رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الحَمل أربع سنوات؟!

الحَمل تسعة أشهرّ. هذه حقيقة علمية تعلمناها فى مدارسنا المدنية وكبرنا عليها، بل اشتعل الرأس شيبًا ودخلنا منطقة الشيخوخة وما زلنا نؤمن بها إيماننا بظواهر الطبيعة المختلفة. يمكن أن نختلف حولها قليلًا أو نقوم بتعديلها هونًا، ونرى أن الحَمل قد يقل زمنًا فيغدو سبعة أشهر، وندخل فى باب المعتقدات الشعبية ونقول:إن وليد السبعة ضيِّق العطن, كما كان القدماء يصفون بعض أبناء الأشهر السبعة. وضِيْق العطن هو العصبية أو عدم الصبر الذى يتميز به البعض ممن لا يصبرون طويلًا على الأشياء. وقد تطول مدة الحمل عن الأشهر التسعة التى نقدرها فتزيد هونًا. لكن من المستحيل علميًّا وطبيًّا أن تصل إلى أربع سنوات، وهذا ما يذهب إليه بعض الفقهاء، بل ما أصبح مناظرة تشبه المعركة، أو معركة تشبه المناظرة بين صديقنا الدكتور خالد منتصر وشيخنا الحبيب الدكتور على جمعة. والأول طبيب تعلم فى كلية الطب عن أشهر الحمل وارتباط ذلك بالمدة الزمنية لتَكَوَّن الجنين منذ أن كان نُطْفَةً، والثانى قد قرأ فى كتب الفقهاء القدماء فقالوا له: إن الحمل قد يصل إلى أربع سنوات، فاختلف الطبيب مع الفقيه، لكننا درجنا على أن نأخذ برأى الطبيب العالِم وليس برأى الفقيه الذى يرجع إلى كتب فقهٍ يجوز عليها الخطأ، حتى لو كانت تستند إلى أحاديث صحاح. وصحاح الأحاديث هى الأحاديث التى يرويها عدول ثقاة عن أمثالهم منضبطين فى نقلهم، فهى الأحاديث التى لا تتسم بالشذوذ أوالعلل، ومع ذلك فبعض الأحاديث الصحاح لا يمكن أن يقبلها العقل العلمى المعاصر لأسباب ليس هنا مجالها. وهذا أمر طبيعي، والطبيعى فيه هو الاختلاف الذى ينبغى أن نحسمه فى عقولنا وفى حياتنا بين العلم المدنى والعلم الدينى وأى العلمين نأخذ فى حياتنا. والعلم الدينى مقبول على العين والرأس ما دام يصدقه العقل، وما دمنا فى الدائرة التى نجتهد فيها فى فهم نصوص مروية، سواء أكانت نصوصًا مروية عن الله, سبحانه وتعالي, فى قرآنه العزيز، أو نصوصًا مروية عن النبى - صلى الله عليه وسلم - فى أحاديثه المباركة. أما العلم المدنى فهو علم يعتمد على التجربة والمشاهدة أولًا، وعلى قواعد وتجارب وخبرات العلم المدنى بكل فروعه، ابتداء من أدق الفروع التى تبدأ بدراسة أصغر خلايا الجسم الإنسانى إلى أعظم فروعه حجمًا، وهى تلك التى تتصل بمجرات الكون وكواكبه السيارة. والعلم الطبيعى علم يقيني، المقياس فيه هو الصواب أو الخطأ. ومعيار الصواب أو الخطأ هو التجربة أو تكرار الحدوث. قد نجتهد فى مجال العلم الدينى ونلجأ إلى الاستنتاج أو الاستنباط أو التأويل أو قياس الأشباه على النظائر أو ما يشبه ذلك من أسباب لتحرى اليقين. لكن ليس هذا ما نعتمده مقياسًا للصحة أو السلامة فى العلم الطبيعي. فمقياس السلامة فى العلم الطبيعى هو التحقق أو اللاتحقق فى الواقع الخارجي، وما يمكن أن يترتب على هذا التحقق أو اللا تحقق من نتائج تتصل بحياة أفراد وجماعات.

وإذا طبقنا معيار الصحة والسلامة على الفتوى التى تقول:إن الحمل قد يستمر إلى أربع سنوات وربما أكثر لكانت النتيجة كارثية، فضلًا عن استحالتها العقلية. فماذا يمكن أن يفعل رجل ترك زوجته مثلًا وسافر إلى الخليج ليسترزق ما يعود به إلى وطنه قادرًا على عيش حياة كريمة، ويبقى هناك لعام أو عامين، وعندما يعود يجد زوجه تستقبله وفى يدها ابن لهما انجبته بعد سنة أو سنة ونصف من غيابه، ماذا يفعل هذا الرجل هل يساوره الشك فى أن هذا الوليد ليس ابنه أم إنه سيتقبل القياس الفقهى أو الفتوى الفقهية التى تقول:إن مدة الحمل قد تطول وتصل إلى أربع سنوات؟ وماذا يمكن أن يترتب على عدم تصديق هذا الزوج لكلام زوجه هل يصدقها أم يرفض دعواها بكل ما يرتبط برفض هذه الدعوى من أفعال قد تصل إلى درجة القتل؟ وماذا عن الطب الحديث الذى يمكن أن يقول لهذا الزوج المفجوع إن الوليد لن يكون ابنك بقياسات معملية معروفة تؤكد من خلال الـ DNA صحة النَّسب أو عدم صحته. والسؤال: ماذا يفعل الإنسان المعاصر وهو يواجه قضية فقهية مثل هذه تقول له إن الحمل قد يمتد إلى أربع سنوات؟ أليس من الأعقل أو الأجدى أن نترك الحيل الفقهية أو العديد من التصورات الموجودة فى كتب الفقه القديمة ونستبدل بها ما يؤكده العلم الحديث. وما ينطبق على هذه الحالة ينطبق على غيرها من الأنواع والحالات. لن أجيب بالقول الذى يرد على الذهن سريعًا وهو»أن ندع ما لقيصر لقيصر وما لله لله». لكن الأهم التحذير من خلط العلم الدينى بالدنيوي، وأن نُغلِّب العلم الدينى على العلم الدنيوى فى حياتنا، خصوصًا فى زمن أصبحنا نسمع فيه ونعايش نقل الأعضاء واستخدام النانو فى العمليات الدقيقة والحرجة جدًّا، ولقد وصلت البشرية فى العلوم الطبيعية وفروعها إلى درجة مذهلة من التقدم، خصوصًا فى دائرة الذكاء الاصطناعى وعلوم الكمبيوتر. وأظن أن ما وصلت إليه الإنسانية من تطور ينبغى أن يفرض علينا إعادة النظر الكلية فى الفقه القديم، ومن ثم تحريره من كل ما لا يتناسب مع علوم هذا العصر التى أوصلتنا إلى الفضاء ونقلتنا بين المجرات، بل ساهمت فى تطور الاكتشافات الطبية الحديثة التى لا تكف عن اقتحام المناطق المجهولة من جسد الإنسان والتى أضاع الجهل بها ملايين من الأرواح التى ما كان يمكن أن تضيع إذا ما استخدمنا مخترعات هذا العصر الذى نعيشه. إن كل تطور علمى ينسخ الوضع العلمى الذى كان قبله ويضيف إليه من المعارف ما يجعل السابق بلا فائدة بالقياس إلى العلم اللاحق. وها نحن نتابع فى تاريخ العلم تتابع النظريات التى يلغى أحدثها السابق منها، فننتقل من نظرية إلى نظرية أجد وأصح منها، وتتسع معارفنا بكل شيء على نحو لا يصدق. وذلك هو المقياس الذى ينبغى أن نتبعه فى حياتنا التى تحتكم إلى العلم وليس إلى الآراء المرسلة أو الأقوال الفقهية التى يرفضها العلم الحديث رفضًا باتًّا.


لمزيد من مقالات د. جابر عصفور

رابط دائم: