عالم ما بعد فيروس كورونا سيختلف عما كان قبله. اعتقاد شائع نقرأ كل يوم ونسمع تعبيرات شتى عنه فى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى0لا يسأل أحد عن مصدر هذا الاعتقاد، ولا عن المعطيات التى ستجعل ما بعد كورونا مختلفا عما كان قبله. يتساوى فى ذلك عامة الناس، ورواد مواقع التواصل الاجتماعى، ومثقفون فى مجالات مختلفة. خلع خبراء وأساتذة جامعيون رداء أهل العلم والبحث العلمى، ولبسوا ثوب التنجيم وقراءة الطالع. نجد أساتذة وخبراء ومتخصصين فى العلاقات الدولية يفتون بأن تداعيات فيروس كورونا ستؤدى إلى تغيير شامل فى النظام العالمى. لم يعتكف أى من أصحاب هذه الفتوى أياما أو أسابيع قليلة للبحث فى الموضوع، وكتابة دراسة منهجية عن هذا التغيير الذى يجزمون بأنه قادم لا محالة, وملامحه التى لا يرسمون منها إلا ما يصادف هوى لدى هذا أو ذاك منهم. لا وقت لهذا النوع من البحث، فيما يبدو، فى زمن كورونا. شغف الناس لمعرفة ما سيحدث بعده يُغرى الكثير ممن يفترض أن مهنتهم البحث العلمى باستسهال نشر او بث انطباعات وآراء شخصية. أهل علم يركبون الموجة، ويتقدمون الصفوف ويقدمون ما يشبه السراب لمن ينتظر منهم الماء. وعندما نتأمل هذا الاعتقاد الشائع عن الفيروس، الذى سيحدث كل هذا التغيير فى العالم، يبدو كما لو أنه لا يتغلغل فى خلايا الجهاز التنفسى للإنسان فقط، بل فى نسيج العلاقات العالمية والإقليمية، وفى أنماط التفاعلات بين البشر على مختلف المستويات وربما يبدو، من زاوية أخرى، سحرا بالمعنى الوارد فى معجم المعانى الجامع، وهو كل أمر يخفى سببه، ويمكن تخيله على غير حقيقته، وتستخدم فيه القوى الخارقة. ويمكن أن نعيد شيوع هذا الاعتقاد فى أن كورونا سيغير كل شىء فى العالم إلى حالة الخوف المنتشرة على نطاق واسع. تؤدى مثل هذه الحالة إلى تضخيم الأمور، وازدياد الإقبال على التوقعات الضخمة. وعندما تنحسر هذه الحالة, ربما يتضح أن التغيير الذى سيحدث أقل بكثير مما يتخيله من يفتون بأن شيئا لن يبقى على حاله.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: