رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

فكرة رمزية برؤية فلسفية ..
«المنصـة» كابوس إسبانى لما بعد الجائحة!

ماهر زهدى;

هناك أفلام تشاهدها تثير بداخلك الكثير من المخاوف، غير أنها قد تدفعك لإعادة التفكير فى كل ما حولك، فى الماضى الذى وصل بك إلى الحاضر، وما الذى يمكن أن تفعله فى المستقبل؟ وهو ما حاول أن يفعله الفيلم الإسبانى، The platform أو «المنصة»، الذى حاول قراءة الواقع بناء على الماضى، ودفع المشاهد للتفكير فيما يمكن أن يكون عليه المستقبل؟!

.........................



الفيلم، كتبه ديفيد ديسولا، وبيدرو ريفيرو، وهو أول تجربة لمخرجه الإسبانى جالدير جاستيلو أوروتيا، مع السينما الروائية الطويلة، وتدور أحداثه بشكل رمزى، داخل أحد السجون الافتراضية، الذى بنى بشكل رأسى، لتكون غرفه طوابق فوق بعضها البعض، كل طابق يضم اثنين من المساجين، وفى منتصف الطابق فتحة ضخمة على شكل مربع، تهبط خلالها «منصة»، مليئة بأفخم أصناف الطعام، وما إن تبدأ فى الهبوط، حتى يكون على نزيلى كل طابق التهام ما تطوله أيديهما بسرعة فائقة، قبل أن تغادرهما للطابق التالى بعد ثوانٍ معدودة، كما يحظر على أى نزيل أن يحتفظ بشيء من الطعام، وإلا تحول الطابق إلى حرارة إلى حد الاختناق، أو برد إلى حد التجمد، ما يجعل نزيلى كل طابق، يلتهمان الطعام بشكل غير آدمى، غير عابئين بمن أسفلهما.

اختار صناع الفيلم، مثلما يكون السجن افتراضيا، ويحمل دلالات رمزية فى الشكل والتعامل، وأن يكون أيضا الوجود داخله اختياريا، ومن حق كل نزيل أن يصحب معه شيئا يختاره، سواء كان كتابا أو حيوانا أليفا، أو حتى سلاحا، مثلما يحدث مع بطل الفيلم النزيل الجديد «جورينج»، أو الممثل إيفان ماساجوى، الذى اختار أن يدخل إلى هذا المكان بإرادته، بهدف القراءة والمذاكرة للحصول على دبلوم ما، فقرر أن يصطحب معه رواية «دون كيشوت»، للأديب الإسبانى ميجيل دى ثيربانتس سابيدرا، بعد مقابلة مع «إيموجيرى»، التى تجسدها أنطونيا سان خوان، المسئولة عن قبول النزلاء الجدد.

يستيقظ «جروينج»، ليجد نفسه فى الطابق الثامن والأربعين، مع زميل عجوز يدعى «تيرماجاسى»، يجسد دوره زوريون إجويلور، يحاول أن يسأله بدافع الفضول عن طبيعة المكان وشكل الحياة، لكنه لا يجيبه، قبل أن يأتى وقت هبوط «المنصة» ليسرع «تيرماجاسى»، لالتهام ما تبقى من الأدوار العليا، والتى تبدو كفضلات طعام، لكن عليهما أكل أى شيء من أجل البقاء.

يبدأ السيناريو فى توضيح المغزى الحقيقى من الفيلم، مع إدراك «جروينج»، أن من هم بالأعلى لا يعيرون من بالأسفل أى اهتمام، فكل طابق تمر عليه المنصة لا يعبأ بإفساد ما تبقى من طعام، دون أن يفكر أن هناك من ينتظرون البقايا أسفله!

يبدأ المثقف الذى يحارب «طواحين الهواء» بطرح مفهوم «عدالة التوزيع»، فيلقى سخرية من هم أعلاه، ومن أسفله أيضا، ويكون أول منتقديه زميل طابقه الذى يتهمه بالفكر «الشيوعى»، وعندما يطالبه «جروينج» بالتوقف عن العبث بالطعام، فربما ينعكس الوضع ويعلوه من هم أسفله يوما، حيث تقوم إدارة السجن فى بداية كل شهر، بإطلاق غاز مخدر لينام الجميع، ليستيقظوا صباح اليوم التالى، ليجد كل منهم نفسه فى طابق جديد، وربما مع زميل مختلف، فيؤكد له العجوز أن الطبيعة تجعل كل ذى نفوذ، يطأ بقدميه من هو أضعف منه!

اختار السيناريو أن يلعب على التيمة الأزلية القائمة على الصراع الطبقى، بشكل مختلف، وإظهار التركيبة النفسية لكل طبقة، دون توجيه اتهام لفئة دون غيرها، خاصة أن الأوضاع تسمح بتبادل الأدوار، مشيرا إلى أن الكارثة الحقيقية تبدأ عندما تنتهى بقايا الطعام بعد عدد من الأدوار التى تبدو وكأنها لا نهاية لها، ليكون الخيار الوحيد هو البشر أنفسهم، ولجوء الكل لشريعة الغاب ورغم ذلك لا يتخلى «جروينج» عن محاولة تطبيق العدالة، سواء بنقاشاته مع «إيموجيرى» مسئولة الاستقبال التى استقبلته، بعد ان أصبحت من بين النزلاء وتشاركه غرفته، أو مع زميل جديد يدعى «بهارات» يجسده إميليو بوال، والذى يتفق معه على أن يرافقا المنصة لمنح كل نزيل ما يكفيه فقط، حتى يصلا إلى الطابق 333، ويظنا أنه الأخير، والذى يجدان فيه الطفلة التى كانت تبحث عنها والدتها «ميهارو»، إحدى النزيلات التى تجسدها لكسندرا ماسانجكاى، لكن فجأة تواصل المنصة رحلتها إلى طوابق أخرى فيكتشف أن الطوابق لا نهاية لها، فيقرر «جروينج» أن يضع الفتاة فوق المنصة، لتصعد لمن يجهزون «الطعام» لتكون بمثابة رسالة لهم، علهم يشعرون بما يرتكبونه من جرائم فى حق كل الطوابق، حتى لو كان الثمن التضحية بنفسه.

الفيلم يجمع بين الخيال العلمى، والرعب والإثارة، فى إطار رمزى مجرد، ليقدم فكرة فلسفية بهدف توصيل رسالة محددة، فهو لا يتعرض لمجرد مجموعة من البشر فى سجن تقليدى، بل يثير العديد من المخاوف والرعب، خاصة من تلك العزلة، وأن كلا منهم مسجون داخل أفكاره، فضلا عن قوانين المكان، فى ظل نقص الغذاء الذى يعد الكارثة الحقيقية، والرهان الأهم على البقاء، وهو ما نجح السيناريو بشكل كبير فى تحقيقه، سواء من خلال البناء الهرمى للسجن، أو الأشخاص الذين استعان بهم لتوصيل هذه الرسالة، فضلا عن الحوار الفلسفى الذى يحمل أكثر من مستوى للتفكير، ليعكس مشكلة حقيقية، بدأ العالم كله يعانى منها مؤخرا، خاصة بعد جائحة «الفيروس»، وما قد يهدد العالم فى المستقبل القريب من نقص الغذاء، بحبكة درامية بارعة تعكس فلسفة صناع الفيلم، وتحمل أكثر من رسالة، تصل إلى حد «القبح» أحيانا.

دقة السيناريو والحوار، وأسلوب السرد مع تلك النهاية المفتوحة، أضاف الكثير من التشويق والإثارة للفيلم، من دون ملل، رغم ثبات الديكور مع عدد محدود من الممثلين، الذين قدموا أداء بارعا، ما ساعد المخرج على تنفيذ فكرته ببراعة وتقديم رؤية بصرية، ربما كانت مقبضة، لكنها تتناسب والأحداث، عبر زوايا تصوير دقيقة وحادة، وبإضاءة مناسبة جدا، وموسيقى أكدوا جميعا على إحساس «الكابوس»، الذى أراد المخرج صنعه، ونجح فيه بشكل كبير، ليحفز المشاهد على محاولة إيجاد إجابات بداخله حول واقعه... وشكل مستقبله!

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق