رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

كبار السن يزدادون انعزالا.. والوحدة «فيروس» المرحلة المقبلة!

دينا عمارة

لم تتصور السيدة الأمريكية ذات السبعين عاما أن تؤول حياتها إلى ما آلت إليه الآن، فقد كانت فى شبابها فتاة محبة للحياة ومقبلة عليها، تعشق الخروج والتنزه ونادرا ما كانت تقبع فى منزلها لفترات طويلة. ولكن الزمن لا يبقى شيئا على حاله, حيث الأبناء يتزوجون والأزواج يرحلون, وتبقى جيليان وحيدة فى منزلها, لا يؤنس وحدتها سوى بعض الذكريات وصدى ضحكات الأبناء تتردد بين جدران منزلها الخاوى.

ازدادت وحدة جيليان كثيرا ،خاصة بعد إجرائها جراحة صعبة فى ساقها أجبرتها على البقاء فى المستشفى لمدة 3 أشهر، وهى فترة كانت كفيلة بتدهور صحتها العقلية أيضا. وبعد مغادرتها المستشفى لم تعد حياتها كما كانت من قبل, فانزوت أكثر وأصيبت بالاكتئاب وبدأت تعانى نوبات القلق. تدريجيا انسحبت جيليان من الحياة وتوقفت عن فعل الأشياء التى تحبها حيث لم تترك جيليان شقتها لمدة عام كامل ولم تخرج وتلتقى بأصدقائها أو تبذل أى جهد للتفاعل مع السكان الآخرين. لم تر السيدة المسنة سوى عامل رعاية لمدة 20 دقيقة فى اليوم كان مشغولا للغاية فى القيام بعمله، لذلك فقد كان لديها فقط الراديو أو التليفزيون للتسلية.

الآن ومع إنتشار وباء كورونا فى جميع دول العالم وارتفاع أعداد الوفيات بشكل مخيف، أصبحت الاستجابة السريعة لمطالب «التباعد الإجتماعي» أمرا حتميا للقضاء على هذه الجائحة ومنع زيادة انتشار الوباء الحالي,.ولكن مثلما تهدد تداعيات كورونا بالتسبب فى ركود اقتصادى، فإنها ستسبب أيضا ما يمكن أن نسميه بـ»الركود الاجتماعي», بمعنى فقدان التواصل الاجتماعى والذى سيكون صعبا بشكل خاص على كبار السن والأشخاص ذوى الإعاقة أو الذين يعانون ظروفا صحية صعبة.

مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها حذرت بالفعل الأمريكيين فوق سن الستين من «تجنب الازدحام» و «إلغاء جميع الأنشطة غير الضرورية» و»البقاء فى المنزل قدرالإمكان».و قال ويليام شافنر، مستشار المؤسسة الوطنية الأمريكية للصحة العامة وخبير الأمراض المعدية لشبكة «سى إن إن» الأمريكية ،» إن أهم شيء يمكن القيام به لتجنب الفيروس هو تقليل تواصلنا وجها لوجه مع الناس» وهى نصائح تبدو من الناحية النظرية صائبة تماما وضرورية فى الوقت الحالى، ولكن ماذا عن تأثير ذلك على كبار السن الذين، حتى قبل أن يعرف العالم ما هو «التباعد الاجتماعي»، كانوا بالفعل يعيشون عزلتهم الخاصة؟

أشار تقرير، نشرته مجلة «تايم» الأمريكية، إلى أن العديد من الدراسات كشفت عن وجود علاقة متسقة بين العزلة الاجتماعية والاكتئاب والقلق وحتى الأفكار الانتحارية.و يقول فيفيك مورثى، جراح عام أمريكى سابق,،إنه على مدى آلاف السنين، أصبحت قيمة التواصل الاجتماعى شيئا أساسيا فى نظامنا العصبى بحيث أن غياب مثل هذه القوة الواقية يخلق حالة إجهاد فى الجسم. فالوحدة تسبب الإجهاد الذى، إذا استمرعلى المدى الطويل أو أصبح مزمنا، فإنه يؤدى بدوره إلى ارتفاع متكرر لهرمون الإجهاد الرئيسى (الكورتيزول), كما أنه مرتبط بمستويات أعلى من الالتهاب فى الجسم، وهذا بدوره يضر بالأوعية الدموية والأنسجة الأخرى مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكرى والسمنة وأمراض المفاصل والاكتئاب والوفاة المبكرة!

وإذا كان الإجهاد هو المسار الذى يؤدى فيه الشعور بالوحدة إلى الإضرار بالصحة، فإن الفيروس التاجى يمثل تهديدا مزدوجا حتى أنه يتجاوز مخاطرها المباشرة، فهو مرعب ويؤدى إلى العزلة فى نفس الوقت. ولعل الأمريكية أليس مكهيل والتى تبلغ من العمر 70 عاما خير مثال على ذلك, فهى مصابة بمرض انسداد رئوى مزمن, وتقول أنها باتت تشعر بقلق إضافى الآن وتجد صعوبة فى التركيز والنوم. وتضيف إن القلق من إصابتها بـ»الفيروس التاجي» جعلها تخشى مغادرة المنزل وهو ما دفعها إلى الإنعزال التام خوفا من تدهور حالتها.

لا أحد منتبه الآن إلى التكلفة التى سيدفعها كبار السن جراء «التباعد الاجتماعي»، فالجميع وعلى رأسهم الكونجرس والإدارة الأمريكية فى سباق مع الزمن لوقف النزيف البشرى ومحاولة ابتكار علاج للوباء المنتشر من جهة، وأيضا وقف النزيف الاقتصادى الذى نتج عن عمليات الإغلاق الجزئى للبلاد من جهة أخرى. وذهبت واشنطن إلى أبعد من ذلك بخصوص الجدل حول التخفيضات الضريبية على الرواتب وعمليات إنقاذ الصناعة والإجازات المرضية المدفوعة، ولكن فى الوقت نفسه لم تتخذ الإدارة الأمريكية الأدوات السياسية لمكافحة «الركود الاجتماعي» الذى سيدخل البلاد فى فترة جديدة من «الألم».

إذا كيف نتأكد من أن كبار السن الذين نحبهم على ما يرام بينما نبتعد فى نفس الوقت حتى لا نعرضهم للخطر؟ وكيف نوازن بين حاجتهم لنا والضرورة المفاجئة للعزلة؟

أشار فيفيك مورثى، الجراح العام السابق، الى أنه للتعويض عن عدم الاتصال المباشر, يجب علينا تكثيف اتصالاتنا الافتراضية, فالمؤتمرات المرئية والمكالمات الهاتفية أغنى من الرسائل النصية أو البريد الإلكتروني, وهناك الكثير من دروس التمرين والتأمل والندوات ومجموعات المناقشة ومحادثات الكتاب والصفوف المجانية المتاحة عبر الإنترنت, والتى يمكن لكبار السن الإشتراك فيها لقتل الوقت والإندماج مع الآخرين. لكنه فى الوقت نفسه أوضح أنه للأسف، غالبا ما يكون السكان الأكثر تضررا هم الأقل خبرة من الناحية التكنولوجية، لذا قد تكون إحدى الطرق البسيطة للمساعدة هى أن يشكل الأشخاص «فرق دعم تقني» لجيرانهم من كبار السن الذين لا يجيدون استخدام التكنولوجيا للتواصل مع عائلاتهم.

أما بالنسبة لجون بول ليدراخ، خبير السلام الدولى وتحويل الصراعات، فإن الخطوة المهمة هى تعزيز الشعور بالانتماء المتبادل، وهذا يعنى لقاء وخدمة الناس حيث يعيشون من خلال الذهاب «فعليا» إلى منازلهم أو أحيائهم،مع الاحتفاظ بالطبع بمسافة «آمنة» واتخاذ الإجراءات الوقائية لتجنب نقل العدوى إليهم. ويمكن إرسال الرسائل والبطاقات والكتب والمقالات وحتى باقات الزهور لهم بسهولة عن طريق البريد.

بالفعل جعلت جائحة كورورنا العديد من الشباب يدرك مدى العزلة التى يواجهها كبار السن, وهناك أمل أنه بانتهاء هذه المحنة سيكون هناك تقديرا أكبر للتواصل البشرى وسيعزز التباعد الاجتماعى تقديرنا للتواصل وجها لوجه. فرغم أن الغزو التكنولوجى قد حل محل الاتصال البشرى المباشر، إلا أن التضامن البشرى يظهر جليا فى كل مرة يجتمع فيها العالم حول هدف أو أزمة مشتركة، سواء كان حادثا إرهابيا أو إعصارا أو زلزالا. ونرى أيضا هذه الغريزة فى تدفق المساعدة والمعونة من قبل المتطوعين حول العالم. وحتى الآن ونحن نواجه جائحة (كوفيد 19) العالمية واللجوء إلى التباعد الجسدى للحد من انتشار الفيروس، نحن ندرك أنه لا يمكننا تخطيه من خلال الخوف والخطر وعدم اليقين دون دعم بعضنا البعض.وعلى الرغم من الوقت الصعب الذى نعيش فيه، لا تزال غرائز مجتمعنا على قيد الحياة وبصحة جيدة، عندما نتشارك هدفا مشتركا وعندما نسمع نداء للمساعدة يمكننا الرد عليه، سينجو معظمنا وسنجتمع مرة أخرى.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق