هوامش حرة
الصوفية والإسلام الوسطى

من أعظم القيادات الوسطية فى الإسلام الطرق الصوفية، وكنت دائما اعتقد أن الصوفية هى التيار القادر على اقتلاع الفكر المتشدد فى الإسلام، إنهم يتسمون بالسماحة والصفاء النفسى ومطالبهم فى الحياة قليلة، لأن الزهد فى الأشياء أهم صفاتهم.. وللصوفية مدارس كثيرة ومتعددة، ولهم لغتهم الخاصة فى الحديث مع الناس والتعامل مع البشر، ولهم أيضا طرق واضحة مع الخالق سبحانه وتعالي.. وقد ظهرت بينهم أعداد كبيرة من الشعراء الكبار، وقد طافوا بكل الأقطار العربية والإسلامية وكان فى مقدمتهم ابن الفارض .. وابن عربي.. والحلاج والسيد البدوى وإبراهيم الدسوقى وفى مدافن القاهرة أعداد كبيرة من المتصوفة الذين عاشوا فى مصر وأحبوها ودفنوا فى ترابها، وكان فى مصر مدفن كبير يسمى مدافن الصوفية وقيل إن ابن خلدون العالم العربى الكبير كان مدفونا فيه.. وهناك أسماء لها مكانة خاصة فى مواكب الصوفية، وفى مقدمتهم الأمام البوصيرى صاحب البردة الشهيرة التى كتبها فى الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان يعانى الشلل وجاءه الرسول فى المنام وألقى عليه بردته الشريفة فشفى من المرض، وكتب قصيدته الشهيرة البردة والتى عارضها أمير الشعراء أحمد شوقى حين كتب قصيدته نهج البردة.. والصوفية فى كل مكان يتبركون بقصيدة البردة ويتغنون بها فى حضراتهم ومجالسهم.. وقد اهتم الغرب كثيرا بأدب الصوفية لأنه يمثل الدين الوسطى المتوازن، ولم يقتصر فكر الصوفية على العالم العربي، ولكن لهم رموز فى كل الاتجاهات الإسلامية، وهناك من تشبه بهم فى أشعاره مثل عمر الخيام وإقبال، بل إن طاغور شاعر الهند العظيم ولم يكن مسلما تأثر كثيراً بفكر الصوفية.. ولا أدرى لماذا تراجع دور الصوفية فى السنوات الأخيرة وتغلب الفكر المتشدد على سماحة الوسطية، بل إن هناك من يأخذ موقفا عدائيا من الصوفية ويعتبرهم دخلاء على الإسلام.. أنا من محبى الصوفية بكل الطرق التى تنتشر فى أرض الكنانة ابتداء بالإمام أبى الحسن الشاذلى رمز الطريقة الشاذلية، وانتهاء بابن الفارض رحمة الله عليهما.. وفى مصر طرق كثيرة ليتنا نفتح لها الأبواب لأنها أبواب سماحة وشفافية ويقين.