في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بمواجهة أزمة فيروس كورونا التي تمثل تهديدا للأمن والسلم الدوليين, وتتطلب تكاتفا دوليا وتنحية الخلافات والصراعات وإعطاء الأولوية للقضاء علي الفيروس, نجد إسرائيل كعادتها في استغلال الظروف للاستمرار في سياستها فرض الأمر الواقع علي الشعب الفلسطيني من خلال تهويد مقدساته وضم أراضيه المحتلة وبناء المستوطنات وحصار الفلسطينيين, وتغيير هويته العربية وتركيبته الديموغرافية, وهو ما يعد جريمة حرب متكاملة تتطلب المحاكمة والمحاسبة الدولية عليها, وكان آخرها قرار الحكومة الإسرائيلية الجديدة, التي تضم تحالف نيتانياهو وبيني جانتس, ضم أجزاء من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، في الضفة الغربية بما فيها غور الأردن وشمال البحر الميت والأراضي المقامة عليها المستوطنات الإسرائيلية ومحيطها, والذي يأتي استكمالا لتنفيذ خطة السلام الأمريكية التي طرحها الرئيس ترامب العام الماضي والتي شملت أيضا ضم القدس الشرقية إلي السيادة الإسرائيلية ونقل السفارة الأمريكية إليها.
الخطوة الإسرائيلية المزمعة تؤكد أن الحكومة الجديدة بقيادة نيتانياهو وجانتس لا تقل في تطرفها وتشددها عن حكومة نيتانياهو اليمينية الدينية المتشددة التي لا تعترف للفلسطينيين بأي حقوق بما فيها حق إقامة الدولة المستقلة, سواء في القدس أو بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية, وذلك رغم إعلان جانتس زعيم تحالف أزرق أبيض تحفظه علي خطة ترامب باعتبارها أحادية الجانب, وهذا يؤكد الصفقة التي جرت بين الجانبين لتشكيل الحكومة الجديدة, كما تعكس أن هناك تباريا في التشدد تجاه الحقوق الفلسطينية بين السياسيين الإسرائيليين لاعتبارات انتخابية, ويؤكد أن خطة الضم ماضية قدما رغم المعارضة العربية والإقليمية والدولية والتي لم تعد تمثل أي رداع أو مانع للجانب الإسرائيلي الذي بات مقتنعا بأن المواقف والبيانات الصادرة من الجانب العربي أو من الأمم المتحدة أو من الجانب الأوروبي, ليست سوي بيانات تحفظ أو تنديد أو رفض ولا تشمل ضغوطا حقيقية أو عقوبات جادة علي إسرائيل, طالما أن الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن يوفر للجانب الإسرائيلي المظلة الحمائية ضد صدور أي قرار يدين أو يفرض العقوبات علي إسرائيل نتيجة لسياستها العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني وانتهاك الشرعية الدولية المتمثلة في قرارات الأمم المتحدة وعلي رأسها قرارات مجلس الامن 242 و338 و181 ، وكذلك القرار 2334 الصادر في عام 2017 ، الذي يعتبر أن كل ما قامت وتقوم به إسرائيل من سياسات فرض الأمر الواقع في الأراضي الفلسطينية المحتلة في القدس الشرقية والضفة الغربية يعد باطلا ولاغيا وكأنه والعدم سواء, وبالتالي أعطت الحماية الأمريكية والتخاذل الدولي والضعف العربي الضوء الأخضر للحكومة الإسرائيلية بالاستمرار في تلك السياسة الممنهجة والمخططة في بناء المستوطنات وبسط السيادة علي الأراضي المحتلة من طرف واحد والقضاء علي ما تبقي من القضية الفلسطينية.
وظفت الحكومة الإسرائيلية أحداث 11 سبتمبر والحرب علي الإرهاب لتستمر في سياساتها في فرض الأمر الواقع، ووصف المقاومة الفلسطينية للاحتلال بالإرهاب, ثم جاءت أحداث الربيع العربي وانشغال الدول العربية بالتغيرات السياسية داخلها والأزمات واندلاع الحروب الأهلية في بعض دولها, وتصاعد خطر تنظيم داعش الإرهابي وانشغال المجتمع الدولي بمحاربته, لتستكمل إسرائيل سياساتها في تهويد القدس الشرقية وبناء المستوطنات الكبري في الضفة الغربية, لتفريغ القضية الفلسطينية تماما من مضمونها، بحيث لم تعد هناك أي أرض فلسطينية يمكن للفلسطينيين التفاوض عليها, وأن عليهم أن يقبلوا بسياسة الأمر الواقع الإسرائيلية وأن يتخلوا عن القدس، الشرقية مقابل إقامة عاصمة صغيرة في حي أبو ديس القريب من القدس وان يتخلوا عن حلم الدولة المستقلة ويقبلوا بكانتونات معزولة أشبه بحكم ذاتي في غزة وبعض أجزاء من الضفة الغربية ومنزوعة السلاح وإنهاء حق العودة تماما. لكن ما لم تدركه إسرائيل, أولا أن ما تقوم به من تغيير الأوضاع القانونية للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 يعد جريمة حرب مكتملة الأركان تتطلب معاقبة المسئولين الإسرائيليين عن هذه الجريمة, لأنه انتهاك صارخ وفاضح للشرعية الدولية والقانون الدولي. وثانيا أن هذه الإجراءات لن تغير من الوضع القانونى للأراضى الفلسطينية فهي أراضي محتلة, ولن تستطيع إسرائيل القضاء علي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني مهما يكن اختلال موازين القوي العسكرية في صالحها أو مهما استغلت ووظفت الأوضاع الدولية ومنها أزمة كورونا. وثالثا أن مثل هذه الإجراءات العبثية وغير الأخلاقية تقضي تماما علي أي فرصة لإحياء عملية السلام والمفاوضات مرة أخري وتنهي حل الدولتين وتكشف إسرائيل أمام المجتمع الدولي كله بأنها لا ترغب في السلام أو إعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة, كأخر شعب يقبع تحت آخر احتلال في العالم.
مرة أخري سياسة الأمر الواقع وبسط السيادة علي الأراضي الفلسطينية لن يوفر الحماية والأمن لإسرائيل وشعبها, وإنما السلام العادل والشامل والدائم الذي يضم إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة علي حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية, وتعيش إلي جوار إسرائيل مع حق عودة اللاجئين, هو فقط السياج الآمن لحماية إسرائيل وأن تعيش بشكل طبيعي وسط محيطها العربي, وبدلا من العدوان علي الشعب الفلسطيني فعلي إسرائيل التعاون مع الفلسطينيين لمواجهة خطر كورونا كأولوية عاجلة.
لمزيد من مقالات د. أحمد سيد أحمد رابط دائم: