رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

النيونورمال.. المصرى!

«كلنا كنا زى بعض يا طنط»!.. عبارة قالها لى أب شاب صديق ابنى الحميم الذى كان يحكى لى معاناته وما يلاقيه أبناؤه فى المدرسة من شعور بعزلة جبرية، نتيجة الاختلافات الاقتصادية والقيمية. هذا الابن رجل شريف يعمل فى موقع مهم، مكنه من ان ينفق على تعليم أبنائه فى مدرسة جيدة، محتفظا بمنظومة قيمه التى تربى عليها، ومع ذلك يحس عجزا إزاء ما يشعر به ابناؤه من غربة..العجز عن ان يجارى طرق إنفاق وسلوكيات وأجواء لم يعد يجد لها حلا.. لم تعد مياه لون واحد تجمع ما بين الأولاد و رفاقهم فى المدرسة..تعلم هذا الأب الشاب فى مدرسة لغات خاصة بحى راق وكان للمدرسة اسمها، ولم يشعر يوما بتلك الفروق.. أو كما عبر : كنا كلنا تقريبا زى بعض.. نركب نفس الأتوبيس، نذهب إلى نفس النادي، نلبس بشكل متقارب.. ربما كان فيه واحد او اثنان على الأكثر تحس ان أهلهم متيسرون «شوية» ومع ذلك لم يكونوا مختلفين عنا ولم يحملوا إلى مجتمع المدرسة ما يعد خروجا عن سياقه العام.. لم تمض إلا أيام قليلة، إلا واجتاحت جملة إعلان ترويجية للسكن فى كومباوند و تفخر بأن من مزايا العيش فى الكومباوند ان الناس هنا كلها زى بعض..ظاهريا قد يبدو المعنى المقصود فى السياقين واحدا، لكن الحقيقة أن كلا منهما يعبر عن ثقافة ومجتمع مختلفين، يفصل بينهما تحولات أربعين عاما.. انقلب فيها شكل الحياة فى مصر، وأحدثت انقلابات الاقتصاد تداعياتها الاجتماعية، فانتقلنا من حالة كانت أقرب إلى التجانس النسبى إلى نوع من التجذر الاجتماعي. واذا كان العالم يستخدم مصطلح النيو نورمال أو الواقع العادى الجديد فى إشارة، إلى تغير العالم اقتصاديا واجتماعيا بعد وباء كورونا.. فالحقيقة انه إلى جانب هذا «النيو نورمال» العالمي، الذى ولا شك سنكون جزءا منه، إلا أن هناك نيو نورمال مصريا، أو واقعا مصريا جديدا، بدأ نشوءه فى مصر منذ ثلاثين عاما ، سبق ما يقصده الراصدون فى العالم، او ما سيلى الكورونا، على الأقل بثلاثة عقود.. واقع احدث نوعا من الانشطار الاجتماعى الحاد والواضح.. واقع منشأه اقتصادى وتداعياته ثقافية واجتماعية، لكن على المعنيين بعلوم الاجتماع والثقافة والسياسة، ان تستنفر أدواتهم لنستشرف اثر الكومباوند, ليس كمجرد نوع من السكن، ولكن كواقع منشأه اقتصادى وتداعياته الثقافية والاجتماعية، وكيف سوف تغير من نمط الحياة ومنظومة القيم المصرية، والتفاعلات الاجتماعية وشكل الحياة المدنية، حيث يجتمع المتشابهون فى سياق واحد ينفصل بكل ما يحتاج اليه، عن الفضاء الاجتماعى العام...تنسحب فكرة الفضاء العام الذى يمكن ان يجتمع فيه المصريون على اختلاف فئاتهم الاجتماعية، والذى يضمن حدا ادنى من التجانس، تتقلص وقد تختفي، فتنزل إلى مجموعات الناس فيها زى بعض، بعيدا عن «اللى مش زينا.. زينا فى ايه ومش زينا فى ايه»؟ لابد وان نواجه الاجابة ونستشرف ما سوف يؤل اليه المجتمع.. خاصة ان نموذج الكومباوند تخطى القاهرة والإسكندرية ومدن الدلتا ودخل الصعيد.هناك ثقافة ناشئة، فعليا تشطر الناس وتمارس إقصاء.. قيمها تفرض نفسها سوف تغير فى تفاعلاتنا الاجتماعية.. فى اغنى مدن العالم انتبهوا إلى خطورة فكرة العيش فقط مع الناس «اللى زينا» ولقد كتبت من قبل انه فى نيويورك على سبيل المثال كانت هناك عمارات مخصصة لفئات اجتماعية بعينها، ثم اكتشفوا خطورة هذا الانشطار، واتجهت الحكومة فى الولاية إلى فكرة ان تخفض الضرائب على البنايات الفاخرة الجديدة مقابل ان تأخذ من شركات البناء نسبة من الوحدات السكنية تؤجرها بمعرفتها لفئات أخرى كضمان لتوسيع الفضاء العام المشترك.. الحديقة العامة والمستشفى وملاعب الاطفال والنادى والمدرسة، كلها فضاءات تحدث التجانس، وحين يصبح لنا نحن اللى زى بعض، مستشفانا وقهوتنها ونادينا ومدرستنا... سوف ينفرد مجتمعنا بهذا النيو نورمال المصرى..!


لمزيد من مقالات ◀ ماجدة الجندى

رابط دائم: