ساعات قليلة وينطلق مدفع الإفطار.. كل أفراد العائلة مجتمعون..صوت القرآن يرتفع من الراديو.. الصغار يلتفون حول شاشة التليفزيون بحثا عن برنامج جديد فى محاولة لقتل الوقت ومحاربة الجوع.. الكل يبحث عن مهام صغيرة لإعداد المائدة الرمضانية العامرة بأشهى الأطعمة والعصائر والحلوى..شعور جماعى بالإرهاق والعطش تغمره مشاعر أقوى وأكبر من السعادة..إنه إفطار أول يوم رمضان فى أى بيت مصرى. هذه الفرحة واللمة التى سيحرمنا منها الفيروس وحظره الملعون اليوم.
لا يمكن أن ننسى مشاهد الإفطار العائلية فى فيلم فى بيتنا رجل رائعة الأديب الراحل إحسان عبدالقدوس والذى عرض عام 1961، من بطولة عمر الشريف وحسن يوسف، وكيف نجحت فى نقل صورة واقعية لدفء الأسرة المصرية وترابطها بعاداتها البسيطة. وها هو الشهر الفضيل يهل علينا من جديد بيمنه وخيره وبركاته. ولكن إلى جانب قدسية الشهر المعظم ومتعة العبادة فيه هناك أسرار أخرى للسعادة الرمضانية؟ ..تلك الفرحة الطفولية البريئة التى تهل علينا وتغمرنا مع هلال رمضان. فرحة تولد كل عام من جديد مع الطقوس التى اعتدنا عليها منذ الصغر، بدءا بالفانوس وإعداد المنزل وتجهيز الأطعمة، والترتيب لصلاة التراويح، وإعداد شنط الخير، وطبعا رمضان يحب اللمة. فاستقبال الشهر له طقوسه التى لا يمكن التفريط فيها. ولكن التغيير هو الحقيقة الثابتة الوحيدة فى هذه الحياة، فجأة تحول الفانوس إلى تراث، واليوم اللمة أصبحت محرمة بأمر كورونا، والآن أصبحنا نواجه مهمة جديدة وهى الإبداع فى وضع طقوس جديدة واستعادة الفرحة المسروقة، وصنع الذكريات لأولادنا. المهمة صعبة.. ولكنها متروكة لإبداع كل عائلة. فها هى زينة رمضان يتصدرها الفانوس التاريخى الضخم تضيء الشوارع وتتألق داخل المنازل. تجمعات عائلية عبر الفيديو كونفرانس وتطبيقات المحمول المتنوعة تحاول تعويض بعض آلام التباعد الاجتماعى. فالتكنولوجيا اليوم هى محور حياتنا، وآن الأوان لإخضاعها لأداء مناسكنا وطقوسنا الدينية والاجتماعية، فمسلمو الغرب يجتمعون حولها اليوم لأداء صلاة التراويح وقراءة القرآن. واليوم أيضا تجمعنا بعائلاتنا. المهمة صعبة.. ولكننا نصنع لأولادنا ذكريات الزمن القادم، ونعلمهم كيف تغلبنا على أحزان أول رمضان بدون عائلاتنا وصنعنا طقوسا جديدة للسعادة. وزمان مسحراتى فؤاد حداد قال: فى كل مطرح لما ألاقى حنان.. وألاقى قعدة تجمع الخلان.. وألاقى نسمة من هوى الأوطان.. وألاقى طيب: افتكر رمضان. فلنترك أحزاننا خلفنا.. ودعونا نصنع إفطارنا السعيد بكل الحب.
لمزيد من مقالات مروى محمد إبراهيم رابط دائم: