يقول الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة الانشراح: «فإن مع العسر يسراً . إن مع العسر يسراً». نجاحنا كبنى آدم فى هذه الأرض أن نتمكن من إيجاد الجانب المشرق والإيجابى هذا الابتلاء الذى نخوض غماره وهو ابتلاء شديد ومر مثله سابقاً على البشرية ولكن المختلف هذه المرة التقدم العلمى والثورة التكنولوجية وبالأخص ثورة المعلومات التى تجعل المعلومات متاحة للأكثرية.
ولقد استفاد نظام التعليم المصرى سواء الجامعى أو ما قبل الجامعى من ثورة المعلومات وقام التعليم المصرى فى زمن الجائحة باللجوء إلى استخدام تقنيات التعليم عن بعد واستخدام الإنترنت فى التعليم، وكان لرؤية الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم، التى بدأ تطبيقها قبل الجائحة فى استخدام الإنترنت فى التعليم قبل الجامعى عائد مباشر لتقبل المجتمع المصرى لهذه التكنولوجيات وكان هناك بعض الاستعداد من تجهيز البنية التحتية والبدء فى توصيل الأفكار الحديثة إلى المدارس والمدرسين والطلاب وكذلك أولياء الأمور. وهناك الفرصة السانحة التى تتيحها لنا هذه الجائحة, فمصر تعانى منذ زمن بعيد من نظام تعليمى (سواء الجامعى أو ما قبل الجامعي) يعتمد على التلقين والحفظ والتسميع وتوقع الامتحان ومما نتج عنه تفشى الدروس الخصوصية وأصبح التعليم فقط يمثل الشهادة, فماذا إذا لم تكن هناك امتحانات فلن تكون هناك شهادات. وهنا هل يمكننا أن نستمر فى تطبيق التعليم عن طريق الإنترنت ولكن بتحوير بسيط بدون نجاح وسقوط وبدون شهادات؟
فى الحقيقة، إن التحرر من الامتحانات يتيح فرصة ذهبية للتعليم المصرى سواء فى التعليم الجامعى أو ما قبل الجامعى للتحرر من مشكلاته الرئيسية. فالمعلومات الجامعية وغير الجامعية موجودة بكثافة على الإنترنت بل قامت كبريات الجامعات الأمريكية بإتاحة محتويات جميع مقرراتها على الإنترنت. بل ان أهم جامعة فى الهندسة MIT تقوم بتحميل جميع المقررات بما فيها المحاضرات والواجبات وإجاباتها والامتحانات المحلولة موجودة على الإنترنت. فماذا إذا قمنا نحن أعضاء هيئة التدريس بتطوير أنفسنا وتعلمنا ما يقوم به زملاؤنا فى MIT وقمنا بمساعدة الطلبة على تعلمه بل وطورنا نحن محتويات المقررات لدينا لتتناسب مع ثورة المعلومات وقمنا بمساعدة الطلبة على فهم هذه المقررات كأننا قمنا بابتعاث مئات الآلاف من الأساتذة والطلبة للولايات المتحدة الأمريكية.
فجأة، سنجد التعليم الجامعى فى مصر خاصة الهندسى قد تطور تطوراً ملحوظاً، بالضرورة سيعود بالعائد على الصناعة المصرية ككل وعلى المجتمع المصرى كله فنصبح نواكب العالم فى أحدث التكنولوجيات. وأعتقد أن أعضاء هيئة التدريس فى أغلبهم يعشقون العلم وإذا تحرروا من واجبات الامتحانات سينهلون بكل تأكيد من مصادر العلم تلك، أما عن الطلبة فهناك مجموعة تفعل ذلك فعلا الآن وهم المتفوقون وهناك آخرون سيفعلون ذلك بالتوجيه من الأساتذة، وهناك من لا يريد التعلم, ويمكن أن نفرق بين هؤلاء عندما تكون عندنا القدرة مرة ثانية لإجراء الامتحانات نتيح لمن ذاكر فى زمن الجائحة دخول الامتحان بدون حضور المقررات، فإذا نجح انتقل إلى العام الذى يليه.
وهذا الكلام ينطبق على التعليم ما قبل الجامعى، فلو قام الدكتور طارق شوقى بتطبيق رؤيته باستخدام التعليم بالإنترنت وابتعد عن إيجاد حلول لإنجاح الطلبة بدون امتحانات فسيجد أنه أمامه فرصة ذهبية لتعليم مليون مدرس فى مصر أحدث التوجهات فى المواد التخصصية التى يقومون بتدريسها وقام بنشر القراءة والكتابة باللغة العربية والإنجليزية فى كل قرى ونجوع مصر وقام بتطوير المقررات وأتاح المعلومات بسلاسة فى كل مكان بدون أن يكون الهدف هو الامتحان، وبالتالى سيجد أن الطلبة قد قاموا بالتعلم عن طريق البحث والدراسة وقاموا بعمل الأبحاث بنفسهم بدون أن يقوم أولياء أمورهم بشرائها وسيتخلص بالضرورة من الحفظ والتلقين بالمدارس، وكذلك من الدروس الخصوصية. كل هذه الفوائد والعائدات الجمة ستعود على التعليم المصرى لو تخلص من عبء الامتحانات.
هندسة القاهرة
لمزيد من مقالات د.على الشافعى رابط دائم: