رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الثقافة فى زمن كورونا

عندما بدأ كورونا ينتشر، ظهرت الثقافة فى الصفوف الأولى للمواجهة فى المعركة ضد هذا الوباء. كانت أولى المبادرات التى شدت اهتمام العالم العزف على آلة موسيقية من شرفة منزل أحد العازفين فى إيطاليا، وكان الهدف الترويح عن الجيران الذين يعيشون حالة من الرعب بسبب الوباء، وحالة أخرى من الملل بسبب المكوث فى البيت مدة طويلة.

ومع تفشى الوباء، وجدت الثقافة العالمية نفسها فى مواجهة مباشرة مع هذا الدخيل على العالم وذلك من أجل الحفاظ على المنظومة المجتمعية، ورفع معنويات المواطنين، ونشر الابداع والروح الإيجابية،والمساعدة على الالتزام بالبقاء فى البيت من خلال تعزيز أشكال الفعل الثقافى والإبداعى عبر الفضاء الافتراضي، ومنح المواطنين فرصة الاستفادة من المصادر المعرفية والترفيهية المتوفرة على المنصات الرقمية.

وقد كانت مصرحاضرة، منذ البداية، فى هذا الحراك الثقافى الافتراضى العالمى الذى فرضته الجائحة.وكانت وزارة الثقافة المصرية سباقة فى التفاعل مع هذه الازمة من خلال مبادرة خليك فى البيت الثقافة بين إيديك. وقد عرضت الوزارة عبر موقعها على اليوتيوب حفلات موسيقية عربية وكلاسيكية، اعادتنا للزمن الجميل والفن الراقي، بالإضافة إلى حفلات فرق الباليه، وتابلوهات استعراضية لفرق الفنون الشعبية،ومسرحيات للكبار والاطفال، وافلام تسجيلية، ومناقشات كتب، وزيارات افتراضية للمتاحف الوطنية، وندوات ثقافية وفكرية.

ومواكبة للواقع الذى فرضه الحجر الصحي، قامت، أيضا، مكتبة الإسكندرية، بالإضافة الى وضعها نحو مائتى ألف كتاب على شبكة الانترنت،بالتواصل مع جمهورها عبر قناتها على يوتيوب.وقامت بعرض مجموعة من الأفلام التسجيلية عن شخصيات لها إسهام تاريخى وثقافى ووطني. وعرض الأعمال الثقافية والفنية الابداعية التى قدمتها على مدى سنوات.وهدفها فى ذلك نشر الإيجابية، ورفع الوعي، والارتقاء بالذوق العام، وهنا يتجلى تحديدا دور المؤسسات الثقافية والفكرية.

لاقت كل هاته المبادر تفاعلا كبيرا واشادة قوية داخل مصر وخارجها.بحيث بلغ عدد زوار قناة وزارة الثقافة على يوتيوب25مليون زائر ومائة ألف مشترك من 28 دولة، خلال 60 يوما.وهذا التفاعل ان كان يدل على شيء فهو يدل علي:أولا، أهمية تقديم منتج ثقافي، وإن كان عبر الفضاء الالكتروني، من أجل رفع ذائقة المجتمع والحفاظ على توازنه الذى يحتاجه فى وقت الازمات. وثانيا، تعطش المتابع العربى لكل ما هو جميل وراق وهادف. لقد أبانت أزمة كورونا أهمية انخراط المؤسسات الثقافية كجزء أساسى من سياسات مواجهة الازمات التى يمر بها المجتمع. واظهرت أهمية دور هذه المؤسسات فى ترسيخ ثقافة الالتزام بالقواعد والتوجيهات التى تصدرها الدولة، ودورها الفاعل فى بث الروح الإيجابية، والعمل على تكريس التفاعل والتضامن بين افراد المجتمع كافة، لتجاوز الأزمة. وأظهرت أيضا ان أنشطة الحد من الازمات لا يمكن أن يكتب لها النجاح الكامل ما لم تتضمن بعدا ثقافيا يتسع ليشمل ايضا ثقافة الأشخاص.

ونظر لأهمية هذا الدور و أهمية الفعل الثقافى فى زمن الأوبئة والازمات، لابد من الالتفات الى واقع اخر لا يمكن اغفاله، ويجب ان تسعى الدول، ضمن استراتيجياتها فى معالجة تداعيات كورونا الى إيجاد حلول مبتكرة من اجل تجاوزه. الامر يتعلق بالأضرار البالغة التى لحقت بالقطاع الثقافي، كقطاع حيوي، جراء حالة العزلة التى فرضها تفشى الفيروس، وجراء أيضا قواعد التباعد الاجتماعى التى سيضطر العالم الى التعايش معها فترة طويلة. فقد اثر الاغلاق التام لمواقع التراث العالمي، واغلاق المسارح والمتاحف وقاعات العرض، وإلغاء الحفلات وتأجيل المهرجانات والمعارض، وغيرها، على الصناعات الثقافية والاقتصاد الثقافي،فى وقت بدأ يتنامى فيه دور التكنولوجيا التى أصبحت وسيلة التواصل الوحيدة مع العالم الخارجى ومع المنتوج الثقافي.هذا الوضع سيؤثر فى الإنتاج الثقافى والتفاعل الجماعي.

لقد بدأ الحامل الأساس للمنتج الثقافى يتحول من منصات فعلية تفاعلية، وقاعات عروض وكتب وجرائد، إلى منصات الفضاء الافتراضي، حيث بات الاهتمام الأكبر بالصورة والعروض المسجلة والكتب الالكترونية، وحيث اصبحت الندوات والمحاضرات تقوم عن بعد. وعلى الرغم من إيجابيات هذا التغيير الذى سيسمح ببروز أنواع ثقافة ووجوه ثقافية جديدة، وسيسمح بوصول المنتج الثقافى الى فئات عريضة من الناس،فإنه فى المقابل سوف يدفع نحو تغيير العادات الثقافية للشعوب، ناقلا اياها من الممارسات الجماعية إلى الممارسات الفردية. مما سيعمق اوجه عزلة الافراد داخل نفس المجتمع.أضف الى ذلك تداعيات هذا النوع الثقافى الجديد على عدد من العاملين فى القطاع الذين سيجدون انفسهم موهبة وكفاءة دون عمل!. إن التحدى الأساسى اليوم هو التفكير فى طرق غير تقليدية للخروج من الأزمة.لا بد من التوصل إلى أساليب جديدة لدعم العاملين فى المجال الثقافي. ولابد من التفكير فى استئناف العمل الثقافى ما بعد انتهاء الحجر الصحي، بأوجه وسياسات جديدة تعوض ما تكبده من خسائر مادية نتيجة تعطيل كل أنشطته وتوقيف عجلة إنتاجه. والأهم، لابد من العمل على ان تستعيد الثقافة المكانة التى تستحقها داخل المجتمعات.


لمزيد من مقالات وفاء صندى

رابط دائم: