تبرعات القراء
ـ بريد الأهرام: لا يتوقف نبع العطاء فى بريد الأهرام طوال العام، إذ تنهمر تبرعات القراء لمساعدة الحالات الإنسانية والمرضية، وإجراء الجراحات الضرورية، وتوفير الأدوية لغير القادرين مجانا، وهناك كثيرون يكفلون أيتاما، وأسرا فقيرة بمبالغ شهرية، وما أعظم عائدها عليهم، ومنهم من قال لى إن جوائز السماء انهالت عليهم، بعد أشهر قليلة من كفالتهم أسرا معدومة، فأفاء الله عليهم من فضله وكرمه، وهيأ لهم من أمرهم رشدا.
وإذا كان هذا هو الطبيعى على مدار العام، فإنه فى رمضان تكثر الخيرات، وتكون الحسنات مضاعفة، فهيا أقبلوا على المساهمة فى إنقاذ الأسر المعدومة، وانتظروا عطاء من لا يغفل ولا ينام.
المخاطرة الأخيرة
ـ حُسام العَنتَبْلى المحامى بالنقض: تبدو رسالة «المخاطرة الأخيرة» للبعض أنها لا تُمثل مشكلة حادة لصاحبتها التى تعجز عن حلها، ولكنها فى الحقيقة كغيرها من مآس توجع قلب وتقلق بال وتقض مضجع أصحابها، فالحزن والقلق كالحب والفرح معيارهما ذاتى لا موضوعى، ويُسأَل عنهما من يُكابدهما، ومن ثم فالشاكية وأختاها وأًمهًنَّ هُنَّ من يُعانين الأمرّين من الشقيقين، وأفعالهما المشينة والذميمة، المنافية لكل خلق قويم، ولكل عرف أصيل، ولكل شرع ودين، وكان الأولى بهما أن يُحسنا لهن المعاملة ويدعما بينهم المُراحَمة ويرعيا أختهما التى لم تتزوج بعد؛ لكن من أسف وكما أشرتم فإن المشكلة ترجع إلى قصور فى التربية، وتقصير فى التنشئة .. فاعتاد الأخَوَان، منذ الصغر، حياة الترف والانفلات والدعة، لذا قال فى شأنهما الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا
على ما كان عَوَّدَه أبوه
وواضح أن مشكلة صاحبة الرسالة تكمن فى الخوف، ولا شىء سواه، لكن لخوفها وجهين متناقضين.. الأول: الخوف من الأخوين؛ والثاني: الخوف على الأخوين.. والأسبق غريزى، ولهن فيه عُذر؛ بينما التالى إرادى يقع عليهن فيه وزر، فقد أخبرنا الإمام على عن كيفية مواجهة مثل ذلك الخوف بقوله «إن هِبتَ شيئا فَقعْ فيه فإن شِدة توقيه أعظم من الوقوع فيه»، فلا خوف منهما ولا خوف عليهما، فما أوجد هذه المعاناة سوى سوء التربية، وما أطال أمَدَها غير غياب العقاب، (فمن أمن العقاب أساء الأدب)، فلن يوقف هذين الأخوين الأرعنين عن غيهما وبطشهما بأمهما وأخواتهما إلا يد القانون بعصاه الغليظة، وصدق الشاعر حين قال:
قسا ليزدجروا ومن يك حازما
فليقسُ أحيانا على من يرحم
أما ادعاء شقيقك الجنون فادعاء كاذب لأن المجنون معذور فى أفعاله، ودائما ما تسير تصرفاته دون مراعاة لأحداث تحيط بها أو ملابسات تربط بينها وبين مطالبه، فلا رشاد يكتنفها ولا منطق يبررها؛ لكن الحال فى القصة مختلف فهو أخ مُحتال متلون مُناور يُغير موقفه ويتحكم فيه وفقا لمصلحته التى يريدها أو يرومها، فإن تحققت فهو عاقل رشيد وإن تعذر تحقيقها فهو مُختل مجنون لإخافتكن أنتن دون غيركن.
ترنيمات الزاهدين
ـ د. محمد محمود يوسف أستاذ بزراعة الإسكندرية: كان إبراهيم بن أدهم ابنا لأحد الملوك، وكان يرفل فى ثراء لا يضاهيه ثراء، وذات ليلة كان نائما على سريره، فإذ بسقف قصره يتحرك كما لو أن شخصا يسير عليه، فصاح إبراهيم بن أدهم: من؟، وسمع من يرد عليه: فقدت ناقة أبحث عنها على هذا السطح، قال إبراهيم: يا جاهل.. أتبحث عن ناقة على سطح المنزل؟! فرد عليه: يا غافل.. أتطلب الله وأنت نائم فى ثوب من حرير على سرير من ذهب؟!. استيقظ إبراهيم بن أدهم قلقا، ولم يستطع النوم حتى طلع النهار، وفى رحلة صيد سمع هاتفا يناديه: والله ما لهذا خلقت، ولا بها أمرت، فنزل عن دابته وصادف راعيا يرعى غنم أبيه، فأخذ عباءته ولبسها وأعطاه ثيابه وفرسه، وترك طريقته فى التزين بالدنيا ومباهجها، ورجع إلى طريقة أهل الزهد والورع وخرج إلى مكة، ومن أقوال هذا الزاهد الناسك:
ـ اللهم انقلنى من ذل معصيتك إلى عز طاعتك.
ـ إن صاحبت من هو دونى آذانى بجهله، وإن صاحبت من هو فوقى تكبر علىّ، وإن صاحبت من هو مثلى حمدنى، فاشتغلت بمن ليس فى صحبته ملل ولا وصله انقطاع ولا فى الأنس به وحشة.
ـ على القلب ثلاثة أغطية: الفرح ـ الحزن ـ السرور، فإذا فرحت بالموجود فأنت حريص، والحريص محروم، وإذا حزنت على المفقود فأنت ساخط والساخط معذب، وإذا سررت بالمدح فأنت معجب، والعجب يحبط العمل ودليل ذلك قول الحق سبحانه وتعالى (لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور» (الحديد:23)
ـ قلة الحرص والطمع تورث الصدق والورع، وكثرة الحرص والطمع تكثر الهم والجزع.
ـ مالنا نشكو فقرنا إلى مثلنا ولا نسأل كشفه من ربنا؟!
ـ إذا كنت بالليل نائما وبالنهار هائما وفى المعاصى دائما، فكيف ترضى من هو بأمورك قائما؟!
ـ إنما يتم الورع بتسوية كل الخلق فى قلبك والاشتغال عن عيوبهم بذنبك، وعليك باللفظ الجميل من قلب ذليل لرب جليل، وفكر فى ذنبك وتب إلى ربك يثبت الورع فى قلبك واقطع الطمع إلا من ربك.
ـ إلهى أه من عرفك لن يعرفك، فكيف حال من لم يعرفك؟.. إننا بحثنا عن الفقر، فتحقق لنا الغنى، وأناس آخرون بحثوا عن الغنى، فتحقق لهم الفقر.
ـ رأيت حجرا ملقى فى الطريق وقد كتب عليه (اقلب واقرأ)، فقلبته وقرأت: (طالما أنك لا تعمل بما تعلم فكيف تطلب ما لا تعلم؟).
ـ تركت الدنيا لطالبيها، والعقبى لراغبيها، واخترت ذكر الله ولقاءه فى العقبى.
ـ من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل، ومن أطلق بصره طال أسفه، ومن أطلق أمله ساء عمله، ومن أطلق لسانه قتل نفسه.
ـ ما قاسيت فيما تركت شيئا أشد علىّ من مفارقة الأوطان.
لقد كان إبراهيم بن أدهم كثير الصمت والتفكير نأى بنفسه بعيدا عن حب الدنيا وزخارفها من مال وجاه وشهرة وكان حريصا كل الحرص على الجهاد فى سبيل الله، وكان يدعو إلى العمل والإتقان والكسب الحلال.
وتستدعى الذاكرة فى هذا السياق وبمناسبة شهر رمضان المبارك ابتهالا للشيخ نصر الدين طوبار قيثارة الابتهالات الدينية رحمه الله جاء فيه: «رباه: ها أنا ذا خلصت من الهوى واستقبل القلب الخلى هواك، وتركت أنسى بالحياة ولهوها، ولقيت كل الأنس فى نجواك، ونسيت حبى واعتزلت أحبتى، ونسيت نفسى خوف أن أنساك، وذقت الهوى مرا ولم أذق الهوى حلوا قبل أن أهواك، يا غافر الذنب العظيم وقابلا للتوب، قلب تائب ناجاك سبحانك جل جلالك يا الله».
ما بالنا فى هذا الزمان، وقد شغلتنا الدنيا وأحببنا المال حبا جما، وركضنا على مباهج الحياة كركض الوحوش فى البرية، وتفاخرنا بالأموال والمناصب والوجاهة والجاه والحسب والنسب؟.. ليتنا نسترجع ترنيمات الزاهدين ونتذكر مقولة الإمام الشافعى: «كلما أدبنى الدهر أرانى ضعف عقلى.. وإذا ما ازددت علما.. زادنى علما بجهلى».
رابط دائم: