رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عولمة من نوع آخر!

«كوفيد ــ 19» يجري التعامل معه فكريا وبحثيا علي أنه مرض، وعلي أنه ظاهرة. كمرض هو موضوع العدوي والانتشار ومواجهتهما بالبحث عن لقاح ودواء لمقاومة الفيروس، وأساليب حياة للتقليل من المعرضين له وحماية البشر من العدوان الفيروسي. الظاهرة تبحث عن تأثيرات المرض علي الحياة من أول الاقتصاد بكل تفاصيله من إنتاج السلاسل المؤدية إليه، والاجتماع بما فيه من كسب ومن خسر مما جري منذ أول العام، والسياسة التي ترصد المخاطر والفرص في أزمة عالمية بكل المقاييس. ولكن أكثر ما شغل رجال الفكر في مجال العلاقات الدولية كان البحث في التغيرات الجارية في النظام العالمي من أول المفاهيم السائدة وحتي تفاصيل توازنات القويين الصين والولايات المتحدة. في مجلة The National Interest وصف ديمتري سايمز, رئيس مركز المصلحة القومية في واشنطن, الظاهرة في 24 أبريل المنصرم بأنها العاصفة الكاملة لأنها مركب من فيروس معد ومميت، وبزوغ كساد اقتصادي عالمي، وانهيار في الحوكمة العالمية، وغياب التنسيق من أجل استجابة دولية، وكل ذلك قدم لتراجيديا ذات ثقل تاريخي دون تقديم خريطة نحو المستقبل. ولكن ربما كان أكثر ما استغرق جماعة التفكير كانت حالة العولمة ومن رأي أن منشأ الأزمة استند إلي الحالة العالمية المندمجة والمرتبطة الذي ليس فقط بسلاسل الإنتاج العالمية وخطوط مواصلاتها واتصالاتها، وإنما أكثر من ذلك بالفيروسات أيضا. بعد هذا التوصيف تمشي الجماعة في طريقين: التخلص من العولمة والانكفاء داخل الدولة القومية، أو أن العولمة كما كانت المشكلة فإن فيها أيضا يكمن الحل مما يعني أن تكون هناك عولمة من نوع آخر. في 27 أبريل المنصرم كتب الملك عبد الله الثاني ابن الحسين ملك الأردن مقالا في صحيفة الواشنطن بوست تحت عنوان: حان الوقت العودة إلي العولمة, وهذه المرة لنفعلها بشكل صحيح. المقال بدأ من زاوية شخصية أن الملك خلال 21 عاما من الحكم كانت كافية لكي يظن أنه شاهد كل شيء من الحروب إلي العمليات الإرهابية إلي موجات اللاجئين والأزمات المالية، حتي جاءت رواية الفيروس التاجي الذي بات علي رأس أعمال كل زعماء الكوكب في نفس اللحظة، ولكن القلق المشترك لم يترجم بالضرورة إلي عمل منسق.

هذه المفارقة لدي الملك بين القلق المشترك والعمل المنسق كما كانت المفارقة لدي سايمز بين العاصفة الكاملة وغياب الحوكمة الدولية هي عقدة الحالة الدولية كما نراها الآن. ويمضي ملك الأردن إلي توضيح المسألة من خلال الاطمئنان الذي يبعثه رؤية المجتمع الطبي العالمي يعمل علي تبادل المعلومات، بينما يبحث الأطباء والباحثون عن علاج. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن هذا العدو الأعمي للحدود ظهر فقط عندما كان مصطلح de-globalization إلغاء العولمة يدخل المعجم الدولي بفضل صعود القومية والحمائية والشك العام بشأن التعاون عبر الحدود من جميع الأنواع. هذه الحالة للعالم كما هي الآن تعود بنا إلي لحظة عالمية سابقة عندما اجتمعت البشرية معا في حزن مشترك أو خوف أو غضب عندما توالت العمليات الإرهابية علي العالم التي جعلت من الجنون الإرهابي ذكري قاسية في كل دولة من دول العالم. بغض النظر عن بُعد كل حادث، كان الشعور بالحزن دائما شخصيا أو يخص كل دولة علي حده، ورغم المأساة المشتركة فإن التواصل العالمي لم يكن كافيا. وكما نعلم في مصر فإن حديث الملك يماثل الدعوة المصرية لسنوات ماضية إلي عقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب ظلت قائمة دون تجسيد اللهم إلا أثناء حالة التضامن الإنساني ساعة وقوع أحداث إرهابية جديدة. هنا فإن الملك يشير إلي ما سماه عملية العقبة لتمكين جميع الشركاء من مكافحة التطرف والإرهاب من خلال زيادة الموارد وتبادل المعلومات وتحديد الثغرات التي ينفذ الإرهاب منها. هذه المرة فإن كوفيد-19 ضرب الجميع في نفس الوقت، وبات ضروريا إعادة البناء العالمي بعد الوباء، ولكن إعادة البناء ليست كافية، يجب أن نركز بدلا من ذلك علي إنشاء شيء جديد، شيء أفضل بهدف إعادة الدمج المتجدد لعالمنا الذي يركز علي رفاهية الشعوب. الملك يطالب بإعادة العولمة التي تقوي وتبني القدرات وتبشر بتعاون حقيقي بدلا من المنافسة والتي تعترف بأن دولة واحدة، تعمل وحدها، لا يمكن أن تنجح. وهذا يعني إعادة معايرة عالمنا وأنظمته. نحن بحاجة إلي إعادة تشكيل المؤسسات الدولية وبناء مؤسسات جديدة عند الحاجة. نحن بحاجة إلي إنشاء واستدامة منظمات جديدة تعتمد علي مهارات وموارد القطاعات المختلفة، عبر الحدود الوطنية.

خطاب الملك هكذا موجه إلي العالم، ولكنه في ذات الوقت يري أننا كدول عربية، ليس لدينا خيار سوي العمل معا لتخفيف الأثر علينا جميعا. ومع نبل هذه الدعوة فإن تحويلها إلي واقع يتطلب اجتهادا في الرؤية الاستراتيجية، وترجمة عملية إلي سياسات يمكنها أن تعبر الفجوة ما بين الدولة الوطنية والعالم الذي نعيش فيه من خلال رؤية للأمن الإقليمي تضم إلي التعاون في مواجهة الإرهاب تعاونا آخر في قطاعات الصحة والتنمية بشكل عام. العالم يسري عليه القول إن للبيت (العالمي) ربا يحميه، أو طبيعة المعادلات الجديدة بعد الأزمة بين الثلاثية الكبري التي تضم الولايات المتحدة والصين وروسيا، ومن يعلم ربما تنجح ألمانيا في إنقاذ أوروبا من آثار الأزمة وجروح البريكسيت البريطاني. ولكن ما يهمنا هو الجوار القريب الذي يضم التجارب الناجحة في التعامل مع الكوفيد ــ مصر والسعودية ودول الخليج العربية باستثناء قطر حتي تفك من غيها، والأردن ــ التي تخلق سوقا قدرها ما يقرب من مائتي مليون عربي، ولديه تنوعات كثيرة في الموارد والطاقات والقدرات، ما يجعلهم قادرين علي مواجهة الأزمات المختلفة، ودعم الدولة الوطنية. العالم العربي يحتاج طليعة تخرج به من الأزمات التي توالت خلال عقد من السنوات.


لمزيد من مقالات ◀ د. عبدالمنعم سعيد

رابط دائم: