كثيرا ما يطل هذا السؤال الساذح والعميق فى رأسي: متى تكون الحياة لائقة بعموم المحروسة التى كرمتها كتب السماء المنزلة، وكرمتها أفكار أغلب فلاسفة السياسة منذ أن عرف العالم أن الحياة على كوكب الأرض جديرة بأن يعيشها البشر ليعلموا مغازلة قدرتهم على تعمير الأرض بما يليق لحياة بشرية طيبة. ولأن الزمان هو رمضان فأبناء جيلى يعلمون أنه شهر نزول القرآن كما أنه الشهر الذى تحققت فيه معجزة بشرية سطع ضوؤها فى أكتوبر 1973, حيث تجلت قوة الإرادة البشرية معانقة توفيق السماء فكان العبور فوق قناة السويس لتحرير سيناء من عدو مغتصب فكان لنا ماحلمنا به وصاغته عقول مصرية وقامت بتنفيذه أجساد شابة سبقتها أجساد أخرى صارت بحكم تضحيتها سمادا لأشجار زيتون أقسم القرآن الكريم بطهرها فكان طور سنين بضعا من آيات يرتلها المسلمون على مر التاريخ ليصلوا بها لخالق الكون.
وفى حدود ذاكرتى البشرية ارتوى تراب سيناء بدماء أصدقاء عام 1956 ثم عام 1967 ولا أنسى رحلة لسيناء فى وفد سياسى بدعوة أهل العريش للمشاركة فى إعادة انتخاب جمال عبد الناصر لرئاسة الجمهورية فى احد ايام صيف منتصف الستينيات وكان يرأس الوفد صديقى شعراوى جمعة وزير داخلية عبد الناصر وعضوية الشقيق الأكبر لعلى صبرى نائب رئيس الجمهورية وهو السيد حسين ذو الفقار صبرى وهو من أوائل من فكروا فى تحرير مصر بعمل عسكرى فى اثناء الحرب العالمية الثانية لكن الطائرة التى قادها سقطت به وبعزيز المصرى أحد آباء العسكرية المصرية . وقبض الإنجليز على عزيز المصرى ورفاقه وما ان قامت ثورة يوليو حتى عينه جمال عبد الناصر سفيرا لنا بموسكو بصحبة طبيب شاب هو مراد غالب فكان عزيز المصرى مجرد رمز وكان على مراد غالب هو الفاعل الحائز على ثقة جمال عبد الناصر. لاحظت فى أثناء هبوط الطائرة التى أقلتنا من القاهرة للعريش أن احترام شعراوى جمعة لحسين ذو الفقار صبرى هو احترام شقيق أصغر لشقيق اكبر وحانت الفرصة فى العريش ان أسأل شعراوى جمعة عن بريق المحبة المطل على ملامحه فى أثناء التعامل مع حسين ذو الفقار صبري, ابتسم شعراوى جمعة قائلا: لقد سبقنا الرجل فى رفض الاستعمار الإنجليزى ومقاومته. وفوجئنا عند نزول الطائرة بالعريش أن وجدنا لافتات ترحيب بوفد ترشيح عبد الناصر للرئاسة واختفت اللافتات سريعا ليرفع الأهالى لافتات تطالب بالتحقيق مع المؤسسات المسئولة عن تعمير الصحراء لأنها لا تقوم بحفر عدد كاف من الآبار ليصر كل من شعراوى جمعة وحسين ذو الفقار صرى على الا يتم اى اجتماع شعبى إلا وأجهزة تعمير الصحارى تستمع لتعليمات مشايخ القبائل وتقوم بوضع جدول لحفر الآبار حسب رغبة رؤساء ومشايخ القبائل. المدهش أنى شاهدت بعد حرب يونيو ثم ما بعد تحرير سيناء اجتماعا موسعا بين يوسف صبرى ابو طالب وبدو سيناء وهم يشكرون له تنفيذ ما وعدهم به شعراوى جمعة وحسين ذو الفقار صبري. اذكر يومها قول يوسف صبرى ابو طالب: مهمة أى قيادة ان تحرص على استكمال ما وعدت به قيادات سبقتها.
ومن المدهش أن وفد مشايخ القبائل الذى جاء لشكر يوسف صبرى ابو طالب كان يحمل قفصا حديديا به ذكر وأنثى من الغزلان. وعدة أقفاص صغيرة بها أعداد من طائر السمان. وكان يصحبنى فى تلك الرحلة السفير حسن عيسى الصديق المقرب من قلبي. وكان كل هم حسن عيسى ان يجمع ما يستطيع جمعه من معلومات عن الشخصيات العسكرية الإسرائيلية التى احتكت مع مشايخ قبائل سيناء. وذكرنى حسن عيسى بعد تحرير سيناء واتفاق السلام وتعينيه قنصلا لنا بإيلات . أتذكر أنى سألت حسن عيسي: لماذا تهتم بمن مر على العريش من إسرائيليين؟ ابتسم حسن عيسى ليقول: قد أحتك بواحد منهم فيما بعد. ألم تستمع انت ليوسف صبرى ابو طالب حين ذكرك بأنها ليست المرة الأولى التى يلتقيك بك فيها. فقد حضرت لقاء بينه وبين محمد زغلول كامل حين كلف جمال عبد الناصر زغلول كامل بسبر أغوار وأعماق العديد من ضباط دفعة 1948 وهم رفاق شمس بدران وزير حربية الهزيمة ومدير مكتب عبد الحكيم عامر . يومها ربت يوسف صبرى ابو طالب على كتف زغلول كامل قائلا له: عليك إبلاغ الرئيس عبد الناصر عن لسانى أن مقاتل الجيش الذى تلقى تعليمه على يد عبد المنعم رياض على استعداد للاستشهاد دفاعا عن الوطن وليس دفاعا عن فرد, ونحن على ضفة القناة للدفاع عن الوطن وعبد الناصر هو رمز من رموز التحرر الوطنى فلا شمس بدران أو غيره بقادرين على لى رقبة الإيمان بأهمية تحرير الأرض.
وتمضى السنوات ليركن مبارك لعدم ما أوصى به يوسف صبرى أبو طالب من ضرورة الاستمرار فى تنمية سيناء وجعلها مركزا لهجرة من تضيق به أرض الوادى بدلا من الهجرة للعراق.
ومازلت أتذكر قول منصور حسن وزير رئاسة الجمهورية لشريف بسيونى المصرى الميلاد الأمريكى الجنسية والولاء حين تناول العشاء مع منصور حسن وقال شريف بسيونى يومها: اتفقت الولايات المتحدة مع الإخوان بالقيام بمظاهرة ضد احتجاز رهائن أمريكيين بالسفارة الأمريكية بطهران, فيرفع منصور حسن سماعة التيلفون الأحمر القادر على الاتصال بأى كائن ويطلب مكالمة عمر التلمسانى مرشد الإخوان ليقول له: أى مظاهرة منكم ستقابل بعنف فحن لسنا عملاء للولايات المتحدة وكلنا نستنكر خطف الأبرياء وإن أردتم المشاركة فى رفض مصر لاحتجاز الرهائن فليتم عبر مسجد الأزهر دون أى شعار للإخوان المسلمين والتفت منصور حسن لشريف بسونى قائلا: اطلب من سفيرك بالقاهرة أن يطلب تأييدنا ويلقانى غدا. ثم يكلفنى منصور حسن بالتواصل مع تماضر توفيق لنرسل من يصور لقاء منصور حسن مع السفير الأمريكى الذى يعلن طلبا أمريكيا بأن يشارك الأزهر فى رفض احتجاز رهائن . ويتلقى شريف بسيونى يومها درسا بأنه ليس من حق أمريكا أن تتدخل طالبة من أى تيار مشاركة ما أمور تخص القرار المصرى .
قال لى منصور حسن يومها: لا يكف الإخوان عن العمل من وراء ظهر الدولة. ولم تمر سوى شهور حتى يغتال المتأسلمون أنور السادات صاحب قرار الحرب وصاحب فكرة السلام. وتمضى أيام رمضان لنذكر بالخير كل من أهدى الوطن فكرة تنير واقعه حربا أو سلما.
لمزيد من مقالات د. منير عامر رابط دائم: