حسنا فعلت الحكومة مؤخرا بإعادة النظر في رسم تنمية الموارد وتعديله علي بعض السلع الكمالية والترفيهية مثل أكل القطط والكلاب وعقود اللاعبين وغيرهم. وذلك في محاولة منها لتعويض النقص المتوقع في الإيرادات العامة والزيادة في الإنفاق العام, نتيجة لانتشار فيروس كورونا. وقد طرح البعض مقترحا بخصم 1% من رواتب العاملين في الجهاز الإداري للدولة لمدة 12 شهرًا بدءا من العام المالي 2020/2021، وخصم 0.5% من قيمة المعاشات، مع إعفاء أصحاب المعاشات ممن يتقاضون أقل من 2000 جنيه. وهو الاقتراح الذي جانبه الصواب كثيرا لعدة اسباب يأتي علي رأسها انه ميز بين العاملين في الحكومة والجهاز الاداري والقطاع العام والأعمال, الذين يشكلون نحو 31% من اجمالي العاملين بأجر, وغيرهم من العاملين بالقطاع الخاص المنظم وغير المنظم وهما القطاع الاكبر. كما ان هؤلاء هم الأكثر التزاما بدفع الضرائب المستحقة عليهم. وعلي الجانب الآخر فإن المعاشات المدفوعة لأصحابها هي حق خاص بهم لايجوز الخصم منها إلا بموافقة أصحاب الشأن أنفسهم لأنها أموال خاصة.
ويصبح التساؤل هل هناك بديل عن هذه الإجراءات؟وهو تساؤل مشروع خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها المجتمع. والإجابة ببساطة نعم, هناك العديد من الإجراءات التي تحقق الأهداف المطلوبة دون المساس بهؤلاء, خاصة انهم الأكثر تضررا مما يحدث, يأتي علي رأسها ضرورة العمل سريعا علي إعادة النظر في توزيع الفائض لدي الهيئات، الاقتصادية ككل بحيث يؤول فائض بعض الهيئات وكذلك الكيانات العامة مثل الجهاز المصرفي, بالكامل إلي الخزانة، فضلا عن الفائض المرحل لدي بعض هذه الجهات, لذا وجب إصدار تشريع لتعديل القوانين المنظمة ويسمح للخزانة العامة بالاستحواذ علي هذه الأموال.
وينطبق الوضع نفسه علي الصناديق الخاصة اذ يمكن ضمها أيضا الي الموازنة باستثناء حسابات المشروعات البحثية والمشروعات الممولة من المنح والاتفاقيات الدولية، فضلا عن حسابات الإدارات الصحية والمستشفيات وصناديق تحسين الخدمة الصحية ومشروعات الإسكان الاقتصادي
ويرتبط بهذه المسألة ضرورة إعادة النظر فيما جاء في المادة الثالثة عشرة من القانون رقم 79 لسنة 2019 الخاص بربط الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2019/2020 والتي رفعت الحد الأقصي للجهات الداخلة في الموازنة العامة والهيئات الاقتصادية فقط, الي خمسة وثلاثين مثل الحد الأدني للدرجة السادسة في بداية التعيين والذي يتقرر بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء. وذلك لعدة أسباب اذ أنها لا تتسق مع القانون رقم 63 لسنة 2014 ، والذي يتعامل مع هذه الجهات وغيرها مثل الهيئات العامة والأشخاص الاعتبارية العامة وشركات قطاع الأعمال والقطاع العام والأجهزة التي لديها موازنات خاصة والعاملين الذين تنظم شئون توظيفهم قوانين أو كادرات خاصة، وبالتالي فإن تطبيق هذه المادة ترتب عليه وجود عدة حدود قصوي، أولها 42 ألف جنيه صافي دخل يطبق علي المجموعة الثانية والثاني 70 ألفا يطبق علي أجهزة الموازنة، فضلا عن وجود هيئات ليس لها حد أقصي من الأساس. فإذا ما أخذنا بعين الاعتبار تأثيرها علي القانون رقم 28 لسنة 2018 لاتضح لنا الآثار السلبية وعدم العدالة وهنا يمكن النظر في تعديل القانون رقم63 بحيث يسمح بزيادة هذا الحد سنويا وفقا لمعدل التضخم السنوي الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء.
يضاف الي ماسبق ضرورة إلغاء جميع الإعفاءات المقررة لبعض الجهات او لبعض انواع البدلات, من الضريبة علي الرواتب والاجور بحيث يخضع لها الجميع دون استثناء. وذلك بدلا من الوضع الراهن اذ يخضع لها البعض وليس الكل. وهي الاعفاءات المقررة بقوانين خاصة مثل القانون رقم (1) لسنة 2016 الخاص باللائحة الداخلية لمجلس النواب, والتي أعفت الاعضاء من هذه الضريبة دون اسباب موضوعية وكلها امور تساعد علي توحيد المعاملة الضريبية لمكتسبي الاجور, بغض النظر عن مكانه الوظيفي للمؤسسة. ويساعد علي علاج الاختلال الكبير في المعاملة الضريبية بين متحصلي نفس الاجر. مع ملاحظة ان الضريبة علي الأجور تعاني تشوهات عديدة اهمها عدم مراعاة المقدرة التكليفية للممول والاختلال الكبير بين متحصلي نفس الاجر في المعاملة، خاصة بين المخاطبين بالخدمة المدنية، وغير المخاطبين وعلي الجانب الآخر فان الضريبة علي المهن الحرة، والمفروضة علي جميع المهن غير التجارية ورغم اتساع هذه المجموعة فإنها مازالت لا تشكل قيمة يمكن الاعتداد بها ولا يتناسب باي حال من الأحوال مع ما تقوم به هذه الفئات من نشاط داخل الاقتصاد القومي، الأمر الذي يشير الي ارتفاع التهرب من هذه الضريبة.، ويحتاج الي بذل المزيد من الجهود لحصر المجتمع الضريبي ووضع القواعد التي تساعد علي الحصول علي الضرائب المستحقة عليه، وذلك لأنه يضم العديد من الشرائح ذات الدخول المرتفعة للغاية، الأمر الذي يدفعنا للمطالبة بتقنين هذه الأوضاع عن طريق التعاون بين مصلحة الضرائب والنقابات المهنية مثل اشتراط النقابة عدم التجديد لأعضائها إلا بعد إثبات دفع الضرائب وغيرها من الوسائل التي يمكن التفكير فيها.
يضاف الي ما سبق ضرورة العمل علي توسيع المجتمع الضريبي اذ مازالت هناك العديد من الانشطة والقطاعات التي لا تخضع للنظام الضريبي, يقع معظمها لدي أصحاب الدخول العليا وأصحاب الثروات بسبب ما يتمتع به هؤلاء من نفوذ سياسي واجتماعي الامر الذي يمكنهم من مقاومة أي تعديلات تشريعية تحاول ان تمس دخولهم، مثل المعاملات في البورصة والأرباح الرأسمالية الناجمة عنها.
وعلي الجانب الآخر يمكن مشاركة الدول المدينة في المطالبة بالإعفاء من دفع فوائد الديون المستحقة عليها، سواء للمؤسسات الدولية او علي المستوي الثنائي، وهو المطلب الذي يحظي بتأييد قوي من مؤسسات التمويل الدولية خاصة الصندوق والبنك الدوليين، يضاف الي ذلك الخفض الكبير في فوائد الديون المحلية، الناجم عن سياسة البنك المركزي
كل هذه الامور وغيرها تساعد علي توسيع الحيز المالي القابل للاستدامة، وبالتالي زيادة الانفاق العام,مع السماح بزيادة عجز الموازنة والوصول به الي مستوي مقبول مجتمعيا,وتسمح بتنفيذ السياسات المرغوبة لتلافي الآثار السلبية لفيروس كورونا,وتسهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التنمية الاحتوائية.
لمزيد من مقالات عبدالفتاح الجبالى رابط دائم: