مازلنا نتابع باندهاش أزمة فيروس كورونا العالمية والجهود التى تبذلها كل الحكومات لاحتواء الوباء القاتل منذ انطلاقه فى ديسمبر الماضى من الصين واجتياحه 193 دولة ومنطقة. لقد أصبح واضحا أن الولايات المتحدة أكثر الدول تضررا ثم إيطاليا وإسبانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وإيران، وفى القارة الإفريقية فأكثر الدول تضررا بوركينا فاسو وساحل العاج ونيجيريا والسنغال وكينيا ورواندا وفى إفريقيا الجنوبية وصل تعداد الوفيات إلى ألف و686 فردا. الوباء الفتاك لم يرحم الأغنياء والمشاهير والرياضيين وتوفى أخيرا «بابا ضيوف» الرئيس السابق لأوليمبيك مرسيليا وتستمر الحياة فى دورانها الطبيعى واسترعى إنتباهى خبر طريف أن امرأة هندية ولدت توأما ونظرا للولادة المتعثرة أطلقت على المولودين اسم «كورونا» وكوفيد! ولقد قررت الحكومة الهندية مد العزل إلى 3 مايو بسبب الكثافة السكانية التى تبلغ 1.3 مليار نسمة وتسببت فى 11 ألفا وخمسمائة وخمسين حالة كورونا و369 وفاة منذ البداية.. المملكة المتحدة لم تتجاوز الوباء بعد ومدت فترة الاحتواء مثل الأوروبيين جميعا ما عدا الدانمارك وعلى الصعيد الأوروبى توالت المؤتمرات وكان أهمها اجتماع وزراء مالية الستة والعشرين الذين توصلوا لنتائج إيجابية بعد مفاوضات طويلة والاتفاق على خطة انتعاش اقتصادى ولقد تركزت أهمية الاستجابة الأوروبية على ثلاثة مجالات رئيسية: توفير 24 مليار يورو على شكل قروض من صندوق إنقاذ منطقة اليورو، وصندوق ضمان آخر بقيمة 200 مليار يورو للشركات الصغيرة ومائة مليار دولار لدعم البطالة الجزئية.. إن الاقتصاد الأوروبى يتجه نحو ركود عميق حتى أن صندوق النقد الدولى يعتقد أن «كوفيد 19» سوف يكون السبب فى أسوأ العواقب الاقتصادية مثل الكساد الكبير الذى مرَّ به العالم وتضررت منه مصر فى أزمة 1929 ـ 1930 ولذلك خصصت أوروبا خمسمائة مليار دولار لمناهضة العواقب الكارثية لكورونا ولقد بلورت الحكومة الفرنسية خطتها فى مائة وعشرة مليارات يورو إلى جانب تقديم الدعم للأسر الأكثر فقرا للحفاظ على المجتمع الفرنسى وأنشأت صندوقا للتضامن بسبعة مليارات يورو وخصصت أربعة مليارات للأقنعة بهدف صمود النظام المالى الفرنسى. ويحذر اليوم علماء الاجتماع من الآثار الاجتماعية لكورونا فى العالم والتى سوف تؤثر على علاقة الدول بمواطنيها وعلى علاقاتها الثنائية وعلى التعاون الدولى والانقسام بين دول الشمال والجنوب. وتحية لفرنسا وللرئيس ماكرون الذى أعلن إلغاء الديون الإفريقية التى وصلت إلى 365 مليار دولار. ويشيد علماء الاجتماع بنجاح الدول العربية وعلى رأسها مصر فى انتهاج سياسات تفتح المجال للاندماج الوطنى وتعزيز التضامن الاجتماعى وقاموا بالتنديد بسياسة الرئيس ترامب الانعزالية وتعليق مساهمة الولايات المتحدة فى دعم منظمة الصحة العالمية والتى تبلغ 15% من إجمالى الدعم الدولى. وإذا كان العالم يحاول وضع لبنة المجتمعات ما بعد كورونا فهناك حتى الآن تأرجح بين الخوف والأمل.. أما بالنسبة لأوروبا الذى يقال عنها «إنها إذا لعبت ذراعا صغيرا فسوف ينتهى بها الأمر مثل مزهرية قديمة على الرف» فذلك سابق لأوانه.. لأن باستخلاص خمسمائة مليار يورو من بنك الاستثمار والتجارة الأوروبى لتجاوز الأزمة ومكافحة الوباء فهو إنجاز ضخم، ولا ننسى أن الاتحاد الأوروبى كان على أعتاب الانتقال من مصاعب «البريكسيت» قبل جائحة الكورونا ومن تصاعد التيارات الشعبوية أيضا والتى تناهض مفهوم الوحدة الأوروبية وكانت هناك قوة دفع حقيقية من خلال تولى فرنسا وألمانيا قيادته الفعلية وإعادة الثقة والقوة له من خلال رئيسة المفوضية الاوروبية «أرسولا فون درلاين» التى قامت بمبادرات جريئة لإعادة الاتحاد الاوروبى على الساحة الدولية. وحتى تتفادى أوروبا والمنطقة العربية أن يصبحا مثل «الرجل المريض للامبراطورية العثمانية» فى ذروة هزيمتها يجب أن يعملا على تعزيز ودعم وحدتهما إلى أقصى الحدود!
لمزيد من مقالات عائشة عبدالغفار رابط دائم: