف يحارب الجندى بلا خوذة؟».. وقد عرفت وقتها بأديب الحرب. تقدمت خطوة بكتابة واحدة من أوائل روايات حرب أكتوبر هى «رجل وشظايا» عن مسار العمليات فى جبهة القناة، وقد أخذت معلوماتى عن صديقى الشاعر مصطفى العايدى الذى حارب فى الأنساق الأولى للعابرين، وهو ما زال حيا يرزق.

أجد نفسى بعد هذه المسيرة أقرب ما أكون لدائرة القصة القصيرة، فأنا أنصت لحكايات الناس وأرصد أحزانهم وأفراحهم وأكتب عن الجوانى، الداخلى، السرى، الذى لا يكاد يرى.

لكل كاتب قضية يحاول الوصول بها إلى وجدان وعقل القارئ فما هى قضيتك الأولى؟

مرة كنت أسير فى شوارع مدينتى دمياط إلى جوار الروائى الكبير صبرى موسى، وسألته بخفة ونزق عن مطلبه من الحياة. نظر إلى مليا وقال فى عبارات قصيرة: تختلف المتطلبات مع كل مرحلة من مراحل حياة الإنسان.

سأستفيد من مقولته فأقول: بالنسبة لى أرى أن القضية المحورية التى سيطرت على تفكيرى فى بداياتى هى «الحرية»، وقد وجدتها قضية مهمة ليشعر الفرد بقيمة الحياة.

فى مرحلة تالية وبعد اقترابى من سنوات الشباب صارت قضيتى الأولى هى «العدل الاجتماعى»، وأعتقد أنها قضية ملحة فى نصوصى القصصية التى أعالج فيها قضايا الناس وهم يبحثون عن لقمة الخبز فى مسار مواز للبحث عن الحب وتقدير الآخر.

فى المرحلة التى أعيشها الآن أبحث بصبر ودأب عن طمأنينة النفس وعن اليقين فى مسارات الحياة التى تخفى عنا متاعبها حتى بت قادرا على التسامح مع أخطاء الآخرين، أيضا التسامح مع ذاتى فأنا شخص كثير الأخطاء ولدى هاجس أن الإنسان «خلق فى كبد» وعليه أن ينتشل نفسه من المكائد والرزايا وقلة الزاد.

ما هى المقومات التى تساعد على نجاح الكاتب فى ظل هيمنة وسائل التواصل على حياة الجميع؟

فى كل وقت هناك عناصر تحفز على نجاح الكاتب فى مسيرته، أنا عن نفسى غير مقتنع تماما بما قدمته حتى لحظتنا الراهنة ومن مقدمات الكتابة الناجحة أن تتسلح بالصدق الفنى، وأن تنحاز للإنسان فى كل تطلعاته المرتقبة ليحصل على قطعة خبز وزجاجة دواء وسقف يمنع عنه المطر والانواء. من الضرورى أن يكون لدى الكاتب قدرة على الوعى بحقائق الأشياء، وأن يتضمن النص الأدبى الذى يشتغل عليه خطابا ما، بالإضافة إلى أن يفهم إن كان قاصا أو روائيا طبيعة الشخصيات التى يتعامل معها، فى ذات الإطار عليه أن يسير مع الأحداث ولا يلوى عنق نصه ليمضى فى طريق يفترضه. بمعنى آخر، أن عليه مسئولية التحرر من الضجة الإعلامية التى تحيط به وأن ينزع إلى الاستقلالية وأن يتأمل الحياة، ويؤمن أن لها قانونها الحاكم رغم أنها تبدو من بعيد عبثية إن لم نقل عدمية.

كيف يرى الأديب «سمير الفيل» الحركة الثقافية فى مصر والوطن العربى؟

هذا سؤال صعب ومركب. لكن دعنى أحاول الإجابة عنه. لن يكون لدينا أدب حقيق وأصيل إلا برفع الرقابة عن قلم الكاتب، لا أقصد فقط الرقابة المرتبطة بالسلطة بل ان هناك رقابة أصعب يقوم بها المجتمع المحافظ تارة وبعض رجال الدين تارة أخرى، ناهيك عن الرقابة الداخلية والأخيرة تسلب الكاتب حريته وتجعل أفقه التخيلى فى غاية المحدودية. أنا شخصيا أكتب وأنا مسور بتلك الظلال القاسية، مرة أنجو، ومرة أقع فى حبائل سوء الظن.

مبدئيا يمكننا القول إن الحروب والصراعات والقلاقل همشت دور الثقافة، وقللت من تأثير الأدب، وستمضى سنوات طويلة قبل أن يتم رأب الصدع، لكننى أتوقع أن تنهض المراكز الثقافية المؤثرة لتنشيط دورها التنويرى وهي: القاهرة، بيروت، بغداد، دمشق، تونس، وإلى حد ما عواصم الخليج الثقافية: الدوحة، أبوظبى، الرياض، الكويت، المنامة.

أحب أن أشير إلى أهمية مشاريع الترجمة وخاصة فى القاهرة «المركز القومى للترجمة» وأيضا فى عواصم المغرب العربى، والخرطوم. لدينا كوادر بشرية متميزة تحتاج فقط لإعادة ترتيب الأولويات مع وضع خطط ثقافية ممكنة التنفيذ.

يقول البعض إن الحركة الثقافية الآن أصبحت خارج سيطرة مؤسسات الدولة من حيث الاتجاهات والنشر، ما مدى صحة تلك الرؤية؟

سأتحدث عن تجربتى فى مصر، وهى التى أعلم تفصيلاتها، ما زال دولاب العمل فى الهيئة العامة للكتاب وفى هيئة قصور الثقافة متوازنة حيث تصدر كتبا رخيصة وفى متناول يد الجميع ويحصل الكاتب على مكافأة مجزية وعدد مناسب من كتابه الصادر. إلى جانب بعض الدور المرموقة التى تنشر الكتب المهمة فى أزمنة قياسية ولكنك مطالب بالدفع، وستتحمل «الفاتورة» كاملة. هناك أيضا النشر فى دور «تحت بير السلم» حيث الفوضى والعشوائية واختلاط المفاهيم. كل هذا يحدث فى سوق واحدة، وأتصور أننى زرت فى أوقات متقاربة، معارض الكتب فى الشارقة والقاهرة ودمشق، فوجدت نهضة حقيقية فى مجال النشر، لكن المواطن العادى لن يترك الرغيف ويذهب ليشترى الكتاب، ناهيك عن «غول» القنوات الفضائية الذى يسرق الوقت مثلما يسرق العمر.

بالأمس كانت القاهرة «مصر» تقود حركة الثقافة فى المنطقة العربية وتراجعت الآن لمصلحة مناطق أخرى، فما أسباب ذلك من وجهة نظرك؟

لست معك فى هذا التصور، فلو أنك زرت معرض الكتاب الأخير فى القاهرة لفطنت لوجود حركة نشر هائلة، تواكبها أنشطة حية لكتاب قادمين من كل انحاء الوطن العربى. أعرف خالد الجبور من فلسطين عن طريق شبكة الإنترنت، تعرفت عليه وجها لوجه فى المعرض الأخير، كما التقيت أدباء من السعودية والكويت وسوريا. ربما نشطت بعض المراكز غير التقليدية كدبى والشارقة والرياض وجدة والمنامة والدوحة وهذا بسبب الرصيد النفطى الذى يدعم الثقافة ويجعل من الممكن شراء كتب فى ظل وجود دخل مرتفع.

شهدت المنطقة العربية تغيرات سياسية عديدة كيف رصدها الكاتب «سمير الفيل»؟

رصدت تلك التحولات فى مجموعاتى القصصية الأخيرة، وهى على التوالى: «الأستاذ مراد»، «أتوبيس خط 77» و» حذاء بنفسجى بشرائط ذهبية». التحولات التى حدثت فى المنطقة لم تؤد إلى ارتقاء الفكر و السلوك بل ظهرت تشققات وانقسامات وتشظ فى هذا الواقع الذى ينزع عن المواطن العادى قدرته على اتخاذ القرار.

لقد انتهيت منذ عامين من إنجاز روايتين عن أحداث ثورة 25 يناير 2011، الروايتان، هما «نظارة ميدان» و «ابتسامة يناير الحزينة» ولسبب مادى لم أتمكن من طباعة العملين على نفقتى، ولسبب رقابى لم توافق دور النشر الحكومية على النشر وأنا متفهم للظروف والضغوط. لكننى قمت بتشريح المجتمع المصرى من خلال الأحداث التى وقعت، ثم إننى انحزت كليا للثورة التى يبطش بها كثير من المسئولين.

عاصرت انتفاضة المصريين فى 17و 18 يناير 1977 وكذلك أحداث 25 يناير 2011 كيف قارنت بينهما، وما هو موقفك من كل منهما؟

أحداث 17 و18 يناير حركة احتجاجات جاءت بعد زمن الانفتاح وتم قمعها ولكنها أيضا كشفت عن الخطأ الاستراتيجى للسادات حين سمح بالعمل السياسى للجماعات الإسلامية فسقط هو نفسه يوم العرض العسكرى فى أكتوبر 1981 ووقعت أحداث دامية فى أسيوط. كانت «ثورة للجياع» وتم احتواؤها بسرعة عبر التخلى عن القرارات الاقتصادية.

أما حركة الناس فى 25 يناير 2011 فقد كانت لأسباب أخرى وهى التى تجلت فى الشعار المرفوع «عيش. حرية. عدالة اجتماعية» وأحسب أن الثورة تم تفريغها من مضمونها خاصة بعد السنة التى حكمت فيها جماعة الإخوان المسلمين، فلم يتمكنوا من تسيير الأمور لقلة خبرتهم، ولأن رجل الدولة غير رجل الزاوية فى جامع فقير.

أنا منحاز لثورة يناير وقد شاركت فيها لكننى أمتلك من الشجاعة ما يجعلنى أقول إنها وقعت فى أخطاء جسيمة، منها عدم وجود أهداف محددة وغياب القائد، مما أدى لعدم تحقيق جل أهدافها. فهل قام الشباب بالثورة من أجل تنحية مبارك فقط، فيما ظلت بقية السياسات قائمة مع إصلاحات طفيفة؟!

ما الرسالة التى توجهها إلى الأدباء الشباب فى مصر والوطن العربى؟

أثق فى أن الغد سوف يحمل بشارات لكى تكون الحياة أكثر إنسانية، فيختفى الظلم التاريخى، وتصوب الرأسمالية اخطاءها، وينعم المواطن بالأمن والرخاء. إن كان ثمة رسالة محددة تخص «الكتابة»، فهى: الصدق، الوعى، الجدية، العمل داخل فريق.

أتمنى أن تسهم التكنولوجيا فى توفير أدوات متقدمة لتوصيل الفن الرفيع والنبيل لقطاع أكبر من الشعب. الشباب لديهم الطموح وفى عقولهم أفكار سديدة لكن إياكم من فكرة «قتل الأب».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق