معطيات كثيرة ستضطر العالم إلي التعايش مع فيروس كورونا المستجد لفترة زمنية قد لا تكون قصيرة. أول هذه المعطيات، عدم قدرة أي اقتصاد - مهما كان حجمه وإمكاناته- علي تحمل التكاليف أو بالأحري نزيف الخسائر المتتالية جراء الأزمة الاقتصادية الناتجة عن هذا الوباء، خاصة في ظل المستوي المتقدم جدا من التشبيك والاعتماد الاقتصادي المتبادل الذي وصل إليه العالم. ورغم أن الاقتصاد العالمي قد عرف خلال القرن العشرين، وخلال العقدين الأولين من هذا القرن، العديد من الأزمات الاقتصادية والمالية، وكان آخرها أزمة عام 2008 التي امتدت من الولايات المتحدة إلي الاقتصادات الأوروبية، إلا أن أيا من هذه الأزمات لم تكن بهذا الحجم أو هذا الشمول، وهذا التزامن. الأزمات الاقتصادية والمالية السابقة إما أنها ارتبطت بجانب العرض أو بجانب الطلب، أو تركزت في منطقة اقتصادية بعينها، لكن الأزمة الراهنة الناتجة عن وباء كورونا شملت جانبي العرض والطلب معا، كما شملت جميع اقتصادات العالم تقريبا في توقيت واحد. المعطي الثاني المهم هو عدم وجود أفق زمني محدد للوصول إلي مصل أو علاج للفيروس، وذلك رغم السباق العالمي الضخم في هذا المجال بين مختلف المؤسسات والمعاهد العلمية الطبية والتي تتنافس من أجل حصولها علي هذا السبق، بجانب العوائد التجارية الضخمة التي تنتظرها.
هذه السمات جعلت مواجهة الأزمة أكثر تعقيدا، وأكثر تكلفة. هذه التكلفة لم تنعكس علي الموازنات الحكومية فقط، لكنها شملت جميع القطاعات الاقتصادية والحياتية للمواطن، ما جعل الحفاظ علي حالة الإغلاق خيارا يصعب التمسك به لفترة زمنية طويلة.
في ضوء هذه المعطيات بات علي المجتمعات الإنسانية التعايش مع هذا الفيروس القاتل لفترة من الزمن. العودة إلي الحياة الطبيعية تتطلب إجراءات من جانب الحكومات، تضمن العودة التدريجية وفق منهج وخطط مدروسة، والبدء بقطاعات اقتصادية معينة قبل قطاعات أخري وفق جدول زمني محدد، وإلزام المؤسسات بإجراءات سلامة صارمة. لكن مع أهمية هذه الإجراءات الحكومية سيظل حائط الصد والأمان الأول هو المواطن من خلال الالتزام الصارم بالقواعد الصحية البسيطة التي أعلنت عنها منظمة الصحة العالمية منذ اليوم الأول لبدء الوباء.
لمزيد من مقالات رأى الأهرام رابط دائم: